ما أكثر قصص النجاح التي نسمعها... فلان «فلتة زمانه»، ودائما من المتفوقين في المدرسة والجامعة والمهنة والزواج... وفلان كون الملايين من لا شيء... وهكذا. بصراحة بعض الأحيان أسمع تلك القصص وأشعر أنني من أكبر الفاشلين لأن الجماعة الناجحين كأنه مكتوب على جبينهم النجاح... كمن يرث الملايين ويقول إنه حقق ثروات طائلة. وبصراحة، أعتز كثيرا بتجارب فشلي لأنها علمتني أهم الدروس أكثر بكثير من دروس النجاح والتفوق. وإليكم بعضا من تلك التجارب: خلال دراستي العليا في الولايات المتحدة أيام زمان، كان أحد متطلبات مادة «الاستثمار» أن نتخيل أننا اشترينا ألف سهم في إحدى الشركات وأن نتابعها ونحللها خلال الفصل الدراسي. اخترت إحدى الشركات القوية والواعدة...ورأيت أن إدارتها كانت فاعلة وطموحة، فقمت بحركة تهور واستثمرت معظم مدخراتي لشراء الأسهم فيها فعليا. وخلال فترة الفصل الدراسي صعد سعر الشركة بطريقة جنونية لدرجة أنني ضاعفت الاستثمار خلال 4 أشهر فقط. وفوجئت أن أستاذ المادة كان شديد النقد على قرار الشراء، وكان يردد جملة «يا ليتك فشلت لتتعلم». طبعا قلت الرجل مصاب بالغيرة من قدراتي. ونظرا للنجاح الذي حققته، أصبحت عندي حالة ثقة بالنفس عجيبة «يعني يعني» أنني أتيت «بالذيب من ذيله»، وتخيلت نفسي من «الخبراء» بعد مادة واحدة في الاستثمار. ولم أكتشف مشكلة النجاح المحظوظ الذي حالفني إلا في وقت لاحق عندما خسرت في سوق الأسهم وتدمرت فقاعة الثقة التي كونتها.
وفي قصة ثانية عن أهمية الفشل كانت أثناء دراستي للحصول على رخصة الطيران. كان أحد المتطلبات هي الطيران الليلي مع المدرب ثم بمفردي. ذهبت إلى المطار في الليل حسب الموعد وركبت الطائرة مع معلمي. كانت طائرتنا ذات المحرك الواحد من طراز «سيسنا 152» هي التجسيد الدقيق لمبدأ «القرمبع». جميع الطلاب كانوا يهربون منها لأن تلك العجوز كانت تعاني من العديد من المشاكل بالرغم أن متطلبات السلامة كانت متحققة فيها. الشاهد أن في تلك الليلة كان مزاجها رائقا، فطارت بنا بدون أي مشاكل... محرك تمام... راديوهات تمام... أجهزة ملاحة رائعة... إضاءة ممتازة. كانت طائرتنا في قمة الروقان، وكنت في قمة السعادة طبعا وأنا أقودها. ولكن معلمي كان مستاء. وقال «يا ليت لو فشل أي نظام لتتعلم على الواقع». طبعا تتطلب كل طلعة طيران أن يقوم المدرب بتعطيل أحد الأجهزة تعطيلا تشبيهيا، ولكن هذه الممارسات ليست كالتجربة الحقيقية. وبعدها بكم يوم عرفت ما كان يقصد، فقد طلعت بنفس الطائرة بمفردي ليلا و«زرجنت السيسنا» بطريقة بشعة وكانت من أسوأ تجاربي.
وهناك قصة أخرى دارت أحداثها في إدارة الأحوال المدنية في جدة. كانت من الأيام «المكهربة» التي لا تجد فيها من يرد عليك السلام. وجلست أنتظر دوري وإذا بالأخ الذي يجلس بجانبي يطلب مني قلما لتعبئة ورقة. وهنا لا بد من الإيضاح أن علاقتي بأقلامي وطيدة، ولا أحب مشاركتها مع أحد. ترددت في إقراضه القلم، ولكنني لم أمانع خصوصا أنه كان أكبر مني سنا. وبعدها جاءت المفاجأة فقد ارتكب خطأ في تعبئة الورقة فطلب مني أن أحضر له الاستمارة البديلة. وهنا رفضت طلب الرجل فورا. وقلت في نفسي «يا أخي استعارة قلمي مشيتها... وكمان أقوم لإحضار استمارة بديلة... هل أنا موظف عندك ونسيت؟» وهنا تحرك الرجل من مكانه وإذا بالمفاجأة الكبرى فكان من الفئة الغالية على قلبي وقلوبنا جميعا... كان من ذوي الإعاقة يجلس على كرسي متحرك. فاعتذرت له عن تصرفي، ولكن الموقف كان من مواقف فشلي كإنسان، فتعلمت أحد أهم الدروس في حياتي.
