يوم الإثنين الموافق 25 يونيو 2018م نشرت الصحف المحلية خبرا مفاده بأن هيئة المنشآت تعكف على مُقترح يهدف إلى شرعنة الشركات التي تثبت عليها «جريمة» التستر التجاري حفظاً على «الوظائف والحيلولة دون خسارة جزء من الاقتصاد الوطني» وذكرت الصحف بأن إعلان المُقترح تم خلال ندوة عقدتها الغرفة التجارية والصناعية بمدينة جدة وحضرها الأستاذ موفق ريان نائب المحافظ لتطوير المناطق والقطاعات.
لا أحد يختلف على أن التستر التجاري آفة تنخر في جسد الاقتصاد الوطني وتبتلع سنوياً بين 20-30% من إجمالي الناتج المحلي وتحرم السعوديين العديد من الفرص الوظيفية والتجارية ولكن الخطأ لا يعالج بخطأ آخر يخلق لنا مشكلة أمنية واقتصادية أكبر وأعظم يدفع المجتمع والاقتصاد الوطني ثمنها غالياً في المستقبل لأسباب عدة:
أولاً:
الغالبية العظمى من ممارسات جريمة التستر التجاري الحالية تكون عادة في المؤسسات الفردية الصغيرة المنتشرة في الأسواق والأحياء والشوارع والطرق داخل المدن مثل البقالات ومحلات بيع الملابس وبيع الأدوات الصحية والإضاءة والصيانة والمغاسل والحلاقة والمطاعم وأعمال الإنشاءات والبناء وبيع الأدوات الإلكترونية والمحلات الفردية الأخرى بجميع أنواعها. تقريباً جميع الأنشطة التجارية الخاصة بالمؤسسات الفردية وشبه الفردية التي نشاهدها اليوم ترزح تحت وطأة جريمة التستر التجاري إلا ما رحم ربي.
كيف نشأ التستر التجاري وما هي الأسباب وراء نشأته؟ هذا ليس موضوع حديثنا ولكن هذه الظاهرة موجودة ومتغلغلة في مفاصل الاقتصاد الوطني ولعل من أهم مظاهرها سيطرة تكتلات العمالة الوافدة على قطاعات تجارية بعينها حيث تسيطر على كل نشاط تجاري جالية معينة وتحتكره لنفسها وتتولى توزيع الأدوار في ما بينها لاستنزاف خيرات هذا القطاع ومحاربة كل من يحاول اختراقه بكل الطرق وبكل الوسائل في الخفاء وأحياناً على المكشوف حتى يضطر للخروج من الصناعة.
سطوة التكتلات العمالية على قطاعات الأنشطة التجارية المختلفة في الاقتصاد الوطني قوية وعميقة وظاهرة للأعيان ومعروفة للقاصي والداني إلى درجة أن الإنسان العادي سواء أكان مواطناً أو أحد العمالة الوافدة البسيطة أصبح يعرف بالتحديد الجنسية الأجنبية التي تسيطر على كل قطاع تجاري في الاقتصاد الوطني وتتحكم في مفاصله حتى وزارتنا المعنية تعرف هذا جيداً. هذه الأنشطة التجارية لا توظف سعوديين في الأساس ولن تخلق وظائف نوعية جاذبة لقوة العمل الوطنية وذات قيمة مضافة للاقتصاد الوطني إذا استمرت على وضعها الحالي.
بل هي آفة تنخر في جسد الاقتصاد الوطني وتستنزف خيراته وتحارب السعوديين في أرزاقهم وتستهدفهم في مأكلهم ومشربهم وصحتهم وأمنهم واقتصادهم بالغش التجاري والتزوير والعمل الإجرامي المنظم الذي نقرأ ونسمع عنه كل يوم.
