من الأسس التي أنشئت عليها الأمم المتحدة، بعد انهيار «عصبة الأمم»، أن تكون المنظمة محايدة بين الأمم والشعوب، خصوصاً التي تدخل في نزاعات. وتم تطبيق النهج المحايد طوال العقود التي تلت الحرب العالمية الثانية، ما أتاح للأمم المتحدة القيام بأدوار ناجحة في حل النزاعات، والعناية بمن شرّدتهم الحروب في أرجاء العالم. وحققت إدارة عمليات حفظ السلام -خصوصاً مع الراحل كوفي أنان قبيل انتخابه أميناً عاماً مطلع الألفية- نجاحاً، وإن ظلت الانتقادات تتردد متهمة المنظمة الأممية بالإخفاق في منع وقوع مذابح رواندا ويوغوسلافيا السابقة.
وكان لا بد من دور أممي في اليمن بموجب قرار مجلس الأمن الدولي 2216 لمنع الانقلابيين من تدمير البلاد، وتسهيل وصول مؤن الإغاثة والأدوية للمتضررين من فظائع الحوثي. وعلى رغم تقاعس المنظمة في القيام بدور جاد في الدفع بالتسوية السلمية بين اليمنيين، وهو فراغ ملأته دول التحالف العربي بقيادة السعودية؛ فإن الأمم المتحدة كثفت نشاطها في اليمن، خشية أن تطالها الانتقادات التي ظلت تطاردها بشأن البوسنة ورواندا والعراق وسورية.
ولكن هل التزمت مدونة سلوكها المهني والأخلاقي في اليمن؟
سؤال ليس له رد إيجابي! فقد ظل التحالف العربي لاسترداد الشرعية في اليمن ينتقد مرةً تلو الأخرى تحامل الموظفين الأمميين والمنظمات الحقوقية التي تتعاون معهم لمصلحة ميليشيات الحوثي. وبلغ الأمر أن مكتباً تابعاً للأمين العام أدرج التحالف في قائمته السوداء بشأن التعامل مع الأطفال في مناطق النزاعات، وهو تصرف غير مبرر. واضطرت المنظمة الأممية إلى سحب إدراج التحالف تحت وطأة التنديد العربي والغربي بقرارها غير المسؤول. وها هي تستأجر فريق خبراء بتكليف من مجلس حقوق الإنسان ليعد تقريرها بشأن حقوق الإنسان في اليمن في 2018.
وفهم مسؤولو المجلس (مقره جنيف) أن الحياد يعني توجيه اتهامات الانتهاكات بالمناصفة بين التحالف الذي يقوم بمهامه وقوى الشر الحوثية التي تقودها إيران. وتم ذلك دون أن يضع الخبراء أقدامهم على الأرض لمقابلة المتضررين، ومعاينة مسارح الهجمات، بل دون الاتصال بالتحالف ليرد على ما تمت بلورته من اتهامات وفبركات.
ويبدو أن الأمم المتحدة ليست «قلقة» فقط، بل تتجه لـ «السقوط»؛ إذ تعمل أجهزتها كجزر معزولة. ففي حين تربط التحالف علاقة دبلوماسية وعملية ممتازة مع مجلس الأمن الدولي، ومكتب الأمين العام، ووكالات الأمم المتحدة المعنية بالإغاثة وإعادة النازحين؛ فإن مجلس حقوق الإنسان اختار أن تكون علاقته بهذا الطرف المهم في الأزمة اليمنية من خلال خبراء في حقوق الإنسان، يعملون لحسابهم أو في منظمات حقوقية ليست ملزمة باتباع المعايير الأخلاقية والمهنية التي يتطلبها عمل المنظمة الأممية.
وكانت نتيجة ذلك كله المساواة في الحكم على الحوثي والتحالف، وتجاهل الدور الإيراني الرذيل في اليمن. وتم تجميل التقرير بنداء للمجتمع الدولي بوقف تدفق الأسلحة على اليمن، ليصمت التقرير صمتاً مطبقاً على المصدر والمُصدِّر الأساسي للسلاح للعصابات الإرهابية الحوثية: إيران. وتم تجاهل الإجراءات المعيارية التي يتخذها التحالف في تنفيذ قواعد الاشتباك، ومراعاة حماية المدنيين، وضوابطه بشأن تأهيل وإعادة الأطفال ضحايا التجنيد الحوثي، وما تقوم به السعودية والإمارات من جهود في الإغاثة الإنسانية، ومساعٍ لإعادة الإعمار.
ومن الملاحظات المثيرة للتعجب والاستنكار في آنٍ معاً أن الأمم المتحدة تتدخل بقوة كلما بدا أن التحالف وشركاءه اليمنيين أضحوا قاب قوسين أو أدنى من حسم قضايا مفتاحية، تحرير ميناء الحديدة وتسليمه للأمم المتحدة، فك الحصار عن تعز. ولم تتحرك الأمم المتحدة بوكالاتها العاملة في المنطقة للتنديد بالصواريخ الباليستية التي يطلقها الحوثيون والإيرانيون وخبراء «حزب الله» الإرهابي على الأراضي السعودية (باستثناء بيانات مجلس الأمن الذي يساند أعضاؤه الكبار جهود التحالف).
الأكيد أنه لا بد أن يفيق مسؤولو «قصر الأمم» في جنيف على ضرورة التقصي حول كيفية إعداد تقارير تلتزم معايير عمل وكالات الأمم المتحدة، وعدم التأثر بالحملات الإعلامية والفبركات التي يطلقها الحوثيون، ويبثها أزلام إيران من خلال الفضائيات وشبكات التواصل الاجتماعي. وسيعرفون إلى أي مدى لم يتصرفوا بالدقة والرصانة التي ينبغي أن تكون ديدن العاملين في هذه المنظمة التي ينبغي أن تبقى محايدة في كل النزاعات؛ لتستطيع التواصل مع جميع أطراف الأزمات، ولتتمكن من تحقيق أهدافها في فض النزاعات، ووقف الحروب، والوصول إلى المتضررين من الحروب والكوارث.
