جعله الله عام خير وبركة على بلادنا الغالية وأدام علينا نعمة الأمن والأمان والعافية، ونحمد الله أن امتن علينا بمواسم للطاعات وجعلها للمسلمين مواسم خير وبركة ومسرات، فالمسلم في سيره إلى خالقه بين عبادة وطاعة يدور عليها ليصل بها إلى دار السعادة والخلود. ومع هذه الصورة المشرقة لماهية القربات والعبادات الموصلة إلى الذات العلية في سموها المطلق، يتزيد البعض فيها بغير سابق معرفة أو اهتداء بسنة ثابتة.
تبدأ سنة المسلمين حسب التقويم المعتمد من السنة التي هاجر فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة الكرمة إلى المدينة المنورة، والتاريخ الهجري يعتمد أساسا على دورة القمر التي تقابل الدورة الشمسية، لذا فإن العام الهجري أقل من العام الميلادي بأحد عشر يوما، وخلال العام الهجري هناك العديد من المناسبات مثل شهر رمضان وعيد الفطر والحج وعيد الأضحى، ولا تأتي هذه المناسبات في نفس موسمها من كل عام إلا كل ثلاثة وثلاثين مرة، حيث تكمل الدورة القمرية، لذا فقد يأتي رمضان في موسم الصيف والشتاء، وكذلك الحج. وفي شهر محرم يستقبل الناس يوم عاشوراء بالصيام اعتمادا على حديث ورد في صحيح البخاري 37/3 عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم المدينة فرأى اليهود يصومون يوم عاشوراء، فقال: ما هذا؟ فقالت اليهود إن هذا يوم نجي فيه بني إسرائيل من عدوهم فرعون فصامه موسى، فقال عليه الصلاة والسلام أنا أولى بموسى وأحق بصيامه منكم وأمر الناس بصيامه، هذه خلاصة ما يستند عليه عامة الناس في مشروعية هذا الصيام، مع أن الأصل في العبادات كلها الوقف بمعنى عدم القيام بهذه العبادة ما لم يكن لها أصل في الشرع، استنادًا إلى قوله تعالى: (أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله)، فهل ثمّة تشريع من عند الله سبحانه وتعالى في هذا الصيام؟ يقولون إن الرسول قدم المدينة ورأى اليهود يصومون هذا اليوم فصامه وأمر المسلمين بصيامه، فهل يقتدي الرسول عليه الصلاة والسلام باليهود والنصارى أو بأي أحدٍ من الناس كائنًا من كان في العبادة؟ فإن في هذا القول تصادما واضحا وصريحا مع المتواتر عنه عليه الصلاة والسلام أنه لا تشريع إلا من عند الله، وهو أيضًا في تعارض مع المشهور عنه عليه الصلاة والسلام في مخالفة اليهود والنصارى كما قال: (خالفوا اليهود وصلوا في نعالكم) كما جاء في الدر المنثور (439/3) عن أنس فالأصل على هذا المبدأ أنه ينهي الناس عن صيام عاشوراء لمخالفة اليهود لا أن يأمرهم بتقليدهم كما أن قولهم إن الرسول عليه الصلاة والسلام قدم المدينة ورأى اليهود يصومون يوم عاشوراء، فيه إشكال كبير كما ذكره ابن حجر في الفتح (694/7)، ذلك لأن الرسول عليه الصلاة والسلام قدم المدينة في ربيع الأول، فكيف رآهم يصومون عاشوراء؟ وإن لم يكن يعلم بصيامهم إلا في السنة الثانية من الهجرة فلا يكون ثمة مجال للمسلمين بصيامه إلا في السنة الثالثة وهذا الاحتمال لا يستقيم على حال لأن صيام رمضان قد فرض في السنة الثانية من الهجرة وبإيجاب رمضان سقط صيام عاشوراء من الوجوب وحتى الندب والاستحباب كما ذكره ابن حجر في الفتح (771/4).