فشرعنة هذه الأعمال الإجرامية ليست حلاً وإنما إعطاء هذه التكتلات العمالية الأجنبية المنظمة الضوء الأخضر للانقضاض على ما تبقى من أي بادرة فُرص وإن كانت شحيحة لأبنائنا لبداية مشاريعهم التجارية وبناء مستقبلهم ومستقبل بلدهم. كذلك ستقضي على أي أمل في استعادة قطاعاتنا التجارية المختطفة لحضن الاقتصاد الوطني بعدما ظلت لعقود تحت سطوة جحافل تكتلات العمالة الأجنبية التي تمكنت من السيطرة على هذه القطاعات وأخرجت السعوديين منها واستنزافها لبناء ثرواتها وإمبراطورياتها التجارية على أشلاء وأنقاض المنشآت التجارية الصغيرة التي حاول إقامتها بعض السعوديين وقاوموا من أجلها جحافل جيوش العمالة الوافدة إلى الرمق الأخير.
ثانياً:
حسب آراء المطلعين الشركات، وأقصد هنا المعنى المٌتعارف عليه للشركات، نادراً ما تجد فيها انتشارا لجريمة التستر التجاري وإذا وجدت فهي شركات مٌسيطر عليها من قبل جالية معينة والعقول المدبرة والآمرة والناهية فيهم عادة ترتبط مع عوائل سعودية عن طريق القرابة أو النسب وهذه العوائل هي من مكنتهم وقدمتهم للمجتمع السعودي وخاصة رجال الأعمال وبعض دوائر المصالح المغلقة وهذا النوع من الشركات ليس معروفاً باستقطاب وتوظيف السعوديين والاستثمار فيهم لأن هذه الشركات تقع تحت سيطرة أجنبية بالكامل ووجود السعودي يمثل خطرا عليهم وعلى مصالحهم وعلى استمرار هذه الشركات ككيانات تجارية نظراً إلى وضعها القانوني الخاطئ ان لم نقل «إجرامي» وإذا اضطروا لرفع نسبة السعوديين من أجل تسهيل حصولهم على المزيد من التأشيرات فهي في الغالب سعودية وهمية أو وظائف هامشية ليس لها قيمة ولا تضيف شيئا للاقتصاد الوطني.
أما القول بأن تطبيق قانون محاربة التستر التجاري على هذه الشركات سيخسر الاقتصاد الوطني فهذا رأي ليس مطلعا على حقيقة هذه المنشآت. لماذا؟ عادة فإن المستفيدين الرئيسيين من مثل هذه المنشآت التجارية مجموعات ثلاث وهي: الملاك، اليد العاملة، والقطاع العام وذلك عن طريق ضرائب الدخل. بما أنه لا توجد ضرائب دخل في المملكة فإن استفادة القطاع العام تطلع من المعادلة وفي هذه الحالة المتبقي من المستفيدين مجموعتان فقط وهما: الملاك والموظفون. بما أن كلاً من الملاك والموظفين أجانب فأين القيمة التي تضيفها هذه الشركات للاقتصاد الوطني وتتخوف هيئة المنشآت من خسارتها؟ بل على العكس وجود هذه الشركات هو استنزاف للاقتصاد الوطني ويحرم المواطنين العديد من الفرص الوظيفية والتجارية فضلاً عن العش التجاري والتزوير والأعمال الإجرامية التي يعاني منها السعودي في صحته ومأكله ومشربه واقتصاده وأمنه.
اقتراح هيئة المنشآت ليس حلاً بل هو خلق لمشكلة أكبر وأعظم خطراً من وجهة نظري اقتراح شرعنة الشركات التي تثبت عليها «جريمة» التستر التجاري ليس حلاً بل سيخلق مشكلة أكبر أثراً وأعظم خطراً على الأمن والاقتصاد الوطني والتركيبة الاجتماعية من وضع التستر التجاري الحالي على خطورته. هذا الاقتراح إذا تم تبنيه سيخلق لنا سيلاً جارفاً من الطامحين ببناء ثراء وتجارة المستقبل على أشلاء اقتصادنا الوطني. شرعنة التستر التجاري سيحول سوق العمل السعودي من استيراد العمالة إلى استيراد تجار الشنطة والكشكات من قبل ضعفاء النفوس والمتنفذين وتجار التأشيرات مقابل حفنة من الريالات وسيخلق سوقا سوداء للتأشيرات وسيغرق الاقتصاد المحلي ويضيق على السعوديين في أرزاقهم مثلما أغرق نظام الكفالة سوق العمل بالعمالة الأجنبية قليلة التكلفة وترك أبنائنا وبناتنا فريسة للبطالة والعوز وضائقة اليد.
