منذ أعلنت واحة الأحساء تراثاً إنسانياً عالمياً ضمن التراث الإنساني العالمي المسجل من قبل اليونسكو، وأنا أبحث في ما وراء الإعلام عن الدلالة الثقافية في التاريخ المحلي لهذا الإعلان، خاصة وأن واحة الأحساء هي خامس موقع سعودي يُضم لقائمة التراث الإنساني العالمي بعد موقع مدائن صالح، وحي الطريف في الدرعية التاريخية، وموقع جدة التاريخية، وموقع جبّة والشويمس في منطقة حائل.
هذا الاعتراف الحضاري الإنساني العالمي، هل يقابله اعتراف ثقافي في التاريخ المحلي؟ وما قيمة الاعتراف العالمي مع غياب الاعتراف المحلي لهذه المواقع وكل الآثار في المملكة؟ وهل سيكون الاعتراف العالمي بهذه المواقع جسراً للاعتراف المحلي؟
للأسف الشديد ظلت ثقافتنا المحلية تنظر للمواقع الأثرية والآثار عموما إما نظرة تقديس لا تقبل تطبيع الثقافة المحلية المعاصرة مع تلك الآثار والمواقع وترى عدم المساس بها وعدم الاقتراب منها ولا تريد فتحها وإتاحتها للسياح والزوار على اعتبار أن كل الماضي يجب أن يبقى مقدسا كما هو بمنأى عن يد التطوير والترميم والتحسين والإضافة. على النقيض من هذه النظرة، هناك نظرة وثقافة ترى في الآثار أصناما وأماكن عبادة ومعابد يجب إزالتها وتدميرها. والنظرتان مبنيتان على جهل نتج عن فقر المدرسة العربية في قراءة وكتابة التاريخ.
يتحمل المؤرخون وكُتاب التاريخ السعوديون مسؤولية جهل الناس بتاريخ هذه الآثار والمواقع الحضارية.
كان يجب على مؤرخينا تصحيح مسار كتابة التاريخ لكي تُقرأ هذه الآثار وتكتب مادتها التاريخية كوثيقة تاريخية مكانية ماثلة على الأرض. كان يجب على المؤرخين أن يستندوا لهذه الآثار في قراءة وكتابة تاريخ المملكة. وكان على المؤرخين أن يستنطقوا هذه المواقع وكل آثار المملكة قراءة تاريخية ولا يكتفوا بالسرد والرواية التاريخية الشفهية التي كانت في الغالب هي الأدوات التي يستندون إليها ويعملون بها.
لقد أخفق المؤرخون العرب ومنهم السعوديون بترجمة الآثار والمواقع الأثرية وانعكاسها في الكتب مادة تاريخية. لكن الفجوة السحيقة بين المؤرخين السعوديين وعلماء الآثار سبب وامتداد للفجوة العميقة بين ثقافة الواقع والآثار والمواقع. فلماذا أخفق هؤلاء المؤرخون في تطوير وتحديث أدواتهم في قراءة وكتابة التاريخ من تلك المواقع كوثيقة تاريخية مكتملة القيمة ولماذا اكتفوا بتسجيل الروايات والسرد وبعض الوثائق؟
إن مسؤولية المؤرخين لم تقتصر على تجاهل تلك الآثار في قراءة وكتابة التاريخ، لكن هذه المدرسة التاريخية التقليدية تتحمل مسؤولية تغييب وتجاهل أبعاد حيوية كثيرة في قراءة وكتابة التاريخ المحلي.
لقد تجاهلت وغيبت هذه المدرسة التاريخية التقليدية البعد الاقتصادي والبعد الاجتماعي والبعد الإداري والزراعي والتعليمي والصناعي والتجاري والصحي وتجاهلت الكثير من العمل التطوعي الذي كان أساسيا وجوهريا في العديد من الحضارات والمجتمعات ما قبل القطاعات الحكومية والتجارية الحديثة. لقد اقتصرت نظرة المدرسة التقليدية لكتابة التاريخ على الأحداث السياسية والعسكرية كأيقونتين وحيدتين تحركان الحياة والمجتمعات دون سواهما.