فهذه التناقضات توجب إيقاف العمل بهذا الحديث، ولقد جاء العتاب لمزيد من التناقضات في سنن الترمذي (748) من حديث عائشة أنها كانت تصوم عاشوراء في الجاهلية وكان الرسول عليه الصلاة والسلام يصوم معهم، فهل يشترى أحد من الناس القول بأن الرسول كان قبل البعثة يقتدي بالمشركين وعبدة الأوثان في أيّ عبادة من العبادات، فالمتواتر عنه الاعتزال التام المطلق عن كل طقوس وعبادات المشركين، والتحنث في غار حراء. ثم هب جدلاً أنه كان يصومه مع المشركين ويعرف حيثياته وهو نجاة بني اسرائيل من فرعون، فهل يستساغ القول بأنه عليه الصلاة والسلام حينما قدم إلى المدينة يسأل اليهود عن صيام هذا اليوم؟ مع أن المشركين في مكة والرسول عليه السلام لم يكن لديه ولا لدى قريش أي أخبار تفصيلية عن موسى ولا عيسى ولا أحد من الأمم السابقة كما قال تعالى: (وما كُنت بجانب الغربيّ إذ قضينا إلى موسى الأمر وما كُنت من الشاهدين). وجاء في كنز العمال (1/1714) أن هذا اليوم موضع البحث ليس في العاشر من كل عام بل هو التاسع كما نقله عن ابن عباس قوله: إذا رأيت هلال المحرم فاعدد وأجمع يوم التاسع صائمًا، وفي هذا المزيد من الاضطرابات، بل ذكر ابن حجر في فتح الباري (771/4) أن أهل المدينة لم يكونوا يصومون هذا اليوم. وذكر البيطار أن معاوية حينما قدم في الحج وقوله لهم: (أين علماؤكم؟) وبلغه أن الناس في المدينة يكرهون صيام هذا اليوم، بل نقل ابن حجر (771/4) عن البيروتي عن زيد بن ثابت قوله ليس يوم عاشوراء باليوم الذي يقوله الناس، إنما كان يوم تستر فيه قريش الكعبة، وكانوا يصومون ذلك اليوم، وهو يختلف من عام لآخر في الحساب للأهلة الشمسية، وكانت قريش يأتون إلى فلان اليهودي في المدينة ليحسب لهم ذلك اليوم، وكانت اليهود تسير في حساباتهم وأعيادهم بالسنة الشمسية، فالشاهد أن التضارب في الأقوال واضطراب الأحاديث في هذا الموضوع يوجب إيقاف العمل به كما هو معروف في علم مصطلح الحديث، فالعبادة ليست بالهوى والتشهي وإنما هي بالإتباع لشرع الله وسنة نبيه، قضى ديننا الإسلامي أن المسلم إذا اجتهد وأصاب كان له أجران وإن أخطأ فله أجر، فلكل مجتهد نصيب ودائما المصيب في الواقع واحد ولكن المخطئ غير متعين وهو غير آثم بل له أجر بإذن الله، الصيام في سبيل الله أجره عظيم وهو يباعد العبد عن النار ولكن لا نربط صيامنا بمناسبات بعينها.
* كاتب سعودي
تبدأ سنة المسلمين حسب التقويم المعتمد من السنة التي هاجر فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة الكرمة إلى المدينة المنورة، والتاريخ الهجري يعتمد أساسا على دورة القمر التي تقابل الدورة الشمسية، لذا فإن العام الهجري أقل من العام الميلادي بأحد عشر يوما، وخلال العام الهجري هناك العديد من المناسبات مثل شهر رمضان وعيد الفطر والحج وعيد الأضحى، ولا تأتي هذه المناسبات في نفس موسمها من كل عام إلا كل ثلاثة وثلاثين مرة، حيث تكمل الدورة القمرية، لذا فقد يأتي رمضان في موسم الصيف والشتاء، وكذلك الحج. وفي شهر محرم يستقبل الناس يوم عاشوراء بالصيام اعتمادا على حديث ورد في صحيح البخاري 37/3 عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم المدينة فرأى اليهود يصومون يوم عاشوراء، فقال: ما هذا؟ فقالت اليهود إن هذا يوم نجي فيه بني إسرائيل من عدوهم فرعون فصامه موسى، فقال عليه الصلاة والسلام أنا أولى بموسى وأحق بصيامه منكم وأمر الناس بصيامه، هذه خلاصة ما يستند عليه عامة الناس في مشروعية هذا الصيام، مع أن الأصل في العبادات كلها الوقف بمعنى عدم القيام بهذه العبادة ما لم يكن لها أصل في الشرع، استنادًا إلى قوله تعالى: (أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله)، فهل ثمّة تشريع من عند الله سبحانه وتعالى في هذا الصيام؟ يقولون إن الرسول قدم المدينة ورأى اليهود يصومون هذا اليوم فصامه وأمر المسلمين بصيامه، فهل يقتدي الرسول عليه الصلاة والسلام باليهود والنصارى أو بأي أحدٍ من الناس كائنًا من كان في العبادة؟ فإن في هذا القول تصادما واضحا وصريحا مع المتواتر عنه عليه الصلاة والسلام أنه لا تشريع إلا من عند الله، وهو أيضًا في تعارض مع المشهور عنه عليه الصلاة والسلام في مخالفة اليهود والنصارى كما قال: (خالفوا اليهود وصلوا في نعالكم) كما جاء في الدر المنثور (439/3) عن أنس فالأصل على هذا المبدأ أنه ينهي الناس عن صيام عاشوراء لمخالفة اليهود لا أن يأمرهم بتقليدهم كما أن قولهم إن الرسول عليه الصلاة والسلام قدم المدينة ورأى اليهود يصومون يوم عاشوراء، فيه إشكال كبير كما ذكره ابن حجر في الفتح (694/7)، ذلك لأن الرسول عليه الصلاة والسلام قدم المدينة في ربيع الأول، فكيف رآهم يصومون عاشوراء؟ وإن لم يكن يعلم بصيامهم إلا في السنة الثانية من الهجرة فلا يكون ثمة مجال للمسلمين بصيامه إلا في السنة الثالثة وهذا الاحتمال لا يستقيم على حال لأن صيام رمضان قد فرض في السنة الثانية من الهجرة وبإيجاب رمضان سقط صيام عاشوراء من الوجوب وحتى الندب والاستحباب كما ذكره ابن حجر في الفتح (771/4).