ربما يتساءل القارئ الكريم عن العلاقة بين شرعنة التستر التجاري وسوق العمل والبطالة. تجارنا الجدد هم في الأصل مُستقدمون كعمالة على نظام الكفالة ومُكنوا من ممارسة التجارة بشكل غير قانوني من قبل بعض ضعفاء النفوس والطفيليين وتجار التأشيرات. هذا هو مربط الفرس. نحن في بلد حباه الله بالكثير من النعم وأعداد كثيرة من سكان الدول من حولنا على استعداد لتكبد العناء ودفع الكثير من المال للقدوم لهذا البلد الطيب من أجل البحث عن لقمة العيش. يقول لي بعض العارفين ببواطن الأمور إن أسعار تأشيرة العمالة في السوق السوداء تتراوح بين 25-50 ألف ريال للتأشيرة الواحدة، ولك أن تتخيل بكم ستصبح أسعار تأشيرة العامل/التاجر في السوق السوداء بعد صدور النظام المُقترح. النظام الجديد سوف يخلق أطيافا جديدة من الطبقة الطفيلية وتجار التأشيرات وسيضاف إليهم طيف جديد من طبقة التجار/العمال الجدد. هذا سيدفع تجارة التأشيرات إلى مستوى جديد لم نعهده من قبل وسيتحول العامل/التاجر المُستقدم إلى تأجر تأشيرات حيث سيبدأ باستيراد عائلته وأبناء قريته وأبناء القرى والمدن المجاورة بدعوى مساعدته في تنمية تجارته حيث أصبح وجوده قانونيا وربما يدفع ضرائب أو رسوما ومع الوقت تتحول الجيوش الجرارة التي يستوردها مقابل مبالغ طائلة لتأشيرة الدخول إلى تجار مثله وسيستوردون البقية من أبناء جلدتهم بنفس الطريقة والأسلوب. باختصار مُقترح شرعنة التستر التجاري ليس حلاً بل كارثة وخطأ استراتيجيا سندفع ثمنه باهظاً أجيالاً عديدة حيث سيغرق الاقتصاد المحلي ويضيق على السعوديين في أرزاقهم وسيقدم ما تبقى من اقتصادنا الوطني على طبق من فضة لسطوة وسيطرة نصف عمالة العالم الثالث.
المسار الأول:
تشجيع تكون شركات كبيرة في كل مجال من المجالات المشار إليها في صدر هذه الصفحة والتي تقع تحت سطوة جريمة التستر التجاري وخاصة المحلات الصغيرة مثل المغاسل وبيع الأدوات الصحية والملابس والصيانة والتموينات والخضار والأسماك والمطاعم وأعمال الإنشاءات والبناء والأنشطة المشابهة الأخرى. فالكيانات الكبيرة تساهم في القضاء على التستر التجاري وتحسين الخدمة وقادرة على خلق وظائف نوعية ومستدامة للسعوديين وهذا سيضيف قيمة للاقتصاد الوطني. لضمان استمرار هذه الشركات ونجاحها في الهدف الذي أنشئت من أجله يجب تمكين الشباب السعودي المتعلم والمدرب من مفاصل القرار في هذه الشركات حتى لا تتم السيطرة عليها من قبل التكتلات العمالية الأجنبية المنظمة التي تمسك حالياً بمفاصل القرار في كثير من منشآت قطاعنا الخاص.
المسار الثاني:
قصر تجديد التصاريح الحالية أومنح التصاريح الجديدة للمحلات التجارية الصغيرة، وأقصد هنا محلات الأحياء مثل البقالات والمكتبات القرطاسية والملابس والأنشطة المشابهة، على السعوديين القادرين على مباشرة العمل فيها بأنفسهم أو بمساعدة أفراد أسرهم دون سواهم على أن يكون هذا في حدوده الضيقة. ربما من الأفضل وضع معايير معينة ودقيقة وخاصة للمحلات التي تنتشر داخل الأحياء مثل إعطاء الأولية في منح التصاريح لسكان الحي وكذلك تحديد العدد لكل نشاط في كل حي والمسافة بين هذه المحلات مع الأخذ في الاعتبار الكثافة السكانية للأحياء حتى تتمكن هذه الأنشطة من المنافسة والكسب والاستمرار.
