على امتداد الأيام الماضية بلغت الدبلوماسية السعودية ذروة نشاطها، من زيارة مهمة للأمير محمد بن سلمان إلى الكويت، وتأتي هذه ضمن دوائر السياسة والاهتمام السعودي الذي يبدأ خليجيا في إطار بناء علاقات الأخوة والتعاون والتنسيق المستمر بين الأشقاء في مجلس التعاون الخليجي. أما الدائرة الأخرى الأوسع فهي الدائرة العربية، حيث كانت ولا تزال وستبقى المملكة السند لكل القضايا العربية وفي القلب منها القضية الفلسطينية، سواء كان دعما مباشرا أو عبر المحافل الدولية. ثم استضافة المملكة لزعيمي إثيوبيا وإريتريا وتحقيق مصالحة لطالما أرقت منطقة القرن الأفريقي برمتها. وأخيرا كانت المشاركة الفعالة لوفد المملكة العربية السعودية في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة. في حديث معالي الوزير عادل الجبير لوسائل الإعلام كان شديد الوضوح في ما يتعلق بسياسة المملكة الخارجية وخصوصا في الملفات الرئيسية، ولعل الملف الذي كان يتم استغلاله من قبل الدول المعادية للمملكة لممارسة البروبرغندا الإعلامية هو الملف اليمني، فقد أشار الجبير إلى أن المملكة لا يمكن أن تفرط في أمنها القومي ولا يمكن أن تسمح لإيران عبر منظمة إرهابية هي جماعة الحوثي السيطرة على ممر من أهم طرق الملاحة البحرية ولن يكون اليمن منصة لنفوذ إيراني في خاصرة شبه الجزيرة العربية وتهديدا للأمن القومي العربي.
ولكن اللافت للنظر كان اللقاء الذي جرى على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة بين الوزير الجبير ووزير الخارجية الألماني هايكو ماس، وذلك بُعيد صدور بيان عن وزارة الخارجية الألمانية وتصريحات للوزير تشير إلى رغبة ألمانية في تجاوز المرحلة السابقة وأسفها لسوء التفاهم الذي نشأ بين الطرفين. من جهته عبر وزير الخارجية السعودي الأستاذ عادل الجبير عن عمق العلاقات بين البلدين الصديقين، كما دعا وزير الخارجية الألماني لزيارة الرياض في أقرب فترة ممكنة. مما لا شك فيه أن الدولتين تدركان أهمية بعضهما البعض، وخصوصا من الجانب الألماني، ألمانيا بحاجة إلى علاقات اقتصادية متميزة مع المملكة العربية السعودية، خصوصا مع تدهور العلاقات مع الحليف الأمريكي، وأيضا الإصلاحات الكبيرة التي طالت الفلسفة الاقتصادية السعودية خلال الفترة الماضية. ومشروع رؤية 2030، والذي يعد بمجالات واسعة للاستثمار، وهذا بالتأكيد يغري برلين باعتبارها القوة الاقتصادية الأكبر على صعيد القارة الأوروبية. لكن الأمر لا يتوقف على العوامل الاقتصادية ولكن يتجاوز ذلك إلى دور سياسي وإستراتيجي.