إنني أكتب اليوم هذا الموضوع لست مختصا بالتاريخ ولا متخصصا بالآثار إنما أكتبه امتداداً لمقال كتبته الأسبوع الفائت بعنوان «هيئة عامة للمتقاعدين»، واقترحت أن ينبثق عن الهيئة العامة مجالس استشارية من المتقاعدين للمناطق والجامعات والمؤسسات الحكومية والمجتمع المدني، وذلك لما لدى بعض المتقاعدين من خبرات هائلة وطاقات ومعرفة.
أقترح اليوم أن ينبثق عن نفس الهيئة العامة للمتقاعدين فرق من المتقاعدين من مختلف التخصصات مهمتها إعادة قراءة وكتابة التاريخ في كل منطقة في ضوء الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والزراعية والتجارية والصناعية والتعليمية والصحية ويكون من ضمن أعضاء كل فريق مؤرخون ومتخصصون في التاريخ. ولا يمنع عقد ورش عمل تأهيلية قصيرة لهؤلاء الخبراء المتقاعدين في كيفية تناول الكتابة التاريخية لهؤلاء الخبراء المتنوعة خبراتهم وتخصصاتهم.
ولكي تتجاوز مواقعنا الحضارية وآثارنا الإعلام إلى ما وراء وما بعد الإعلام، أنني أدعو دارة الملك عبدالعزيز لما لها من دور أساس في قراءة وكتابة تاريخ المملكة بأن تتبنى هذا المشروع وتفعله وتصل به إلى هدفه الوطني الثقافي والحضاري مع بقية الجهات والمؤسسات المقترحة والمعنية بذلك.
إن المدرسة الحديثة في كتابة التاريخ والتي تسمى «الحوليات» والتي تم ابتداعها في فرنسا، سوف تسهم باكتمال اللوحة التاريخية الوطنية لدينا بحيث تصل ما انقطع من حقب وأزمنة وثغرات لا تزال إلى الآن مجهولة أو قيد التساؤل وربط كل هذا بالحاضر، وهو ما ينعكس على بناء وتأسيس ثقافة جديدة تردم الهوة بين الواقع والمواقع. قائمة على التصالح والمصالحة بين الحاضر والماضي.
* كاتب سعودي
هذا الاعتراف الحضاري الإنساني العالمي، هل يقابله اعتراف ثقافي في التاريخ المحلي؟ وما قيمة الاعتراف العالمي مع غياب الاعتراف المحلي لهذه المواقع وكل الآثار في المملكة؟ وهل سيكون الاعتراف العالمي بهذه المواقع جسراً للاعتراف المحلي؟
للأسف الشديد ظلت ثقافتنا المحلية تنظر للمواقع الأثرية والآثار عموما إما نظرة تقديس لا تقبل تطبيع الثقافة المحلية المعاصرة مع تلك الآثار والمواقع وترى عدم المساس بها وعدم الاقتراب منها ولا تريد فتحها وإتاحتها للسياح والزوار على اعتبار أن كل الماضي يجب أن يبقى مقدسا كما هو بمنأى عن يد التطوير والترميم والتحسين والإضافة. على النقيض من هذه النظرة، هناك نظرة وثقافة ترى في الآثار أصناما وأماكن عبادة ومعابد يجب إزالتها وتدميرها. والنظرتان مبنيتان على جهل نتج عن فقر المدرسة العربية في قراءة وكتابة التاريخ.
يتحمل المؤرخون وكُتاب التاريخ السعوديون مسؤولية جهل الناس بتاريخ هذه الآثار والمواقع الحضارية.
كان يجب على مؤرخينا تصحيح مسار كتابة التاريخ لكي تُقرأ هذه الآثار وتكتب مادتها التاريخية كوثيقة تاريخية مكانية ماثلة على الأرض. كان يجب على المؤرخين أن يستندوا لهذه الآثار في قراءة وكتابة تاريخ المملكة. وكان على المؤرخين أن يستنطقوا هذه المواقع وكل آثار المملكة قراءة تاريخية ولا يكتفوا بالسرد والرواية التاريخية الشفهية التي كانت في الغالب هي الأدوات التي يستندون إليها ويعملون بها.
