سواء انتحر طفلُ أبها بسبب الحوت الأزرق والألعاب الإلكترونية أو انتحر لأسباب نفسية واجتماعية، الأمر لا يفرق كثيراً لأن الجناية في تصوري تتحملها مؤسسات لم تقم بمسؤوليتها ولم تتخذ إجراءات وقائية ولم تقم بالدراسات اللازمة حول تأثير هذه الألعاب الإلكترونية ولم تكلف نفسها بإصدار بيان تشرح للرأي العام نتائج استطلاعاتها، بل إنها إلى الآن ربما تعتقد أنها غير معنية بانتحار الأطفال وإدمان الألعاب الإلكترونية والإنترنت والتواصل الاجتماعي، ناهيك عن أن المستهدفين بلعبة الحوت الأزرق هم أصلا المكتئبون والمضطربون نفسيا وسلوكيا، حسب ما جاء على لسان عرّاب هذه اللعبة، فهو يهدف بهذه اللعبة كما يقول للتخلص ممّن أسماهم «النفايات البيولوجية» بدافع الكره للأغبياء كما يقول بعض المحللين، وبدافع الفوقية والتعالي كما يراها البعض.
لا يهمني دوافع مصممي الألعاب كثيراً، فهناك دافع رئيسي هو العائد المادي. تقول الزميلة سارة السهيل في الأهرام أصبحت الألعاب الإلكترونية صناعة تستأثر بحصة كبيرة في الاقتصاد العالمي، وهو ما يشير إليه حجم الإحصاءات والأرقام، حيث يناهز 110 مليارات دولار، وحيث يتوقع له في 2020 أن يصل إلى 200 مليار.
للأسف نحن لا نُعير اهتماماً كبيراً للتخصصات والمِهن ولا لرأي المتخصصين ورأي المهنيين والمحترفين في ثقافتنا الاجتماعية والعملية، لذلك تجدنا عادة ننقسم في كل قضية رأي عام للأسف إلى فريقين؛ فريق «كل شيء تمام»، وفريق «كل شيء دمار». والفريقان ينتميان إلى مدرسة عريقة لدينا وهي مدرسة المزادات الإعلامية والظواهر الصوتية. ويستمر غياب المتخصصين أو تغييبهم.
في قضية انتحار طفل أبها، تغيب وزارة التعليم ووزارة التنمية الاجتماعية وتغيب كليات التربية والاجتماع وعلم النفس في جامعاتنا المحترمة وبغياب المجتمع المدني.
ويغيب مع كل هؤلاء المتخصصون والمهنيون.
سؤالي: أين وزارة التعليم عن هذه القضية ليس اليوم بل منذ عام 2013 حين أطلقت هذه اللعبة وحين تم تداولها عالميا ومحليا؟
لماذا تدفن هذه الوزارة رأسها في الرمل وكأنها غير معنية بما يدور ويجري؟
أليس في صلب عمل التربية والتعليم إجراء التجارب والدراسات والاختبارات النفسية والسلوكية على الطلاب والطالبات؟ لماذا تؤثر وزارة التعليم الصمت في حادثة انتحار طفل أبها؟ لماذا تترك المجال لاجتهادات فردية من خارج دائرة التربية والعمل التربوي؟
أم أن وزارة التعليم آثرت الصمت واستمرأت دفن الرأس في الرمل، بسبب أن قراراتها إدارية، ومن يقررون هم إداريون والحلول التي يقدمونها عادة هي حلول إدارية وليست تربوية أو تعليمية حتى في صلب العمل التربوي والتعليمي؟
إلى متى يبقى التعليم مرتهنا للإداريين والقرارات الإدارية حتى في القضايا التربوية؟
بعيداً عن القرارات، هل سمعتم يوما أن وزارة التعليم والجهاز التربوي أجرى دراسة حول تأثير الألعاب الإلكترونية إيجابياً أو سلبياً على الطلاب والطالبات نفسيا أو سلوكياً؟
وهل سمعتم أن جيوش التربويين والتربويات أو بعضهم في هذه الوزارة أجروا تجربة على مستوى الإبداع والتفكير والخيال بين الطلاب والطالبات من مدمني الألعاب والإنترنت والتواصل الاجتماعي، مقارنةً بنظرائهم الأقل استخداماً أو معدومي الاستخدام لتلك التقنية والبرامج؟
وهل تسمح الوزارة لهم أصلاً بإجراء هذه الدراسات بشكل غير مركزي أحادي من الوزارة؟
لماذا لا تملك وزارة التعليم الجرأة والإرادة بإعادة تجارب الدول إذا لم تستطع إجراء تجارب نفسية واجتماعية جديدة وخاصة بها؟
إنني أحيلكم لتوصيات ومقترحات ورشة المرصد الإعلامي لحقوق الطفل والتي حضرتها وشاركت بها في المجلس العربي للطفولة والتنمية في القاهرة بالشراكة مع برنامج الخليج العربي للتنمية وجامعة الدول العربية.