أمنيــــة
لا تزال عندي مئات قصص الفشل. وكل منها تحمل أجمل الدروس التي ساعدتني في حياتي كإنسان، وأب، وزوج، وصديق، ومعلم. أتمنى أن ننظر إلى العديد من تجارب الفشل نظرة إيجابية لأنها تصقل قصص نجاحنا بمشيئة الله،
وهو من وراء القصد.
*كاتب سعودي
وفي قصة ثانية عن أهمية الفشل كانت أثناء دراستي للحصول على رخصة الطيران. كان أحد المتطلبات هي الطيران الليلي مع المدرب ثم بمفردي. ذهبت إلى المطار في الليل حسب الموعد وركبت الطائرة مع معلمي. كانت طائرتنا ذات المحرك الواحد من طراز «سيسنا 152» هي التجسيد الدقيق لمبدأ «القرمبع». جميع الطلاب كانوا يهربون منها لأن تلك العجوز كانت تعاني من العديد من المشاكل بالرغم أن متطلبات السلامة كانت متحققة فيها. الشاهد أن في تلك الليلة كان مزاجها رائقا، فطارت بنا بدون أي مشاكل... محرك تمام... راديوهات تمام... أجهزة ملاحة رائعة... إضاءة ممتازة. كانت طائرتنا في قمة الروقان، وكنت في قمة السعادة طبعا وأنا أقودها. ولكن معلمي كان مستاء. وقال «يا ليت لو فشل أي نظام لتتعلم على الواقع». طبعا تتطلب كل طلعة طيران أن يقوم المدرب بتعطيل أحد الأجهزة تعطيلا تشبيهيا، ولكن هذه الممارسات ليست كالتجربة الحقيقية. وبعدها بكم يوم عرفت ما كان يقصد، فقد طلعت بنفس الطائرة بمفردي ليلا و«زرجنت السيسنا» بطريقة بشعة وكانت من أسوأ تجاربي.
وهناك قصة أخرى دارت أحداثها في إدارة الأحوال المدنية في جدة. كانت من الأيام «المكهربة» التي لا تجد فيها من يرد عليك السلام. وجلست أنتظر دوري وإذا بالأخ الذي يجلس بجانبي يطلب مني قلما لتعبئة ورقة. وهنا لا بد من الإيضاح أن علاقتي بأقلامي وطيدة، ولا أحب مشاركتها مع أحد. ترددت في إقراضه القلم، ولكنني لم أمانع خصوصا أنه كان أكبر مني سنا. وبعدها جاءت المفاجأة فقد ارتكب خطأ في تعبئة الورقة فطلب مني أن أحضر له الاستمارة البديلة. وهنا رفضت طلب الرجل فورا. وقلت في نفسي «يا أخي استعارة قلمي مشيتها... وكمان أقوم لإحضار استمارة بديلة... هل أنا موظف عندك ونسيت؟» وهنا تحرك الرجل من مكانه وإذا بالمفاجأة الكبرى فكان من الفئة الغالية على قلبي وقلوبنا جميعا... كان من ذوي الإعاقة يجلس على كرسي متحرك. فاعتذرت له عن تصرفي، ولكن الموقف كان من مواقف فشلي كإنسان، فتعلمت أحد أهم الدروس في حياتي.
أمنيــــة
لا تزال عندي مئات قصص الفشل. وكل منها تحمل أجمل الدروس التي ساعدتني في حياتي كإنسان، وأب، وزوج، وصديق، ومعلم. أتمنى أن ننظر إلى العديد من تجارب الفشل نظرة إيجابية لأنها تصقل قصص نجاحنا بمشيئة الله،
وهو من وراء القصد.
*كاتب سعودي