فهذه التناقضات توجب إيقاف العمل بهذا الحديث، ولقد جاء العتاب لمزيد من التناقضات في سنن الترمذي (748) من حديث عائشة أنها كانت تصوم عاشوراء في الجاهلية وكان الرسول عليه الصلاة والسلام يصوم معهم، فهل يشترى أحد من الناس القول بأن الرسول كان قبل البعثة يقتدي بالمشركين وعبدة الأوثان في أيّ عبادة من العبادات، فالمتواتر عنه الاعتزال التام المطلق عن كل طقوس وعبادات المشركين، والتحنث في غار حراء. ثم هب جدلاً أنه كان يصومه مع المشركين ويعرف حيثياته وهو نجاة بني اسرائيل من فرعون، فهل يستساغ القول بأنه عليه الصلاة والسلام حينما قدم إلى المدينة يسأل اليهود عن صيام هذا اليوم؟ مع أن المشركين في مكة والرسول عليه السلام لم يكن لديه ولا لدى قريش أي أخبار تفصيلية عن موسى ولا عيسى ولا أحد من الأمم السابقة كما قال تعالى: (وما كُنت بجانب الغربيّ إذ قضينا إلى موسى الأمر وما كُنت من الشاهدين). وجاء في كنز العمال (1/1714) أن هذا اليوم موضع البحث ليس في العاشر من كل عام بل هو التاسع كما نقله عن ابن عباس قوله: إذا رأيت هلال المحرم فاعدد وأجمع يوم التاسع صائمًا، وفي هذا المزيد من الاضطرابات، بل ذكر ابن حجر في فتح الباري (771/4) أن أهل المدينة لم يكونوا يصومون هذا اليوم. وذكر البيطار أن معاوية حينما قدم في الحج وقوله لهم: (أين علماؤكم؟) وبلغه أن الناس في المدينة يكرهون صيام هذا اليوم، بل نقل ابن حجر (771/4) عن البيروتي عن زيد بن ثابت قوله ليس يوم عاشوراء باليوم الذي يقوله الناس، إنما كان يوم تستر فيه قريش الكعبة، وكانوا يصومون ذلك اليوم، وهو يختلف من عام لآخر في الحساب للأهلة الشمسية، وكانت قريش يأتون إلى فلان اليهودي في المدينة ليحسب لهم ذلك اليوم، وكانت اليهود تسير في حساباتهم وأعيادهم بالسنة الشمسية، فالشاهد أن التضارب في الأقوال واضطراب الأحاديث في هذا الموضوع يوجب إيقاف العمل به كما هو معروف في علم مصطلح الحديث، فالعبادة ليست بالهوى والتشهي وإنما هي بالإتباع لشرع الله وسنة نبيه، قضى ديننا الإسلامي أن المسلم إذا اجتهد وأصاب كان له أجران وإن أخطأ فله أجر، فلكل مجتهد نصيب ودائما المصيب في الواقع واحد ولكن المخطئ غير متعين وهو غير آثم بل له أجر بإذن الله، الصيام في سبيل الله أجره عظيم وهو يباعد العبد عن النار ولكن لا نربط صيامنا بمناسبات بعينها.
* كاتب سعودي