يبدو أن الخيار العسكري لنزع السلاح النووي لكوريا الشمالية قد استبعد من قبل الإستراتيجيين الأمريكيين – على الأقل في هذه المرحلة – نظرا لما قد ينتج عن اتخاذه من حرب نووية تدمر هذا الجزء من العالم دمارا شاملا. لذلك، كان لا بد من الاقتراب السلمي لأزمة الأسلحة النووية الكورية الشمالية، بما فيها الصواريخ الباليستية. من هنا بدأ التفكير في استخدام الدبلوماسية، والتمهيد للقاء بين الرئيسين ترمب وأون. إذ أصبحت القمة بينهما ضرورية لكسر الحاجز النفسي، وبدء مسيرة تفاوضية سلمية طويلة وشاقة، ومتشعبة... قد تمتد لسنوات، وتنتهي بأحد الاحتمالات الثلاثة التالية، إما إلى:
- نزع السلاح النووي الكوري الشمالي، وتطبيع العلاقات الأمريكية – الكورية الشمالية.
- أو: إبرام كوريا الشمالية معاهدة سلام وعدم اعتداء مع أمريكا وحلفائها، مع احتفاظ كوريا الشمالية بسلاحها النووي، أو بجزء منه.
- أو: الفشل في تحقيق أي من الاحتمالين الأولين، والعودة إلى الوضع السابق للأزمة بين البلدين، وضع ما قبل قمة ترمب – أون في سنغافورة، يوم 12/6/2018.
***
ولا أتوقع أن تتخلى كوريا الشمالية عن سلاحها النووي طوعا وبسهولة، حتى ولو كانت هناك تعهدات أمريكية، بضمان أمن كوريا الشمالية، واستمرار نظامها السياسي الحالي، ورفع العقوبات الاقتصادية، وتقديم دعم للاقتصاد الكوري الشمالي الضعيف. حكومة كوريا الشمالية ليست مشابهة لحكومة القذافي، أو حكومة جنوب أفريقيا العنصرية السابقة. فكوريا الشمالية تضع آمالا عراضا على سلاحها النووي، الذى عملت عليه لسنوات، وتأمل، كما يبدو، أن يحقق هذا السلاح لها الأمن وردع أي اعتداء خارجي عليها. حكومة كوريا الشمالية تعتقد أيضا أن امتلاكها لهذا السلاح يسهم في بقاء نظامها السياسي الشيوعي، وقد يساعد في تحقيق تطلعاتها في «استعادة» كوريا الجنوبية، وتبوؤ مكانة دولية مرموقة.
وقد أوردت شبكة «NBC» الإخبارية الأمريكية (يوم 30 يونيو 2018) عن مسؤولين أمريكيين قولهم إن وكالة الاستخبارات الأمريكية أصدرت تقريرا سريا يشير إلى أن كوريا الشمالية زادت، بشكل سري، من إنتاج الوقود النووي المستخدم لصنع أسلحة نووية في الأشهر الأخيرة، بما فيها شهر يونيو 2018. كما زادت من إنتاج اليورانيوم المخصب لأغراض صناعة القنابل النووية، في ذات الفترة.
وأوردت صحيفة «يوميوري» اليابانية، يوم 16/7/2018، أن وزير الخارجية الأمريكي «مايكل بومبيو»: «اتهم كوريا الشمالية بعدم الوفاء بتعهداتها بتجميد برنامجها النووي، موضحا أن بيونغ يانغ لا تزال تخصب اليورانيوم في منشأة سرية».
الأمر الذى يبين عدم رغبة كوريا الشمالية الحقيقية للتخلي عن ترسانتها النووية، في المدى القريب، على الأقل. وكل ذلك يخالف ما أبداه الرئيس ترمب من تفاؤل عندما قال: «لم يعد هناك تهديد نووي من كوريا الشمالية». ومعروف أنه ليس من الضروري نزع سلاح كوريا الشمالية النووي حتى يتم تلافي خطرها، أو تهديدها. فاتفاقية سلام وعدم اعتداء كفيلة بإزاحة الخشية من أي تهديد حقيقي حال.
