الانتفاضة الشعبية التي تشهدها محافظات جنوب العراق هذه الأيام ليست نتاج معارضة سياسية أو توجيهات ودعوات حزبية أو طائفية كما قد يظن البعض، وإنما هي انتفاضة جياع بكل ما تعنيه الكلمة، فمعظم العراقيين الذين يرقدون على بحار من النفط، لم يعيشوا يوماً جيداً منذ أكثر من ربع قرن، إذ بدأت مأساتهم عقب غزو نظام صدام حسين للكويت وما تبع ذلك من حصار اقتصادي امتد لسنوات دفع ثمنه الشعب المغلوب على أمره ثم انتهى الحصار باحتلال الولايات المتحدة للعراق، لكن الحال لم تتغير بعد ذلك، إذ دخل العراقيون في دوامة جديدة من الصراعات الحزبية والطائفية والسباق على مكاسب السلطة، وعانوا من التدخل الإيراني الاستعماري الناعم ومن ثم الحرب على الإرهاب حتى وصل بهم الحال إلى ما هو عليه اليوم.
فصل طويل من المعاناة والمرارة لا يمكن طيه بسهولة، ولن يشعر به سوى المواطن العربي العراقي المظلوم الذي لا ذنب له في الحياة غير أنه وُلد في هذه البقعة من العالم خلال أسوأ مراحلها التاريخية، لكن هذا الإنسان الجائع أدرك اليوم أن الشعارات الطائفية والحزبية لا تُطعم خبزاً ولا توفر ماءً أو علاجاً ولا يمكنها أن تولّد الكهرباء أيضاً.
أدرك العراقي فوق ذلك أن السياسيين الذين رفع صورهم وجاب بها الشوارع معادياً إخوته من أجلهم، عاجزون تماماً عن معالجة أزماته المتتالية، ما دفعه للخروج اليوم صارخاً في الطرقات ضد كل شيء بلا استثناء متوحداً مع أخيه العراقي دون التفات لطائفته أو انتمائه السياسي؛ لأن الجوع وحده هو موحد الجموع ومجيشها وتسقط أمامه كل الشعارات، وقديماً قال الصحابي الجليل أبو ذر الغفاري: «عجبت لمن لا يجد القوت في بيته كيف لا يخرج على الناس شاهراً سيفه».
لا أحد في العالم العربي اليوم يرغب في أن ينزلق العراق إلى المصير الذي انزلقت إليه سوريا، فعراق عربي موحد قوي عون لمحيطه العربي خير من كانتونات متناحرة تصدر الدمار للعالم، لكن هناك قوى متربصة يهمها تفكيك العراق والتهام نفطه وأراضيه وعلى رأسها جارة السوء إيران ونظامها الكهنوتي المجنون الذي يحلم بالاستيلاء على الجنوب العراقي لاعتبارات طائفية وخزعبلاتية، وقد نرى خلال الأسابيع القادمة (إن تصاعدت حدة الانتفاضة العراقية) تدخلاً عسكرياً أو مليشياوياً إيرانياً بحجة حماية المراقد المقدسة، كما كانت حجة مخابيل طهران عند بداية تدخلهم في النزاع السوري، وهذا ما يجب أن تتكاتف الجهود الدولية لمنعه بدءاً من اليوم عبر الضغط على الحكومة العراقية للاستجابة لمطالب المحتجين وقطع الطريق على الإيرانيين، كما يجب أن لا تغفل الحكومات العربية أهمية الملف العراقي وضرورة العمل مع العراقيين على حل هذه الأزمة بحكمة وبأسرع وقت، فقد جرب العرب أن يتجاهلوا الملف العراقي سابقاً وكانت النتيجة أن ملأ الإيرانيون الفراغ، وهذا برأي جميع العقلاء أمر لا ينبغي أن يتكرر.
* كاتب سعودي
فصل طويل من المعاناة والمرارة لا يمكن طيه بسهولة، ولن يشعر به سوى المواطن العربي العراقي المظلوم الذي لا ذنب له في الحياة غير أنه وُلد في هذه البقعة من العالم خلال أسوأ مراحلها التاريخية، لكن هذا الإنسان الجائع أدرك اليوم أن الشعارات الطائفية والحزبية لا تُطعم خبزاً ولا توفر ماءً أو علاجاً ولا يمكنها أن تولّد الكهرباء أيضاً.
أدرك العراقي فوق ذلك أن السياسيين الذين رفع صورهم وجاب بها الشوارع معادياً إخوته من أجلهم، عاجزون تماماً عن معالجة أزماته المتتالية، ما دفعه للخروج اليوم صارخاً في الطرقات ضد كل شيء بلا استثناء متوحداً مع أخيه العراقي دون التفات لطائفته أو انتمائه السياسي؛ لأن الجوع وحده هو موحد الجموع ومجيشها وتسقط أمامه كل الشعارات، وقديماً قال الصحابي الجليل أبو ذر الغفاري: «عجبت لمن لا يجد القوت في بيته كيف لا يخرج على الناس شاهراً سيفه».
لا أحد في العالم العربي اليوم يرغب في أن ينزلق العراق إلى المصير الذي انزلقت إليه سوريا، فعراق عربي موحد قوي عون لمحيطه العربي خير من كانتونات متناحرة تصدر الدمار للعالم، لكن هناك قوى متربصة يهمها تفكيك العراق والتهام نفطه وأراضيه وعلى رأسها جارة السوء إيران ونظامها الكهنوتي المجنون الذي يحلم بالاستيلاء على الجنوب العراقي لاعتبارات طائفية وخزعبلاتية، وقد نرى خلال الأسابيع القادمة (إن تصاعدت حدة الانتفاضة العراقية) تدخلاً عسكرياً أو مليشياوياً إيرانياً بحجة حماية المراقد المقدسة، كما كانت حجة مخابيل طهران عند بداية تدخلهم في النزاع السوري، وهذا ما يجب أن تتكاتف الجهود الدولية لمنعه بدءاً من اليوم عبر الضغط على الحكومة العراقية للاستجابة لمطالب المحتجين وقطع الطريق على الإيرانيين، كما يجب أن لا تغفل الحكومات العربية أهمية الملف العراقي وضرورة العمل مع العراقيين على حل هذه الأزمة بحكمة وبأسرع وقت، فقد جرب العرب أن يتجاهلوا الملف العراقي سابقاً وكانت النتيجة أن ملأ الإيرانيون الفراغ، وهذا برأي جميع العقلاء أمر لا ينبغي أن يتكرر.
* كاتب سعودي