المسار الثالث:
الترحيل التدريجي والمنظم للتكتلات العمالية الأجنبية التي تسيطر على قطاعات وأنشطة تجارية بعينها والبدء بالرؤوس المخططة والمفكرة والآمرة والناهية ومن ثم القيادات الرديفة وتوسيع الدائرة تدريجياً حتى يتم كسر ظهر هذه التكتلات وإعادة الكثير من أنشطتنا التجارية إلى حضن الاقتصاد الوطني بعدما ظلت رهينة للتكتلات العمالية الأجنبية لعقود تسرح وتمرح فيها وتشن الحروب على كل من يقترب منها حتى أصبحت مستعمرات وجزراً تجارية، حيث لكل جالية محمياتها وجزرها ومناطق نفوذها التي لا يستطيع أحد الاقتراب منها حتى السعودي وربما أمام بيته أو في الحي الذي يقطنه.
أما في ما يتعلق بالشركات بالمعنى المفهوم للشركات فإن انتشارجريمة التستر التجاري في هذا النوع من الأنشطة التجارية يعتقد بأنه محدود جداً وإن وجد فإنه غالباً في شركات تسيطر عليها جنسية معينة من إخواننا الوافدين وهذ النوع من الشركات لا يضيف للاقتصاد الوطني شيئاً يذكر مثلما ذكرت في بداية المقال لأن ملكيتها أجنبية وموظفيها أجانب. الحل من وجهة نظري هو مصادرة الشركات التي تثبت عليها «جريمة» التستر التجاري وتصفيتها أو عرضها للبيع إذا لزم الأمر على أن يكون المشتري سعودياً أو شركة سعودية وتعود قيمة بيع الشركات المصادرة للدولة ولا يسمح للمتستر والمتستر عليه بالاستفادة من قيمة هذه الشركات حتى لا نساهم عن حسن نية في خلق بيئة خصبة لجريمة التستر التجاري وكذلك ربما من الأفضل «تغليظ» عقوبة التستر التجاري فقد تمثل العقوبة المُغلظة التي تكلفتها تتجاوز المنافع المحتملة من جريمة التستر التجاري بأضعاف مضاعفة رادعا قويا وخاصة للجانب السعودي الذي هو العامل الرئيسي في عملية التستر التجاري.
اما في ما يخص إخوتنا الوافدين فمن أراد منهم الاستثمار فأهلاً وسهلاً به وفقاً لقانون الاستثمار الأجنبي شريطة أن يوظف أبناءنا في الوظائف النوعية التي تضيف قيمة للقتصاد الوطني ويتبنى برامج جيدة لإعدادهم للمراكز القيادية والإشرافية والوظائف المهمة الأخرى بالشركة. باختصار يجب على إداراتنا التنفيذية ووزرائنا معرفة قوة الاقتصاد السعودي الذي يمثل الاقتصاد الأكبر في المنطقة وواحدا من أكبر 20 اقتصاداً في العالم وأن كبريات الشركات العالمية تتمنى جزءا منه. كذلك يجب أن يدركوا بأن توظيف أبنائنا والاستثمار فيهم وتدريبهم على التقنيات الحديثة ودفعهم للمراكز المهمة في الشركات هو أقل ما نطلبه كثمن لفتح أسواقنا واقتصادنا وما يمثله من قوة شرائية عالية لهذه الشركات وما عدا هذا فلا قيمة لأي استثمار أجنبي مهما بلغ حجمه.