من المؤسف حقاً أن المتابع لأخبار التعليم، لن يجد إلا قرارات إدارية حول حركة المعلمين والمواصلات والإنشاءات وأعداد الناجحين؟
لن تجد قصة نجاح لأي معلم أو معلمة من بين ما يقارب 500 ألف معلم ومعلمة. ناهيك عن قصص النجاح المجهولة بين الطلاب والطالبات، لأن النجاح المطلوب هو فقط نجاح المقررات الدراسية النمطية، ولا يجوز لأي معلم ومعلمة أو طالب وطالبة أن يبتكر أو ينجح خارج السرب وبعيدا عن القطيع.
لا يمكن أن نتصور وزارة بهذا الحجم وهذه المركزية وهذا التأثير أن تبقى رهينة للقرارات الإدارية بعيداً وبمنأى عن القرار التربوي والتعليمي، ليس إقلالا من الإداريين والقرارات الإدارية، لكن الإداريين لن يلتفتوا لقيمة عمل قام به معلم أو معلمة في الطائف أو في الجوف أو في الرياض، إلا إذا كان من داخل السرب وضمن البيروقراطية المألوفة التي لا تخرج عن نمطية بيت الطاعة الإدارية.
يبدو لي أن الفجوة لا تزال واسعة بين وزارة التعليم وكليات التربية في الجامعات حتى بعد أن استظلوا بوزارة واحدة، وإلا ما معنى أن تبقى الوزارة رهينة القرارات الإدارية؟ وما معنى عدم اكتراث الوزارة بالمتغيرات التربوية، وهي الجهة رقم واحد المعنية برؤية 2030، والعمل من الآن على إعداد جيل الصناعيين القادمين من الطلاب والطالبات للعشر السنوات القادمة.
بالمناسبة سطوة القرار الإداري على حساب القرار الفني المتخصص ليس فقط في وزارة التعليم، هو في الصحة والعمل والتنمية الاجتماعية والبلديات وغيرها من الوزارات والهيئات، لكن ضرره بالغ في التعليم لمساسه بكل فرد وكل أسرة في المجتمع.
لا أبرئ الأسرة والأب والأم على وجه التحديد مما يشاهده ويتعامل معه الأطفال والمراهقون من ألعاب إلكترونية وتواصل اجتماعي وإنترنت، فالفراغ وتدني المتابعة وكثرة المغريات في تلك البرامج تحديات فرضت نفسها على الأسرة والمدرسة.
لكن الأسرة لا يمكنها أن تضع شروطا رقابية أو تحصينية صحيحة على أبنائها دون جهة تربوية مختصة تحدد لها ذلك وتحدد الأعمار المناسبة لكل لعبة.
المطلوب من وزارة التعليم وجيوش التربويين التابعين لها أن تتم محاكاة كل برنامج وكل لعبة إلكترونية جديدة في القاعة الدراسية وأمام كل الطلاب والطالبات لاستيعاب المخاطر والتأثيرات بشكل جماعي وأخذ العبرة مسبقا وقبل أن ينشب الفأس بالرأس.
Dwaihi@agfund.org
لا يهمني دوافع مصممي الألعاب كثيراً، فهناك دافع رئيسي هو العائد المادي. تقول الزميلة سارة السهيل في الأهرام أصبحت الألعاب الإلكترونية صناعة تستأثر بحصة كبيرة في الاقتصاد العالمي، وهو ما يشير إليه حجم الإحصاءات والأرقام، حيث يناهز 110 مليارات دولار، وحيث يتوقع له في 2020 أن يصل إلى 200 مليار.
للأسف نحن لا نُعير اهتماماً كبيراً للتخصصات والمِهن ولا لرأي المتخصصين ورأي المهنيين والمحترفين في ثقافتنا الاجتماعية والعملية، لذلك تجدنا عادة ننقسم في كل قضية رأي عام للأسف إلى فريقين؛ فريق «كل شيء تمام»، وفريق «كل شيء دمار». والفريقان ينتميان إلى مدرسة عريقة لدينا وهي مدرسة المزادات الإعلامية والظواهر الصوتية. ويستمر غياب المتخصصين أو تغييبهم.
في قضية انتحار طفل أبها، تغيب وزارة التعليم ووزارة التنمية الاجتماعية وتغيب كليات التربية والاجتماع وعلم النفس في جامعاتنا المحترمة وبغياب المجتمع المدني.
ويغيب مع كل هؤلاء المتخصصون والمهنيون.