***
تخلي كوريا الشمالية عن سلاحها النووي قد يعني: انتهاءها وتفككها في المدى الطويل، وربما ابتلاعها من قبل كوريا الجنوبية، أو انصهارها مع الأخيرة. فنزع أسلحتها النووية يثير الكثير من الإشكاليات والتساؤلات لها، والتي أهمها:
- ماذا يضمن وفاء أمريكا بتعهداتها لكوريا الشمالية؟
- ما الذى يضمن عدم اختراق النظام السياسي الكوري الشمالي الحالي، والعمل على انهياره؟
- هل يستحق ما تعرضه أمريكا على كوريا الشمالية التخلي التام عن سلاحها النووي، كسلاح رادع... يسهم في الدفاع عنها وعن نظامها، ويردع أعداءها عن المساس بها؟
- ألا يمكن أن تحتفظ كوريا الشمالية بسلاحها النووي، أو بجزء منه، مع إبرام معاهدة سلام وتعاون مع أمريكا وحلفائها، وخاصة كوريا الجنوبية واليابان؟!
لم تتطرق القمة بين ترمب وأون لهذه الإشكاليات، وكون كل طرف له أهداف متناقضة (في كثير من جوانبها) مع أهداف الطرف الآخر... وبسبب ما ذكر من إشكاليات، أو عقبات، يتوقع أن تصر حكومة كوريا الشمالية على موقفها الأساسي، ربما مع تقديم «تنازلات»، تتمثل في: وقف تطوير ما لديها من سلاح نووي، وعدم السعي لامتلاك المزيد. كما قد تتعهد بعدم «تصدير» التقنية والمعدات النووية لأي دولة.
ولن يكون لدى أمريكا من خيار آخر سوى: القبول بكوريا شمالية نووية، تتعهد بإقامة سلام مع أمريكا وحلفائها، وعقد معاهدة تعاون وعدم اعتداء بين الجانبين. وبالتالي، تطبيع العلاقات بين الطرفين، أو: العودة إلى المربع الأول... وسيادة التوتر الشديد بين كوريا الشمالية وأمريكا وحلفائها، مع احتمال استخدام أمريكا القوة المسلحة للتعامل مع السلاح النووي لكوريا الشمالية، رغم ما يعنيه ذلك من مخاطر فادحة.
ويتوقع كثير من المراقبين أن تجنح أمريكا للسلم، وتوافق على احتفاظ كوريا الشمالية بجزء محدود من سلاحها النووي، ليشهد العالم قريبا اعترافا متبادلا وعلاقات دبلوماسية بين الدولتين الكوريتين، الشمالية والجنوبية، وبين كوريا الشمالية وأمريكا وحلفائها الآخرين. الأمر الذى يرسخ انقسام شبه الجزيرة الكورية إلى دولتين، غير قابلتين – في المديين القصير والمتوسط – للانصهار في دولة واحدة، سلما أو حربا، ويستأصل بؤرة توتر عالمي حاد، وربما يعيد السلام، ولو مرحليا، إلى شبه الجزيرة الكورية وما جاورها.
* كاتب سعودي
- نزع السلاح النووي الكوري الشمالي، وتطبيع العلاقات الأمريكية – الكورية الشمالية.
- أو: إبرام كوريا الشمالية معاهدة سلام وعدم اعتداء مع أمريكا وحلفائها، مع احتفاظ كوريا الشمالية بسلاحها النووي، أو بجزء منه.
- أو: الفشل في تحقيق أي من الاحتمالين الأولين، والعودة إلى الوضع السابق للأزمة بين البلدين، وضع ما قبل قمة ترمب – أون في سنغافورة، يوم 12/6/2018.
***
ولا أتوقع أن تتخلى كوريا الشمالية عن سلاحها النووي طوعا وبسهولة، حتى ولو كانت هناك تعهدات أمريكية، بضمان أمن كوريا الشمالية، واستمرار نظامها السياسي الحالي، ورفع العقوبات الاقتصادية، وتقديم دعم للاقتصاد الكوري الشمالي الضعيف. حكومة كوريا الشمالية ليست مشابهة لحكومة القذافي، أو حكومة جنوب أفريقيا العنصرية السابقة. فكوريا الشمالية تضع آمالا عراضا على سلاحها النووي، الذى عملت عليه لسنوات، وتأمل، كما يبدو، أن يحقق هذا السلاح لها الأمن وردع أي اعتداء خارجي عليها. حكومة كوريا الشمالية تعتقد أيضا أن امتلاكها لهذا السلاح يسهم في بقاء نظامها السياسي الشيوعي، وقد يساعد في تحقيق تطلعاتها في «استعادة» كوريا الجنوبية، وتبوؤ مكانة دولية مرموقة.