* أستاذ المحاسبة المشارك
رئيس قسم المحاسبة بكلية إدارة الأعمال / جامعة الفيصل - الرياض
Dr_Alwathnani@
wathnani@alfaisal.edu
لا أحد يختلف على أن التستر التجاري آفة تنخر في جسد الاقتصاد الوطني وتبتلع سنوياً بين 20-30% من إجمالي الناتج المحلي وتحرم السعوديين العديد من الفرص الوظيفية والتجارية ولكن الخطأ لا يعالج بخطأ آخر يخلق لنا مشكلة أمنية واقتصادية أكبر وأعظم يدفع المجتمع والاقتصاد الوطني ثمنها غالياً في المستقبل لأسباب عدة:
أولاً:
الغالبية العظمى من ممارسات جريمة التستر التجاري الحالية تكون عادة في المؤسسات الفردية الصغيرة المنتشرة في الأسواق والأحياء والشوارع والطرق داخل المدن مثل البقالات ومحلات بيع الملابس وبيع الأدوات الصحية والإضاءة والصيانة والمغاسل والحلاقة والمطاعم وأعمال الإنشاءات والبناء وبيع الأدوات الإلكترونية والمحلات الفردية الأخرى بجميع أنواعها. تقريباً جميع الأنشطة التجارية الخاصة بالمؤسسات الفردية وشبه الفردية التي نشاهدها اليوم ترزح تحت وطأة جريمة التستر التجاري إلا ما رحم ربي.
كيف نشأ التستر التجاري وما هي الأسباب وراء نشأته؟ هذا ليس موضوع حديثنا ولكن هذه الظاهرة موجودة ومتغلغلة في مفاصل الاقتصاد الوطني ولعل من أهم مظاهرها سيطرة تكتلات العمالة الوافدة على قطاعات تجارية بعينها حيث تسيطر على كل نشاط تجاري جالية معينة وتحتكره لنفسها وتتولى توزيع الأدوار في ما بينها لاستنزاف خيرات هذا القطاع ومحاربة كل من يحاول اختراقه بكل الطرق وبكل الوسائل في الخفاء وأحياناً على المكشوف حتى يضطر للخروج من الصناعة.
سطوة التكتلات العمالية على قطاعات الأنشطة التجارية المختلفة في الاقتصاد الوطني قوية وعميقة وظاهرة للأعيان ومعروفة للقاصي والداني إلى درجة أن الإنسان العادي سواء أكان مواطناً أو أحد العمالة الوافدة البسيطة أصبح يعرف بالتحديد الجنسية الأجنبية التي تسيطر على كل قطاع تجاري في الاقتصاد الوطني وتتحكم في مفاصله حتى وزارتنا المعنية تعرف هذا جيداً. هذه الأنشطة التجارية لا توظف سعوديين في الأساس ولن تخلق وظائف نوعية جاذبة لقوة العمل الوطنية وذات قيمة مضافة للاقتصاد الوطني إذا استمرت على وضعها الحالي.
بل هي آفة تنخر في جسد الاقتصاد الوطني وتستنزف خيراته وتحارب السعوديين في أرزاقهم وتستهدفهم في مأكلهم ومشربهم وصحتهم وأمنهم واقتصادهم بالغش التجاري والتزوير والعمل الإجرامي المنظم الذي نقرأ ونسمع عنه كل يوم.
فشرعنة هذه الأعمال الإجرامية ليست حلاً وإنما إعطاء هذه التكتلات العمالية الأجنبية المنظمة الضوء الأخضر للانقضاض على ما تبقى من أي بادرة فُرص وإن كانت شحيحة لأبنائنا لبداية مشاريعهم التجارية وبناء مستقبلهم ومستقبل بلدهم. كذلك ستقضي على أي أمل في استعادة قطاعاتنا التجارية المختطفة لحضن الاقتصاد الوطني بعدما ظلت لعقود تحت سطوة جحافل تكتلات العمالة الأجنبية التي تمكنت من السيطرة على هذه القطاعات وأخرجت السعوديين منها واستنزافها لبناء ثرواتها وإمبراطورياتها التجارية على أشلاء وأنقاض المنشآت التجارية الصغيرة التي حاول إقامتها بعض السعوديين وقاوموا من أجلها جحافل جيوش العمالة الوافدة إلى الرمق الأخير.
