تتمة لسلسلة مقالات (النسوية بين الاتهام والبرستيج) أقدم هنا فكرة الأبحاث النسوية، ولماذا هي مهمة وكيف تتم معالجتها في الدراسات المحلية والعربية، فحتى نفسر المفاهيم النسوية علينا أن نفهم منهجيات البحث المناسبة التي تتم من خلالها تقديمها للنظرية بشكل علمي وعملي مفيد للمجتمع، فنحن في سباق مع الزمن لردم الهوة المعرفية في هذا المجال الدقيق والفلسفي بالمجمل، حيث تجنح العديد من الدراسات، للأسف، لمعالجة الظواهر بالأرقام، أو ما يسمونها بالمنهجية الوصفية، وأنا هنا لا أقلل ولا أنتقص من هذا الاتجاه، لكن في الدراسات الاجتماعية والعلوم الإنسانية نحتاج وقفة صارمة من الجامعات لوقف هذا الأمر بأسرع وقت، حيث امتلأت مكتباتنا بالأبحاث، التي لن أتردد بوصفها بالرقمية، فهي لا تقدم سوى رسوم إحصائية دون دلالات معنوية عميقة تفسر الظواهر، حتى نفهم الحياة الاجتماعية والثقافة علينا إعادة هيكلة البحث العلمي فالأرقام لا تكفي الحاجة.
وحتى نفسر الظواهر الاجتماعية بشكل علمي سليم مهم علينا أن نوظف المنهجية المناسبة كتفعيل البحث النوعي ودراسات الأنثروبولوجيا طويلة المدى والنظرية المتجذرة والدراسات السردية، فالتطور العلمي للنظرية النسوية كمبحث فكري مر بعدة مراحل، كالنظرة لها من منظار اجتماعي وتحديد الدور الاجتماعي بداية، ثم تم تناولها كفكرة سياسية وتوزيع القوى مرورا بالوسط الثقافي والخطاب المجتمعي، حتى ظهرت مدارس الأدائية التي تدرس أداء كل نوع ووقوفا على السردية وميكانيزم اللغة، ولعل المرحلة الثالثة التي عالجت النسوية من منظار اللغة والخطاب المجتمعي هي الأكثر تأثيرا للعصر الحالي، فهذه المدارس تؤمن أن اللغة تشمل «المنتجات الثقافية والصور والقصص والسرد العلمي والممارسات الاجتماعية»، وهذا ما يؤكده نعوم تشومسكي، هكذا تطورت منهجيات الأبحاث الاجتماعية بالمجمل والنسوية بشكل دقيق، فحتى نقدم بحثا نسويا علينا معالجة اللغة أولا وهي ما يسمى الآن بالتحليل السردي.
السؤال: هل كل بحث يتناول المرأة كعينة يعتبر بحثا نسويا؟ بالطبع لا، نعم هذه الحقيقة فحتى نعتبر أن هذا البحث نسوي علينا معرفة الأسئلة التي تعالجها الأبحاث النسوية فهي لا تعالج الأمور السطحية فقط، حيث قرأت ما يفوق الخمس عشرة دراسة عن تمكين المرأة باللغة العربية تناولت التمكين من جانب مادي فقط وتجاهلت للأسف حقيقة التمكين، فالسؤال، ليس ما درجة تمكين المرأة إنما، ما كيفية التمكين وما حقيقة الضعف الذاتي والاجتماعي والثقافي والاقتصادي للمرأة؟، هوية المرأة كمثال مبحث شبه غائب من المعالجة المعرفية، إن من أوجه الخلل والقصور في الأبحاث أن لا تعالج المشكلات من منطلقات فلسفية وهذا هدر معرفي غير مبرر ولا تثري في فهم الواقع بشيء.
أيضا، هل الأبحاث النسوية ستحكي الحقيقة؟ أمام سطوة الخطاب المجتمعي الجائر عليها، أم أن الحرية الأكاديمية ستحفظ المواثيق العلمية وتدعم المنهجية السردية في التحليل والتي تتناول القصص والحياة الشخصية، أو كما يسمونها «تاريخ الحياة الشخصية»، فالأبحاث السردية تعالج المشكلات من خلال المقابلات الشخصية وتطرح الأسئلة بشكل عفوي أو تطلب من العينة طرح قصتها بشكل عفوي أو ترسم مسار حياتها ويسمى «خط الحياة»، وهي بالمناسبة أدوات جدا قيمة وتعطي الباحث قيمة مضافة مقارنة مع المسح العشوائي، الذي يمنعك من رؤية العينات والاستماع إليهم.
