-A +A
صدقة يحيى فاضل
اليوم (تاريخ كتابة هذا المقال هو 10/7/2018، الموافق 26/10/1439هـ) طالعت – كالعادة يوميا – أهم أخبار الساعة، وخاصة تلك المتعلقة بالمنطقة العربية. اقرأوا بعضا من أهم هذه الأخبار والأحداث المتتابعة في ما يلي:

- قتلت إسرائيل ما لا يقل عن 136 مدنيا فلسطينيا، على حدود غزة المحاصرة، منذ اندلاع المظاهرات الفلسطينية الحاشدة ضد الاحتلال الإسرائيلي، يوم 30/6/2018 وحتى تاريخه.


- مقتل وجرح عشرات من المدنيين العراقيين، نتيجة تفجيرات إرهابية قرب بغداد، والنجف.

- وصل عدد القتلى في الحرب السورية، من السوريين فقط، نحو مليون قتيل، كما يقول المرصد السوري لحقوق الإنسان. واليوم قتل العشرات في مدينة درعا. أما أعداد المشردين السوريين فقد تجاوزت 6 ملايين شخص، ناهيك عن آلاف الجرحى، وما لحق بالمدن السورية من تدمير هائل.

- مهجرو درعا إلى الأردن «يمثلون كارثة على الأردن».

- والحال في اليمن «السعيد» يشبه الحال في سورية، لوجود جماعة انقلابية مدعومة من إيران، وإن كان عدد القتلى أقل من قتلى سورية.

- ما زالت الميليشيات والفصائل الليبية المختلفة تتناحر فيما بينها، الأمر الذي دائما ما يؤدي لسقوط عشرات القتلى ومئات الجرحى.

- طائرات بدون طيار توقع عدة قتلى قرب دمشق.

- مقتل 14 شخصا في أفغانستان في هجوم شنه مجندون أفغان ينتمون لتنظيم «طالبان»، المنبثق من تنظيم «القاعدة». كما قتل جندي أمريكي، وأصيب 2 آخران. وقتل لاحقا 10 أشخاص في هجوم على جامعة في جلال آباد، شرق أفغانستان.

- «قاعدة» الصومال تهاجم مبنى حكوميا، وتقتل 5 موظفين.

وما إلى ذلك من أحداث يومية دامية... تتواصل وتتكرر، بشكل دائم، منذ العام 2011. وتلك فقط أخبار الحروب والقتل والتدمير. أما أغلب أخبار المناورات (السياسة) اليومية، فهي أسوأ مضمونا وخيانة، وأشد إيلاما. ويخطئ من يظن أن ما حدث عام 2011 من تطورات سياسية معروفة هو سبب كل ما جرى، ويجري، لاحقا. إن ما حدث عام 2011 كان عبارة عن انفجار لوضع سياسي هش وملتهب أصلا وغير مستقر، ساد بلاد المنطقة المضطربة، منذ نحو 5 عقود... متواصلا ومستمرا قبل 2011، وبعدها.

هكذا دواليك، كل يوم... وعلى مدار الساعة، أغلب ما نسمع ونرى من أخبار المنطقة ووقائعها هي أخبار مؤسفة، حزينة، سيئة، بشعة... تفجيرات... مجازر... قتل، تدمير، جرح، قصف، تشريد... إلخ. أحداث تسبب الألم، والأسى والإحباط. هذه الوقائع تؤكد اعتبار هذه المنطقة، من قبل غالبية المراقبين السياسيين، أكثر مناطق العالم اضطرابا وعدم استقرار. وتثير دائما التساؤلات التقليدية: ماذا يجري في هذه المنطقة، ولماذا، وماذا بعد؟!

***

لقد سئمت، ربما كغيري، من متابعة ما يحدث في معظم منطقتنا العربية من أحداث ووقائع سياسية، مفزعة وبشعة، بكل مقاييس ومعايير العصر الحضاري الراهن. ولكنني مضطر، بحكم التخصص والاهتمام العلمي، لمتابعة ما يجري، وأحيانا على مدار الساعة، ومحاولة فهم الوقائع والأحداث السياسية المتتابعة والمتسارعة والرهيبة في غالبيتها. مع الحرص الشديد على الاعتماد على «المصادر» الأكثر صدقا والأوفر مصداقية، والأقل كذبا وغشا وتدليسا، والأبعد عن «التمويه» الإعلامي الذى يشتهر به معظم الإعلام الأصفر بالمنطقة، والذي كثيرا ما يقلب الحق باطلا، والباطل حقا. وهذه المصادر السليمة أصبحت شبه نادرة، في كل عالم اليوم. ولكن الباحث عن «الحقيقة» غالبا ما يجدها.

ومع ذلك، لا بد من «فلترة» ما يقرأ ويسمع، وتنقيته من الشوائب، ثم تحليل وتفسير الأحداث، وتبين حقيقتها، والانطلاق أحيانا من معرفة «ما هو كائن» بالفعل، لمعرفة «ما سيكون». ثم، عندما تتغلب العاطفة العربية والإسلامية، الحلم بـ«ما ينبغي أن يكون». ودائما ما أذكر نفسي، وغيري، بأن «فهم» ما يجري من وقائع وأحداث في هذه المنطقة بالذات، لا يمكن أن يتم ويكتمل ما لم نفهم، و«نستحضر»، بعض النظريات والأطر والمفاهيم العلمية السياسية ذات العلاقة الوثيقة بهذا النوع من الوقائع والأحداث والتطورات السياسية التي تجري في هذه المنطقة المنكوبة، وفي مقدمة هذه الأطر والنظريات كل من: نظرية الاستعمار قديمه وجديده، أنواع الحكومات، الاستبداد السياسي، النظام العالمي الراهن، السياسة الأمريكية تجاه المنطقة، الحركة الصهيونية، الإسلام السياسي، الطائفية، المذهبية.

فبدون فهم واستيعاب واستحضار ما تعنيه هذه المفاهيم والمواضيع، لا يمكن فهم واستيعاب ما يجري بالمنطقة من وقائع وأحداث، أغلبها سلبي وسيئ ومدمر. وبتطبيق هذا «المدخل»، وانطلاقا منه، سنحاول، في المقال القادم، التطرق، مرة أخرى، إلى أهم أسباب هذا الوضع المؤسف والمحزن الذي عليه معظم أرجاء هذه المنطقة الآن. ولماذا تعاني غالبية هذه المنطقة، دون غيرها من مناطق العالم الحالية، من هذا الوضع المزري.

* كاتب سعودي