بعد الأضواء الكبيرة التي كانت تحيط بها، وبعد المانشتات العريضة، والتحقيقات الصحفية والمقالات الشهيرة، التي كانت تستقي منها كافة المسلسلات المحلية وعلى رأسها طاش ما طاش أفكار حلقاتها المثيرة، وبعد الجماهير الغفيرة، وأعداد النسخ الوفيرة التي ما إن يضعها الموزعون في البقالات ومنافذ البيع حتى تنفد بالكامل، وبعد العقود الدعائية المجزية التي كانت تضطرها لزيادة صفحاتها إلى 52 صفحة، ها هي اليوم الصحافة الورقية أو (صاحبــة الجلالــة) كما يحلو للكثيرين تسميتها، تعيش أسوأ مراحل حياتها المهنية، مما اضطرها للابتعاد عن الأضواء، واختيار العزلــة، تاركة لمعجبيها أكثر من علامة استفهام وتعجب حول مصيرها الغامض!
الجريدة: تشبه إلى حد كبير (الأم) التي ضحت بحياتها الخاصة من أجل تربية أبنائها (الصحف والمواقع الإلكترونية) حتى كبروا ووقفوا على أرجلهم، لكنهم بدلاً من رد الجميل تنكروا لها، وطالبوها بترك (مهنة المتاعب) والعيش في دار المسنين!
ليست الأوضاع الاقتصادية وحدها ولا عزوف الناس عن قراءة الجرائد وراء تراجع الدخل بهذا الشكل المخيف للمؤسسات الصحفية، وإنما السبب الحقيقي هو ما ذكرته بالندوة التي ألقيتها قبل سنتين في معرض الكتاب بجدة، والمتمثل بالثغرة الكبيرة في نظام حماية حقوق المؤلف، والتي تسمح للغير بإعادة نشر أخبار ومقالات الجريدة والاكتفاء بالإشارة للمصدر والكاتب، الأمر الذي مهد الطريق لسرقة مجهودات تلك المؤسسات العريقة التي تدفع الملايين لجلب أفضل الكتاب والمحررين والمراسلين، في حين تكتفي المواقع الإلكترونيــة المتسلقة باستئجار شقة وتوظيف مسؤول IT وفني صف وإعادة نشر الخبر بعنوان مثير وتنشيط التعليقات المصطنعة!
ومما زاد من تردي حالة الجرائد، قيود الحرية التي يفرضها نظام المطبوعات والنشر خاصة المادة 9، فالخبر العاجل الذي نقرأه مساء بالأسماء والصور، نتابع تفاصيله صباحاً في الجريدة على هيئة لغز محير: رجل ما، يعمل بجهة ما، قام باختلاس مناقصة ما!؟ ليس هذا فقط، بل إن النظام يسمح لهذا المتهم (والذي لم يشر الخبر لاسمه ولا لرموزه) أن يقاضي الصحيفة بعد عدة سنوات (حيث لا توجد فترة تقادم) ويكفيه الادعاء بأن الجريدة شهرت به على الأقل أمام أهله ومعارفه المطلعين على أحداث القضية، وبغض النظر عما إذا كان قد أدين أو لا، فإنه غالباً ما يفرض على الجرائد غرامات وتعويضات ضاعفت كثيراً من خسائرها!
هذه الجرائد التي لا تتوانى عن الوقوف على خط النار والذود بأقلامها دفاعاً عن بلادنا؛ كما لمسنا ذلك مع قضية قطر وقبلها قانون (جاستا) وما بينها مؤامرات إيران وتقارير مبعوث الأمم المتحدة التي يعرب فيها عن قلقه الغريب تجاه مواقفنا السياسية المشروعة، ألا تستحق هذه الجرائد الوطنية أن تدعمها وزارة الإعلام مادياً في هذه المرحلة الحرجة، خصوصا أنها لا تزال تحتفظ بمهنيتها العالية، لكن شح الإعلانات والموارد جعلها تبدو أخيراً فاقدة لشهيتها ووزنها الذي لا يتجاوز (20 صفحة)، ما أجبرها على التخلي عن أساورها وكمالياتها من العاملين لديها، نعم: يجب الإسراع بالدعم، قبل أن نصطدم بخبر (رحيل صاحبة الجلالة) عن إعلامنا ثم نتسابق على كتابة التأبين والرثاء عليها!
الجريدة: تشبه إلى حد كبير (الأم) التي ضحت بحياتها الخاصة من أجل تربية أبنائها (الصحف والمواقع الإلكترونية) حتى كبروا ووقفوا على أرجلهم، لكنهم بدلاً من رد الجميل تنكروا لها، وطالبوها بترك (مهنة المتاعب) والعيش في دار المسنين!
ليست الأوضاع الاقتصادية وحدها ولا عزوف الناس عن قراءة الجرائد وراء تراجع الدخل بهذا الشكل المخيف للمؤسسات الصحفية، وإنما السبب الحقيقي هو ما ذكرته بالندوة التي ألقيتها قبل سنتين في معرض الكتاب بجدة، والمتمثل بالثغرة الكبيرة في نظام حماية حقوق المؤلف، والتي تسمح للغير بإعادة نشر أخبار ومقالات الجريدة والاكتفاء بالإشارة للمصدر والكاتب، الأمر الذي مهد الطريق لسرقة مجهودات تلك المؤسسات العريقة التي تدفع الملايين لجلب أفضل الكتاب والمحررين والمراسلين، في حين تكتفي المواقع الإلكترونيــة المتسلقة باستئجار شقة وتوظيف مسؤول IT وفني صف وإعادة نشر الخبر بعنوان مثير وتنشيط التعليقات المصطنعة!
ومما زاد من تردي حالة الجرائد، قيود الحرية التي يفرضها نظام المطبوعات والنشر خاصة المادة 9، فالخبر العاجل الذي نقرأه مساء بالأسماء والصور، نتابع تفاصيله صباحاً في الجريدة على هيئة لغز محير: رجل ما، يعمل بجهة ما، قام باختلاس مناقصة ما!؟ ليس هذا فقط، بل إن النظام يسمح لهذا المتهم (والذي لم يشر الخبر لاسمه ولا لرموزه) أن يقاضي الصحيفة بعد عدة سنوات (حيث لا توجد فترة تقادم) ويكفيه الادعاء بأن الجريدة شهرت به على الأقل أمام أهله ومعارفه المطلعين على أحداث القضية، وبغض النظر عما إذا كان قد أدين أو لا، فإنه غالباً ما يفرض على الجرائد غرامات وتعويضات ضاعفت كثيراً من خسائرها!
هذه الجرائد التي لا تتوانى عن الوقوف على خط النار والذود بأقلامها دفاعاً عن بلادنا؛ كما لمسنا ذلك مع قضية قطر وقبلها قانون (جاستا) وما بينها مؤامرات إيران وتقارير مبعوث الأمم المتحدة التي يعرب فيها عن قلقه الغريب تجاه مواقفنا السياسية المشروعة، ألا تستحق هذه الجرائد الوطنية أن تدعمها وزارة الإعلام مادياً في هذه المرحلة الحرجة، خصوصا أنها لا تزال تحتفظ بمهنيتها العالية، لكن شح الإعلانات والموارد جعلها تبدو أخيراً فاقدة لشهيتها ووزنها الذي لا يتجاوز (20 صفحة)، ما أجبرها على التخلي عن أساورها وكمالياتها من العاملين لديها، نعم: يجب الإسراع بالدعم، قبل أن نصطدم بخبر (رحيل صاحبة الجلالة) عن إعلامنا ثم نتسابق على كتابة التأبين والرثاء عليها!