المملكة العربية السعودية هي قلب العالم العربي والإسلامي وهي مهوى أفئدة مليار ونصف المليار مسلم. لديها قوة ناعمة هائلة، ومهما حاول الخصوم أن يؤثروا في هذه القوة أو يشوهوها فإنها هبة الله، لذلك فإن من يعزل نفسه عن المملكة العربية السعودية فإنه يعزل نفسه عن مجمل قضايا المنطقة، وخصوصا في هذه الفترة حتى تتعقد الأزمات في منطقة الشرق الأوسط برمتها. من إيران وملفها النووي شرقا إلى ليبيا وصراعها المستمر، مرورا بالوضع الهش في العراق ووجود تنظيمات إرهابية، إلى حالة ضبابية تلف المشهد السوري، إلى صراع مسلح ضد ميليشيات الحوثي الإرهابية، كل هذه القضايا لا يستطيع أي طرف أن يؤثر فيها دون المرور بالرياض. وبالتالي وجدت ألمانيا خلال الشهور الماضية بأنها أقصيت عن مجمل تلك القضايا. إلا أن الأهم من ذلك هو ترسيخ المملكة العربية السعودية مبدأ كان يفترض أن يكون أساسا للعلاقات الدولية برمتها، وهذا ما تم الاتفاق عليه منذ تأسيس عصبة الأمم، ألا وهو عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى. الدولة الحديثة في توصيفاتها هي قطعة أرض لها حدود معترف بها، وتحكمها سلطة وحكومة هي تعبير عن شعبها، وهذه الحكومة وهذه السلطة هي التي تمتلك السيادة على أراضيها. ومن هنا مبدأ السيادة هو مبدأ قار في المعاهدات الدولية وفي المواثيق المؤسسة للأمم المتحدة. وعندما تجاوزت ألمانيا هذا المبدأ فإنها تجاوزت مبدأ أساسيا من مبدأ العلاقات الدولية وخصوصا لدى المملكة العربية السعودية. وسواء ألمانيا أو كندا لم يكونا يهدفان إلى توجيه النصح أو الحرص على مبادئ يزعمانها ولكن التصريحات من خلال وسائل الإعلام الهدف منها هو الإساءة قبل أي شيء آخر. ذهبت حكومة ألمانية وجاءت أخرى وتغيرت الموازين في برلين، ومن هنا أدركت الطبقة السياسية أن تصرفاتها الخرقاء وتصريحاتها غير المسؤولة لم تؤد إلى شيء سوى دخول ألمانيا في معارك لا طائل منها. أخيرا أدركت الحكومة الألمانية أنها ابتعدت عن جادة الصواب في العلاقة مع المملكة، وأدركت أيضا أنها لا بد أن تعود إلى جادة الصواب وتحترم خصوصية المملكة وسيادتها، وهذا ما يفتح المجال واسعا لعلاقات تعاون بين الطرفين بما يعود بالفائدة على الشعبين الصديقين.
هكذا فعلت ألمانيا ولكن هناك دولة أخرى حاولت التدخل في الشؤون الداخلية للمملكة ونحن نتحدث عن كندا. ومرة أخرى العلاقات بين الطرفين مهمة للغاية، لأن كليهما عضوان في مجموعة العشرين، ولأن التبادل الاقتصادي مهم للطرفين. ولكن التدخل السافر في الشؤون الداخلية وتصريحات غير مسؤولة من مسؤولين كنديين عقد تلك العلاقات، فهل تفعلها كندا وتحذو حذو ألمانيا. بعض المؤشرات تؤكد سعي كندا إلى وساطة بعض الأطراف، ولكن المملكة أوضحت بما لا يدع مجالا للشك أن الطريق لعلاقات قائمة على المصالح والاحترام المتبادل واضح للغاية، ولعل المثال الأوضح هو ما حدث بين برلين والرياض.
* باحث في الفلسفة السياسية، خبير في قضايا الشرق الأوسط
ولكن اللافت للنظر كان اللقاء الذي جرى على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة بين الوزير الجبير ووزير الخارجية الألماني هايكو ماس، وذلك بُعيد صدور بيان عن وزارة الخارجية الألمانية وتصريحات للوزير تشير إلى رغبة ألمانية في تجاوز المرحلة السابقة وأسفها لسوء التفاهم الذي نشأ بين الطرفين. من جهته عبر وزير الخارجية السعودي الأستاذ عادل الجبير عن عمق العلاقات بين البلدين الصديقين، كما دعا وزير الخارجية الألماني لزيارة الرياض في أقرب فترة ممكنة. مما لا شك فيه أن الدولتين تدركان أهمية بعضهما البعض، وخصوصا من الجانب الألماني، ألمانيا بحاجة إلى علاقات اقتصادية متميزة مع المملكة العربية السعودية، خصوصا مع تدهور العلاقات مع الحليف الأمريكي، وأيضا الإصلاحات الكبيرة التي طالت الفلسفة الاقتصادية السعودية خلال الفترة الماضية. ومشروع رؤية 2030، والذي يعد بمجالات واسعة للاستثمار، وهذا بالتأكيد يغري برلين باعتبارها القوة الاقتصادية الأكبر على صعيد القارة الأوروبية. لكن الأمر لا يتوقف على العوامل الاقتصادية ولكن يتجاوز ذلك إلى دور سياسي وإستراتيجي.