أخيرا لتوضيح مفهوم السرد بشكل أبسط فإن بول ريكور يختصر فكرة السرد كمعادلة رياضية شيقة، فيقول «السرد هو عبارة عن الزمن والوعي والأنا»، فالقاص يسرد القصة من خلال زمنه وبأدوات وعيه مع بروز هويته، كذلك تقول الباحثة النسوية المؤسسة لمنهجية الأبحاث النسوية البريطانية آن آوكلي «الكتب وليدة زمانها»، وتعني أن الحاجة لفهم الظواهر الاجتماعية يظهر من خلال الزمن والأدوات المتاحة، نحن الآن في عصر اللغة، لهذا إعادة قراءة الخطاب المجتمعي ضرورة ثقافية تتحمل مهمتها الجامعات ووزارة الثقافة ووزارة الإعلام، إذا أردنا تغيير السلوك البشري علينا أن نحدث تغييرا ثقافيا حقيقيا في المجتمع، فمعالجة الطلاق كأوضح مثال لن يتم طالما نحن ندور حول سور الحديقة!
* كاتبة سعودية
areejalajahani@gmail.com
وحتى نفسر الظواهر الاجتماعية بشكل علمي سليم مهم علينا أن نوظف المنهجية المناسبة كتفعيل البحث النوعي ودراسات الأنثروبولوجيا طويلة المدى والنظرية المتجذرة والدراسات السردية، فالتطور العلمي للنظرية النسوية كمبحث فكري مر بعدة مراحل، كالنظرة لها من منظار اجتماعي وتحديد الدور الاجتماعي بداية، ثم تم تناولها كفكرة سياسية وتوزيع القوى مرورا بالوسط الثقافي والخطاب المجتمعي، حتى ظهرت مدارس الأدائية التي تدرس أداء كل نوع ووقوفا على السردية وميكانيزم اللغة، ولعل المرحلة الثالثة التي عالجت النسوية من منظار اللغة والخطاب المجتمعي هي الأكثر تأثيرا للعصر الحالي، فهذه المدارس تؤمن أن اللغة تشمل «المنتجات الثقافية والصور والقصص والسرد العلمي والممارسات الاجتماعية»، وهذا ما يؤكده نعوم تشومسكي، هكذا تطورت منهجيات الأبحاث الاجتماعية بالمجمل والنسوية بشكل دقيق، فحتى نقدم بحثا نسويا علينا معالجة اللغة أولا وهي ما يسمى الآن بالتحليل السردي.
السؤال: هل كل بحث يتناول المرأة كعينة يعتبر بحثا نسويا؟ بالطبع لا، نعم هذه الحقيقة فحتى نعتبر أن هذا البحث نسوي علينا معرفة الأسئلة التي تعالجها الأبحاث النسوية فهي لا تعالج الأمور السطحية فقط، حيث قرأت ما يفوق الخمس عشرة دراسة عن تمكين المرأة باللغة العربية تناولت التمكين من جانب مادي فقط وتجاهلت للأسف حقيقة التمكين، فالسؤال، ليس ما درجة تمكين المرأة إنما، ما كيفية التمكين وما حقيقة الضعف الذاتي والاجتماعي والثقافي والاقتصادي للمرأة؟، هوية المرأة كمثال مبحث شبه غائب من المعالجة المعرفية، إن من أوجه الخلل والقصور في الأبحاث أن لا تعالج المشكلات من منطلقات فلسفية وهذا هدر معرفي غير مبرر ولا تثري في فهم الواقع بشيء.
أيضا، هل الأبحاث النسوية ستحكي الحقيقة؟ أمام سطوة الخطاب المجتمعي الجائر عليها، أم أن الحرية الأكاديمية ستحفظ المواثيق العلمية وتدعم المنهجية السردية في التحليل والتي تتناول القصص والحياة الشخصية، أو كما يسمونها «تاريخ الحياة الشخصية»، فالأبحاث السردية تعالج المشكلات من خلال المقابلات الشخصية وتطرح الأسئلة بشكل عفوي أو تطلب من العينة طرح قصتها بشكل عفوي أو ترسم مسار حياتها ويسمى «خط الحياة»، وهي بالمناسبة أدوات جدا قيمة وتعطي الباحث قيمة مضافة مقارنة مع المسح العشوائي، الذي يمنعك من رؤية العينات والاستماع إليهم.
أخيرا لتوضيح مفهوم السرد بشكل أبسط فإن بول ريكور يختصر فكرة السرد كمعادلة رياضية شيقة، فيقول «السرد هو عبارة عن الزمن والوعي والأنا»، فالقاص يسرد القصة من خلال زمنه وبأدوات وعيه مع بروز هويته، كذلك تقول الباحثة النسوية المؤسسة لمنهجية الأبحاث النسوية البريطانية آن آوكلي «الكتب وليدة زمانها»، وتعني أن الحاجة لفهم الظواهر الاجتماعية يظهر من خلال الزمن والأدوات المتاحة، نحن الآن في عصر اللغة، لهذا إعادة قراءة الخطاب المجتمعي ضرورة ثقافية تتحمل مهمتها الجامعات ووزارة الثقافة ووزارة الإعلام، إذا أردنا تغيير السلوك البشري علينا أن نحدث تغييرا ثقافيا حقيقيا في المجتمع، فمعالجة الطلاق كأوضح مثال لن يتم طالما نحن ندور حول سور الحديقة!
* كاتبة سعودية
areejalajahani@gmail.com