لقد أخفق المؤرخون العرب ومنهم السعوديون بترجمة الآثار والمواقع الأثرية وانعكاسها في الكتب مادة تاريخية. لكن الفجوة السحيقة بين المؤرخين السعوديين وعلماء الآثار سبب وامتداد للفجوة العميقة بين ثقافة الواقع والآثار والمواقع. فلماذا أخفق هؤلاء المؤرخون في تطوير وتحديث أدواتهم في قراءة وكتابة التاريخ من تلك المواقع كوثيقة تاريخية مكتملة القيمة ولماذا اكتفوا بتسجيل الروايات والسرد وبعض الوثائق؟
إن مسؤولية المؤرخين لم تقتصر على تجاهل تلك الآثار في قراءة وكتابة التاريخ، لكن هذه المدرسة التاريخية التقليدية تتحمل مسؤولية تغييب وتجاهل أبعاد حيوية كثيرة في قراءة وكتابة التاريخ المحلي.
لقد تجاهلت وغيبت هذه المدرسة التاريخية التقليدية البعد الاقتصادي والبعد الاجتماعي والبعد الإداري والزراعي والتعليمي والصناعي والتجاري والصحي وتجاهلت الكثير من العمل التطوعي الذي كان أساسيا وجوهريا في العديد من الحضارات والمجتمعات ما قبل القطاعات الحكومية والتجارية الحديثة. لقد اقتصرت نظرة المدرسة التقليدية لكتابة التاريخ على الأحداث السياسية والعسكرية كأيقونتين وحيدتين تحركان الحياة والمجتمعات دون سواهما.
إنني أكتب اليوم هذا الموضوع لست مختصا بالتاريخ ولا متخصصا بالآثار إنما أكتبه امتداداً لمقال كتبته الأسبوع الفائت بعنوان «هيئة عامة للمتقاعدين»، واقترحت أن ينبثق عن الهيئة العامة مجالس استشارية من المتقاعدين للمناطق والجامعات والمؤسسات الحكومية والمجتمع المدني، وذلك لما لدى بعض المتقاعدين من خبرات هائلة وطاقات ومعرفة.
أقترح اليوم أن ينبثق عن نفس الهيئة العامة للمتقاعدين فرق من المتقاعدين من مختلف التخصصات مهمتها إعادة قراءة وكتابة التاريخ في كل منطقة في ضوء الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والزراعية والتجارية والصناعية والتعليمية والصحية ويكون من ضمن أعضاء كل فريق مؤرخون ومتخصصون في التاريخ. ولا يمنع عقد ورش عمل تأهيلية قصيرة لهؤلاء الخبراء المتقاعدين في كيفية تناول الكتابة التاريخية لهؤلاء الخبراء المتنوعة خبراتهم وتخصصاتهم.
ولكي تتجاوز مواقعنا الحضارية وآثارنا الإعلام إلى ما وراء وما بعد الإعلام، أنني أدعو دارة الملك عبدالعزيز لما لها من دور أساس في قراءة وكتابة تاريخ المملكة بأن تتبنى هذا المشروع وتفعله وتصل به إلى هدفه الوطني الثقافي والحضاري مع بقية الجهات والمؤسسات المقترحة والمعنية بذلك.
إن المدرسة الحديثة في كتابة التاريخ والتي تسمى «الحوليات» والتي تم ابتداعها في فرنسا، سوف تسهم باكتمال اللوحة التاريخية الوطنية لدينا بحيث تصل ما انقطع من حقب وأزمنة وثغرات لا تزال إلى الآن مجهولة أو قيد التساؤل وربط كل هذا بالحاضر، وهو ما ينعكس على بناء وتأسيس ثقافة جديدة تردم الهوة بين الواقع والمواقع. قائمة على التصالح والمصالحة بين الحاضر والماضي.
* كاتب سعودي