سؤالي: أين وزارة التعليم عن هذه القضية ليس اليوم بل منذ عام 2013 حين أطلقت هذه اللعبة وحين تم تداولها عالميا ومحليا؟
لماذا تدفن هذه الوزارة رأسها في الرمل وكأنها غير معنية بما يدور ويجري؟
أليس في صلب عمل التربية والتعليم إجراء التجارب والدراسات والاختبارات النفسية والسلوكية على الطلاب والطالبات؟ لماذا تؤثر وزارة التعليم الصمت في حادثة انتحار طفل أبها؟ لماذا تترك المجال لاجتهادات فردية من خارج دائرة التربية والعمل التربوي؟
أم أن وزارة التعليم آثرت الصمت واستمرأت دفن الرأس في الرمل، بسبب أن قراراتها إدارية، ومن يقررون هم إداريون والحلول التي يقدمونها عادة هي حلول إدارية وليست تربوية أو تعليمية حتى في صلب العمل التربوي والتعليمي؟
إلى متى يبقى التعليم مرتهنا للإداريين والقرارات الإدارية حتى في القضايا التربوية؟
بعيداً عن القرارات، هل سمعتم يوما أن وزارة التعليم والجهاز التربوي أجرى دراسة حول تأثير الألعاب الإلكترونية إيجابياً أو سلبياً على الطلاب والطالبات نفسيا أو سلوكياً؟
وهل سمعتم أن جيوش التربويين والتربويات أو بعضهم في هذه الوزارة أجروا تجربة على مستوى الإبداع والتفكير والخيال بين الطلاب والطالبات من مدمني الألعاب والإنترنت والتواصل الاجتماعي، مقارنةً بنظرائهم الأقل استخداماً أو معدومي الاستخدام لتلك التقنية والبرامج؟
وهل تسمح الوزارة لهم أصلاً بإجراء هذه الدراسات بشكل غير مركزي أحادي من الوزارة؟
لماذا لا تملك وزارة التعليم الجرأة والإرادة بإعادة تجارب الدول إذا لم تستطع إجراء تجارب نفسية واجتماعية جديدة وخاصة بها؟
إنني أحيلكم لتوصيات ومقترحات ورشة المرصد الإعلامي لحقوق الطفل والتي حضرتها وشاركت بها في المجلس العربي للطفولة والتنمية في القاهرة بالشراكة مع برنامج الخليج العربي للتنمية وجامعة الدول العربية.
من المؤسف حقاً أن المتابع لأخبار التعليم، لن يجد إلا قرارات إدارية حول حركة المعلمين والمواصلات والإنشاءات وأعداد الناجحين؟
لن تجد قصة نجاح لأي معلم أو معلمة من بين ما يقارب 500 ألف معلم ومعلمة. ناهيك عن قصص النجاح المجهولة بين الطلاب والطالبات، لأن النجاح المطلوب هو فقط نجاح المقررات الدراسية النمطية، ولا يجوز لأي معلم ومعلمة أو طالب وطالبة أن يبتكر أو ينجح خارج السرب وبعيدا عن القطيع.
لا يمكن أن نتصور وزارة بهذا الحجم وهذه المركزية وهذا التأثير أن تبقى رهينة للقرارات الإدارية بعيداً وبمنأى عن القرار التربوي والتعليمي، ليس إقلالا من الإداريين والقرارات الإدارية، لكن الإداريين لن يلتفتوا لقيمة عمل قام به معلم أو معلمة في الطائف أو في الجوف أو في الرياض، إلا إذا كان من داخل السرب وضمن البيروقراطية المألوفة التي لا تخرج عن نمطية بيت الطاعة الإدارية.
يبدو لي أن الفجوة لا تزال واسعة بين وزارة التعليم وكليات التربية في الجامعات حتى بعد أن استظلوا بوزارة واحدة، وإلا ما معنى أن تبقى الوزارة رهينة القرارات الإدارية؟ وما معنى عدم اكتراث الوزارة بالمتغيرات التربوية، وهي الجهة رقم واحد المعنية برؤية 2030، والعمل من الآن على إعداد جيل الصناعيين القادمين من الطلاب والطالبات للعشر السنوات القادمة.
بالمناسبة سطوة القرار الإداري على حساب القرار الفني المتخصص ليس فقط في وزارة التعليم، هو في الصحة والعمل والتنمية الاجتماعية والبلديات وغيرها من الوزارات والهيئات، لكن ضرره بالغ في التعليم لمساسه بكل فرد وكل أسرة في المجتمع.
لا أبرئ الأسرة والأب والأم على وجه التحديد مما يشاهده ويتعامل معه الأطفال والمراهقون من ألعاب إلكترونية وتواصل اجتماعي وإنترنت، فالفراغ وتدني المتابعة وكثرة المغريات في تلك البرامج تحديات فرضت نفسها على الأسرة والمدرسة.
لكن الأسرة لا يمكنها أن تضع شروطا رقابية أو تحصينية صحيحة على أبنائها دون جهة تربوية مختصة تحدد لها ذلك وتحدد الأعمار المناسبة لكل لعبة.
المطلوب من وزارة التعليم وجيوش التربويين التابعين لها أن تتم محاكاة كل برنامج وكل لعبة إلكترونية جديدة في القاعة الدراسية وأمام كل الطلاب والطالبات لاستيعاب المخاطر والتأثيرات بشكل جماعي وأخذ العبرة مسبقا وقبل أن ينشب الفأس بالرأس.
Dwaihi@agfund.org