وكان لا بد من دور أممي في اليمن بموجب قرار مجلس الأمن الدولي 2216 لمنع الانقلابيين من تدمير البلاد، وتسهيل وصول مؤن الإغاثة والأدوية للمتضررين من فظائع الحوثي. وعلى رغم تقاعس المنظمة في القيام بدور جاد في الدفع بالتسوية السلمية بين اليمنيين، وهو فراغ ملأته دول التحالف العربي بقيادة السعودية؛ فإن الأمم المتحدة كثفت نشاطها في اليمن، خشية أن تطالها الانتقادات التي ظلت تطاردها بشأن البوسنة ورواندا والعراق وسورية.
ولكن هل التزمت مدونة سلوكها المهني والأخلاقي في اليمن؟
سؤال ليس له رد إيجابي! فقد ظل التحالف العربي لاسترداد الشرعية في اليمن ينتقد مرةً تلو الأخرى تحامل الموظفين الأمميين والمنظمات الحقوقية التي تتعاون معهم لمصلحة ميليشيات الحوثي. وبلغ الأمر أن مكتباً تابعاً للأمين العام أدرج التحالف في قائمته السوداء بشأن التعامل مع الأطفال في مناطق النزاعات، وهو تصرف غير مبرر. واضطرت المنظمة الأممية إلى سحب إدراج التحالف تحت وطأة التنديد العربي والغربي بقرارها غير المسؤول. وها هي تستأجر فريق خبراء بتكليف من مجلس حقوق الإنسان ليعد تقريرها بشأن حقوق الإنسان في اليمن في 2018.
وفهم مسؤولو المجلس (مقره جنيف) أن الحياد يعني توجيه اتهامات الانتهاكات بالمناصفة بين التحالف الذي يقوم بمهامه وقوى الشر الحوثية التي تقودها إيران. وتم ذلك دون أن يضع الخبراء أقدامهم على الأرض لمقابلة المتضررين، ومعاينة مسارح الهجمات، بل دون الاتصال بالتحالف ليرد على ما تمت بلورته من اتهامات وفبركات.
ويبدو أن الأمم المتحدة ليست «قلقة» فقط، بل تتجه لـ «السقوط»؛ إذ تعمل أجهزتها كجزر معزولة. ففي حين تربط التحالف علاقة دبلوماسية وعملية ممتازة مع مجلس الأمن الدولي، ومكتب الأمين العام، ووكالات الأمم المتحدة المعنية بالإغاثة وإعادة النازحين؛ فإن مجلس حقوق الإنسان اختار أن تكون علاقته بهذا الطرف المهم في الأزمة اليمنية من خلال خبراء في حقوق الإنسان، يعملون لحسابهم أو في منظمات حقوقية ليست ملزمة باتباع المعايير الأخلاقية والمهنية التي يتطلبها عمل المنظمة الأممية.
وكانت نتيجة ذلك كله المساواة في الحكم على الحوثي والتحالف، وتجاهل الدور الإيراني الرذيل في اليمن. وتم تجميل التقرير بنداء للمجتمع الدولي بوقف تدفق الأسلحة على اليمن، ليصمت التقرير صمتاً مطبقاً على المصدر والمُصدِّر الأساسي للسلاح للعصابات الإرهابية الحوثية: إيران. وتم تجاهل الإجراءات المعيارية التي يتخذها التحالف في تنفيذ قواعد الاشتباك، ومراعاة حماية المدنيين، وضوابطه بشأن تأهيل وإعادة الأطفال ضحايا التجنيد الحوثي، وما تقوم به السعودية والإمارات من جهود في الإغاثة الإنسانية، ومساعٍ لإعادة الإعمار.
ومن الملاحظات المثيرة للتعجب والاستنكار في آنٍ معاً أن الأمم المتحدة تتدخل بقوة كلما بدا أن التحالف وشركاءه اليمنيين أضحوا قاب قوسين أو أدنى من حسم قضايا مفتاحية، تحرير ميناء الحديدة وتسليمه للأمم المتحدة، فك الحصار عن تعز. ولم تتحرك الأمم المتحدة بوكالاتها العاملة في المنطقة للتنديد بالصواريخ الباليستية التي يطلقها الحوثيون والإيرانيون وخبراء «حزب الله» الإرهابي على الأراضي السعودية (باستثناء بيانات مجلس الأمن الذي يساند أعضاؤه الكبار جهود التحالف).
الأكيد أنه لا بد أن يفيق مسؤولو «قصر الأمم» في جنيف على ضرورة التقصي حول كيفية إعداد تقارير تلتزم معايير عمل وكالات الأمم المتحدة، وعدم التأثر بالحملات الإعلامية والفبركات التي يطلقها الحوثيون، ويبثها أزلام إيران من خلال الفضائيات وشبكات التواصل الاجتماعي. وسيعرفون إلى أي مدى لم يتصرفوا بالدقة والرصانة التي ينبغي أن تكون ديدن العاملين في هذه المنظمة التي ينبغي أن تبقى محايدة في كل النزاعات؛ لتستطيع التواصل مع جميع أطراف الأزمات، ولتتمكن من تحقيق أهدافها في فض النزاعات، ووقف الحروب، والوصول إلى المتضررين من الحروب والكوارث.