ثانياً:
حسب آراء المطلعين الشركات، وأقصد هنا المعنى المٌتعارف عليه للشركات، نادراً ما تجد فيها انتشارا لجريمة التستر التجاري وإذا وجدت فهي شركات مٌسيطر عليها من قبل جالية معينة والعقول المدبرة والآمرة والناهية فيهم عادة ترتبط مع عوائل سعودية عن طريق القرابة أو النسب وهذه العوائل هي من مكنتهم وقدمتهم للمجتمع السعودي وخاصة رجال الأعمال وبعض دوائر المصالح المغلقة وهذا النوع من الشركات ليس معروفاً باستقطاب وتوظيف السعوديين والاستثمار فيهم لأن هذه الشركات تقع تحت سيطرة أجنبية بالكامل ووجود السعودي يمثل خطرا عليهم وعلى مصالحهم وعلى استمرار هذه الشركات ككيانات تجارية نظراً إلى وضعها القانوني الخاطئ ان لم نقل «إجرامي» وإذا اضطروا لرفع نسبة السعوديين من أجل تسهيل حصولهم على المزيد من التأشيرات فهي في الغالب سعودية وهمية أو وظائف هامشية ليس لها قيمة ولا تضيف شيئا للاقتصاد الوطني.
أما القول بأن تطبيق قانون محاربة التستر التجاري على هذه الشركات سيخسر الاقتصاد الوطني فهذا رأي ليس مطلعا على حقيقة هذه المنشآت. لماذا؟ عادة فإن المستفيدين الرئيسيين من مثل هذه المنشآت التجارية مجموعات ثلاث وهي: الملاك، اليد العاملة، والقطاع العام وذلك عن طريق ضرائب الدخل. بما أنه لا توجد ضرائب دخل في المملكة فإن استفادة القطاع العام تطلع من المعادلة وفي هذه الحالة المتبقي من المستفيدين مجموعتان فقط وهما: الملاك والموظفون. بما أن كلاً من الملاك والموظفين أجانب فأين القيمة التي تضيفها هذه الشركات للاقتصاد الوطني وتتخوف هيئة المنشآت من خسارتها؟ بل على العكس وجود هذه الشركات هو استنزاف للاقتصاد الوطني ويحرم المواطنين العديد من الفرص الوظيفية والتجارية فضلاً عن العش التجاري والتزوير والأعمال الإجرامية التي يعاني منها السعودي في صحته ومأكله ومشربه واقتصاده وأمنه.
اقتراح هيئة المنشآت ليس حلاً بل هو خلق لمشكلة أكبر وأعظم خطراً من وجهة نظري اقتراح شرعنة الشركات التي تثبت عليها «جريمة» التستر التجاري ليس حلاً بل سيخلق مشكلة أكبر أثراً وأعظم خطراً على الأمن والاقتصاد الوطني والتركيبة الاجتماعية من وضع التستر التجاري الحالي على خطورته. هذا الاقتراح إذا تم تبنيه سيخلق لنا سيلاً جارفاً من الطامحين ببناء ثراء وتجارة المستقبل على أشلاء اقتصادنا الوطني. شرعنة التستر التجاري سيحول سوق العمل السعودي من استيراد العمالة إلى استيراد تجار الشنطة والكشكات من قبل ضعفاء النفوس والمتنفذين وتجار التأشيرات مقابل حفنة من الريالات وسيخلق سوقا سوداء للتأشيرات وسيغرق الاقتصاد المحلي ويضيق على السعوديين في أرزاقهم مثلما أغرق نظام الكفالة سوق العمل بالعمالة الأجنبية قليلة التكلفة وترك أبنائنا وبناتنا فريسة للبطالة والعوز وضائقة اليد.