وقد أوردت شبكة «NBC» الإخبارية الأمريكية (يوم 30 يونيو 2018) عن مسؤولين أمريكيين قولهم إن وكالة الاستخبارات الأمريكية أصدرت تقريرا سريا يشير إلى أن كوريا الشمالية زادت، بشكل سري، من إنتاج الوقود النووي المستخدم لصنع أسلحة نووية في الأشهر الأخيرة، بما فيها شهر يونيو 2018. كما زادت من إنتاج اليورانيوم المخصب لأغراض صناعة القنابل النووية، في ذات الفترة.
وأوردت صحيفة «يوميوري» اليابانية، يوم 16/7/2018، أن وزير الخارجية الأمريكي «مايكل بومبيو»: «اتهم كوريا الشمالية بعدم الوفاء بتعهداتها بتجميد برنامجها النووي، موضحا أن بيونغ يانغ لا تزال تخصب اليورانيوم في منشأة سرية».
الأمر الذى يبين عدم رغبة كوريا الشمالية الحقيقية للتخلي عن ترسانتها النووية، في المدى القريب، على الأقل. وكل ذلك يخالف ما أبداه الرئيس ترمب من تفاؤل عندما قال: «لم يعد هناك تهديد نووي من كوريا الشمالية». ومعروف أنه ليس من الضروري نزع سلاح كوريا الشمالية النووي حتى يتم تلافي خطرها، أو تهديدها. فاتفاقية سلام وعدم اعتداء كفيلة بإزاحة الخشية من أي تهديد حقيقي حال.
***
تخلي كوريا الشمالية عن سلاحها النووي قد يعني: انتهاءها وتفككها في المدى الطويل، وربما ابتلاعها من قبل كوريا الجنوبية، أو انصهارها مع الأخيرة. فنزع أسلحتها النووية يثير الكثير من الإشكاليات والتساؤلات لها، والتي أهمها:
- ماذا يضمن وفاء أمريكا بتعهداتها لكوريا الشمالية؟
- ما الذى يضمن عدم اختراق النظام السياسي الكوري الشمالي الحالي، والعمل على انهياره؟
- هل يستحق ما تعرضه أمريكا على كوريا الشمالية التخلي التام عن سلاحها النووي، كسلاح رادع... يسهم في الدفاع عنها وعن نظامها، ويردع أعداءها عن المساس بها؟
- ألا يمكن أن تحتفظ كوريا الشمالية بسلاحها النووي، أو بجزء منه، مع إبرام معاهدة سلام وتعاون مع أمريكا وحلفائها، وخاصة كوريا الجنوبية واليابان؟!
لم تتطرق القمة بين ترمب وأون لهذه الإشكاليات، وكون كل طرف له أهداف متناقضة (في كثير من جوانبها) مع أهداف الطرف الآخر... وبسبب ما ذكر من إشكاليات، أو عقبات، يتوقع أن تصر حكومة كوريا الشمالية على موقفها الأساسي، ربما مع تقديم «تنازلات»، تتمثل في: وقف تطوير ما لديها من سلاح نووي، وعدم السعي لامتلاك المزيد. كما قد تتعهد بعدم «تصدير» التقنية والمعدات النووية لأي دولة.
ولن يكون لدى أمريكا من خيار آخر سوى: القبول بكوريا شمالية نووية، تتعهد بإقامة سلام مع أمريكا وحلفائها، وعقد معاهدة تعاون وعدم اعتداء بين الجانبين. وبالتالي، تطبيع العلاقات بين الطرفين، أو: العودة إلى المربع الأول... وسيادة التوتر الشديد بين كوريا الشمالية وأمريكا وحلفائها، مع احتمال استخدام أمريكا القوة المسلحة للتعامل مع السلاح النووي لكوريا الشمالية، رغم ما يعنيه ذلك من مخاطر فادحة.
ويتوقع كثير من المراقبين أن تجنح أمريكا للسلم، وتوافق على احتفاظ كوريا الشمالية بجزء محدود من سلاحها النووي، ليشهد العالم قريبا اعترافا متبادلا وعلاقات دبلوماسية بين الدولتين الكوريتين، الشمالية والجنوبية، وبين كوريا الشمالية وأمريكا وحلفائها الآخرين. الأمر الذى يرسخ انقسام شبه الجزيرة الكورية إلى دولتين، غير قابلتين – في المديين القصير والمتوسط – للانصهار في دولة واحدة، سلما أو حربا، ويستأصل بؤرة توتر عالمي حاد، وربما يعيد السلام، ولو مرحليا، إلى شبه الجزيرة الكورية وما جاورها.
* كاتب سعودي