المملكة العربية السعودية هي قلب العالم العربي والإسلامي وهي مهوى أفئدة مليار ونصف المليار مسلم. لديها قوة ناعمة هائلة، ومهما حاول الخصوم أن يؤثروا في هذه القوة أو يشوهوها فإنها هبة الله، لذلك فإن من يعزل نفسه عن المملكة العربية السعودية فإنه يعزل نفسه عن مجمل قضايا المنطقة، وخصوصا في هذه الفترة حتى تتعقد الأزمات في منطقة الشرق الأوسط برمتها. من إيران وملفها النووي شرقا إلى ليبيا وصراعها المستمر، مرورا بالوضع الهش في العراق ووجود تنظيمات إرهابية، إلى حالة ضبابية تلف المشهد السوري، إلى صراع مسلح ضد ميليشيات الحوثي الإرهابية، كل هذه القضايا لا يستطيع أي طرف أن يؤثر فيها دون المرور بالرياض. وبالتالي وجدت ألمانيا خلال الشهور الماضية بأنها أقصيت عن مجمل تلك القضايا. إلا أن الأهم من ذلك هو ترسيخ المملكة العربية السعودية مبدأ كان يفترض أن يكون أساسا للعلاقات الدولية برمتها، وهذا ما تم الاتفاق عليه منذ تأسيس عصبة الأمم، ألا وهو عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى. الدولة الحديثة في توصيفاتها هي قطعة أرض لها حدود معترف بها، وتحكمها سلطة وحكومة هي تعبير عن شعبها، وهذه الحكومة وهذه السلطة هي التي تمتلك السيادة على أراضيها. ومن هنا مبدأ السيادة هو مبدأ قار في المعاهدات الدولية وفي المواثيق المؤسسة للأمم المتحدة. وعندما تجاوزت ألمانيا هذا المبدأ فإنها تجاوزت مبدأ أساسيا من مبدأ العلاقات الدولية وخصوصا لدى المملكة العربية السعودية. وسواء ألمانيا أو كندا لم يكونا يهدفان إلى توجيه النصح أو الحرص على مبادئ يزعمانها ولكن التصريحات من خلال وسائل الإعلام الهدف منها هو الإساءة قبل أي شيء آخر. ذهبت حكومة ألمانية وجاءت أخرى وتغيرت الموازين في برلين، ومن هنا أدركت الطبقة السياسية أن تصرفاتها الخرقاء وتصريحاتها غير المسؤولة لم تؤد إلى شيء سوى دخول ألمانيا في معارك لا طائل منها. أخيرا أدركت الحكومة الألمانية أنها ابتعدت عن جادة الصواب في العلاقة مع المملكة، وأدركت أيضا أنها لا بد أن تعود إلى جادة الصواب وتحترم خصوصية المملكة وسيادتها، وهذا ما يفتح المجال واسعا لعلاقات تعاون بين الطرفين بما يعود بالفائدة على الشعبين الصديقين.
هكذا فعلت ألمانيا ولكن هناك دولة أخرى حاولت التدخل في الشؤون الداخلية للمملكة ونحن نتحدث عن كندا. ومرة أخرى العلاقات بين الطرفين مهمة للغاية، لأن كليهما عضوان في مجموعة العشرين، ولأن التبادل الاقتصادي مهم للطرفين. ولكن التدخل السافر في الشؤون الداخلية وتصريحات غير مسؤولة من مسؤولين كنديين عقد تلك العلاقات، فهل تفعلها كندا وتحذو حذو ألمانيا. بعض المؤشرات تؤكد سعي كندا إلى وساطة بعض الأطراف، ولكن المملكة أوضحت بما لا يدع مجالا للشك أن الطريق لعلاقات قائمة على المصالح والاحترام المتبادل واضح للغاية، ولعل المثال الأوضح هو ما حدث بين برلين والرياض.
* باحث في الفلسفة السياسية، خبير في قضايا الشرق الأوسط