ربما يتساءل القارئ الكريم عن العلاقة بين شرعنة التستر التجاري وسوق العمل والبطالة. تجارنا الجدد هم في الأصل مُستقدمون كعمالة على نظام الكفالة ومُكنوا من ممارسة التجارة بشكل غير قانوني من قبل بعض ضعفاء النفوس والطفيليين وتجار التأشيرات. هذا هو مربط الفرس. نحن في بلد حباه الله بالكثير من النعم وأعداد كثيرة من سكان الدول من حولنا على استعداد لتكبد العناء ودفع الكثير من المال للقدوم لهذا البلد الطيب من أجل البحث عن لقمة العيش. يقول لي بعض العارفين ببواطن الأمور إن أسعار تأشيرة العمالة في السوق السوداء تتراوح بين 25-50 ألف ريال للتأشيرة الواحدة، ولك أن تتخيل بكم ستصبح أسعار تأشيرة العامل/التاجر في السوق السوداء بعد صدور النظام المُقترح. النظام الجديد سوف يخلق أطيافا جديدة من الطبقة الطفيلية وتجار التأشيرات وسيضاف إليهم طيف جديد من طبقة التجار/العمال الجدد. هذا سيدفع تجارة التأشيرات إلى مستوى جديد لم نعهده من قبل وسيتحول العامل/التاجر المُستقدم إلى تأجر تأشيرات حيث سيبدأ باستيراد عائلته وأبناء قريته وأبناء القرى والمدن المجاورة بدعوى مساعدته في تنمية تجارته حيث أصبح وجوده قانونيا وربما يدفع ضرائب أو رسوما ومع الوقت تتحول الجيوش الجرارة التي يستوردها مقابل مبالغ طائلة لتأشيرة الدخول إلى تجار مثله وسيستوردون البقية من أبناء جلدتهم بنفس الطريقة والأسلوب. باختصار مُقترح شرعنة التستر التجاري ليس حلاً بل كارثة وخطأ استراتيجيا سندفع ثمنه باهظاً أجيالاً عديدة حيث سيغرق الاقتصاد المحلي ويضيق على السعوديين في أرزاقهم وسيقدم ما تبقى من اقتصادنا الوطني على طبق من فضة لسطوة وسيطرة نصف عمالة العالم الثالث.
الحل لمشكلة التستر التجاري
مشكلة التستر التجاري مُعقدة ومتجذرة في الاقتصاد الوطني وخاصة في المؤسسات الصغيرة الفردية وربما محاولة الحد من التعاملات النقدية والرقابة على شباكات التوزيع والتسويق وحركة الأموال ستساهم في الحد من هذه الظاهرة ولو بشكل جزئي ولكن الحل الأفضل وربما الأنجع على المدى الطويل من وجهة نظري لهذا السرطان المستشري في جسد الاقتصاد الوطني ليس شرعنته وإعطاءه الصفة القانونية وإنما محاصرته بإستراتيجية ذكية ومدروسة ومبنية على طريقة التجفيف والتجويع والاستيصال التدريجي والتراكمي الذي يسير على خطط مرسومة بدقة وفق معايير ومقاييس محددة وفقاً لفترة زمنية معينة من أجل كسر ظهر وشوكة وسطوة التكتلات العمالية الإجرامية التي تقف خلف هذه الظاهرة التي تبتلع ما بين 20% و30% من إجمالي الناتج المحلي وتحرم السعوديين العديد من الفرص الوظيفية والتجارية وتحاربهم في أرزاقهم وصحتهم وملبسهم ومأكلهم ومشربهم من خلال الغش التجاري والتزوير والعمل الإجرامي المنظم الذي يستهدفهم ويستهدف اقتصادهم وأمنهم وأمن بلدهم. هذه الإستراتيجية يمكن تحقيقها من خلال ثلاثة مسارات متوازية ومتزامنة.المسار الأول:
تشجيع تكون شركات كبيرة في كل مجال من المجالات المشار إليها في صدر هذه الصفحة والتي تقع تحت سطوة جريمة التستر التجاري وخاصة المحلات الصغيرة مثل المغاسل وبيع الأدوات الصحية والملابس والصيانة والتموينات والخضار والأسماك والمطاعم وأعمال الإنشاءات والبناء والأنشطة المشابهة الأخرى. فالكيانات الكبيرة تساهم في القضاء على التستر التجاري وتحسين الخدمة وقادرة على خلق وظائف نوعية ومستدامة للسعوديين وهذا سيضيف قيمة للاقتصاد الوطني. لضمان استمرار هذه الشركات ونجاحها في الهدف الذي أنشئت من أجله يجب تمكين الشباب السعودي المتعلم والمدرب من مفاصل القرار في هذه الشركات حتى لا تتم السيطرة عليها من قبل التكتلات العمالية الأجنبية المنظمة التي تمسك حالياً بمفاصل القرار في كثير من منشآت قطاعنا الخاص.
المسار الثاني:
قصر تجديد التصاريح الحالية أومنح التصاريح الجديدة للمحلات التجارية الصغيرة، وأقصد هنا محلات الأحياء مثل البقالات والمكتبات القرطاسية والملابس والأنشطة المشابهة، على السعوديين القادرين على مباشرة العمل فيها بأنفسهم أو بمساعدة أفراد أسرهم دون سواهم على أن يكون هذا في حدوده الضيقة. ربما من الأفضل وضع معايير معينة ودقيقة وخاصة للمحلات التي تنتشر داخل الأحياء مثل إعطاء الأولية في منح التصاريح لسكان الحي وكذلك تحديد العدد لكل نشاط في كل حي والمسافة بين هذه المحلات مع الأخذ في الاعتبار الكثافة السكانية للأحياء حتى تتمكن هذه الأنشطة من المنافسة والكسب والاستمرار.
المسار الثالث:
الترحيل التدريجي والمنظم للتكتلات العمالية الأجنبية التي تسيطر على قطاعات وأنشطة تجارية بعينها والبدء بالرؤوس المخططة والمفكرة والآمرة والناهية ومن ثم القيادات الرديفة وتوسيع الدائرة تدريجياً حتى يتم كسر ظهر هذه التكتلات وإعادة الكثير من أنشطتنا التجارية إلى حضن الاقتصاد الوطني بعدما ظلت رهينة للتكتلات العمالية الأجنبية لعقود تسرح وتمرح فيها وتشن الحروب على كل من يقترب منها حتى أصبحت مستعمرات وجزراً تجارية، حيث لكل جالية محمياتها وجزرها ومناطق نفوذها التي لا يستطيع أحد الاقتراب منها حتى السعودي وربما أمام بيته أو في الحي الذي يقطنه.
أما في ما يتعلق بالشركات بالمعنى المفهوم للشركات فإن انتشارجريمة التستر التجاري في هذا النوع من الأنشطة التجارية يعتقد بأنه محدود جداً وإن وجد فإنه غالباً في شركات تسيطر عليها جنسية معينة من إخواننا الوافدين وهذ النوع من الشركات لا يضيف للاقتصاد الوطني شيئاً يذكر مثلما ذكرت في بداية المقال لأن ملكيتها أجنبية وموظفيها أجانب. الحل من وجهة نظري هو مصادرة الشركات التي تثبت عليها «جريمة» التستر التجاري وتصفيتها أو عرضها للبيع إذا لزم الأمر على أن يكون المشتري سعودياً أو شركة سعودية وتعود قيمة بيع الشركات المصادرة للدولة ولا يسمح للمتستر والمتستر عليه بالاستفادة من قيمة هذه الشركات حتى لا نساهم عن حسن نية في خلق بيئة خصبة لجريمة التستر التجاري وكذلك ربما من الأفضل «تغليظ» عقوبة التستر التجاري فقد تمثل العقوبة المُغلظة التي تكلفتها تتجاوز المنافع المحتملة من جريمة التستر التجاري بأضعاف مضاعفة رادعا قويا وخاصة للجانب السعودي الذي هو العامل الرئيسي في عملية التستر التجاري.
اما في ما يخص إخوتنا الوافدين فمن أراد منهم الاستثمار فأهلاً وسهلاً به وفقاً لقانون الاستثمار الأجنبي شريطة أن يوظف أبناءنا في الوظائف النوعية التي تضيف قيمة للقتصاد الوطني ويتبنى برامج جيدة لإعدادهم للمراكز القيادية والإشرافية والوظائف المهمة الأخرى بالشركة. باختصار يجب على إداراتنا التنفيذية ووزرائنا معرفة قوة الاقتصاد السعودي الذي يمثل الاقتصاد الأكبر في المنطقة وواحدا من أكبر 20 اقتصاداً في العالم وأن كبريات الشركات العالمية تتمنى جزءا منه. كذلك يجب أن يدركوا بأن توظيف أبنائنا والاستثمار فيهم وتدريبهم على التقنيات الحديثة ودفعهم للمراكز المهمة في الشركات هو أقل ما نطلبه كثمن لفتح أسواقنا واقتصادنا وما يمثله من قوة شرائية عالية لهذه الشركات وما عدا هذا فلا قيمة لأي استثمار أجنبي مهما بلغ حجمه.
* أستاذ المحاسبة المشارك
رئيس قسم المحاسبة بكلية إدارة الأعمال / جامعة الفيصل - الرياض
Dr_Alwathnani@
wathnani@alfaisal.edu