لا أدري بأي مسوغ علمي صاغت إدارة التشجير والمنتزهات بوزارة الشؤون البلدية والقروية قرار منع قطع الأشجار أو تقزيمها، فهذا القرار يصادم بعض الأساسيات في علم البستنة، وبخاصة في ما يتصل بعملية التقزيم، التي تستهدف تحفيز النبات لزيادة النمو الخضري، في مواسم بعينها، وبطريقة محددة. إن قطع الأشجار قد يكون ضرورة ملحة أحياناً، أتمنى صادقاً لو راجعت إدارة التشجير قرارها، وأسندت الأمر لأمناء المناطق، كونهم أعلم بمناطقهم، وما تتطلبه من أساسيات تختلف من منطقة لأخرى، فالمملكة قارة بتنوعها واختلافها.
لا أجد شجرة واحدة في وطننا سعيدة بهذا القرار، مثل شجرة الـ«بزروميا» المنتشرة في شوارع جدة وأزقتها قائمة عند كل بيت ومدرسة ومستشفى وفندق وحديقة عامة، فهذا القرار يتيح لها و«يطلق يدها»، لتمارس نموّها السرطاني، وأخشى أن لا تكون «إدارة التشجير»، وهي تصدر قرارها على علم بما أحدثته هذه الشجرة من «فوضى ودمار» منذ أن عبرت أرض الهند إلى بلاد الحرمين الشريفين، في تجارب كان يمارسها الأمناء السابقون على جدة، والبزروميا إحداها لم تأخذ في الحسبان متطلبات استنباتها في غير محاضنها الطبيعية، نظرا لطريقة نموّها التي تحتاج إلى فضاء لا تحتمله المدن، فهي تصلح للبيئة الصحراوية لتثبيت زحف الرمال، أو على ضفاف الأنهار لإيقاف تجريف السواحل، أما دون ذلك، فالنتاج من زراعتها «كارثي»، فهي شجرة سدت منافذ الهواء ومسارب الشمس ومساقط الضوء، موجهاً الدعوة صادقاً لـ«إدارة التشجير» لتقف على حجم الدمار الذي تحدثه هذه الشجرة من الجذور في باطن الأرض، إلى الأوراق والثمار في الفضاء، فجذورها لا تعرف الكوابح، ولا فرق عندها بين خزانات المياه الأرضية، وبيارات الصرف الصحي، وحمامات السباحة، وأرصفة الطرق، وطبقات الأسفلت، ومواسير المياه، تخترق كل ما يقف في طريق تمددها بشكل وحشي وعدواني، حتى أنها وصلت إلى حمامات الأدوار العليا من المنازل، صانعة في نفس الوقت شبكة من ألياف أرضية، تغطي معظم مدينة جدة، ولا تستثني في ذلك مُلكاً عاماً من ضيعة خاصة..
أما على السطح فالواقع أكثر فداحة، أغصانها تتمدد بلا حسيب، ولا تخشى مقص «المشذب»، أفرعها تقتحم الفضاء، ولا تعترف بوجود أعمدة الإنارة، التي عانقتها بأغصانها والتفت حولها فكسرت فوانيسها وميلت أعناقها فأصبحت الشوارع مظلمة والأحياء قاتمة وفوق ذلك أصبحت مسكناً آمناً للغربان في نعيقها المستمر..
ولم تكتف الـ«بزروميا» بالتلوث النظري بل تعدته إلى التلوث البيئي، فثمارها تأخذ طريقها إلى الأرض.. كرات في حجم حبات النبق، كريهة الرائحة، يجتمع حولها الذباب والناموس وهوام الأرض، تحيل خضرة الشجرة إلى لون بني داكن يصدّر الكآبة وسوء المنظر، تختلط مع أوراقها المتساقطة مشكلة فرصة للتعفن، بما يزكم الأنوف، ويستثيرها للعطاس والحساسية المفرطة ويحفز الخلايا السرطانية.. إضافة إلى أنها حاضنة لكثير من الأمراض والجراثيم، شجرة لا تهدأ أوراقها فهي ترمي بنفسها على الأرض باستمرار تختلط بالبذور الساقطة تسفع بها الرياح من مكان إلى مكان، تملأ الشوارع أوساخاً وتندس تحت السيارات الواقفة وحنايا الأرصفة المخلوعة.
لا أبالغ بل وأمسك عن بقية التفاصيل الضاجة بالقبح جراء نمو هذه الشجرة وتمددها في بيئة «العروس»، ويكفي أنها أصبحت كابوسا مخيفا، ومصدر شكوى من أهالي جدة، صدرت عدة تعاميم بإزالتها والتحذير من زراعتها لخطورتها، ولكنها ظلت قائمة ترمي بشرها الإنسان والمكان.. ليجيء هذا القرار ويحميها بـ«سلطة القانون»، نتطلع إلى معالي الأمين صالح التركي، الذي أكد دوره الأمير خالد الفيصل بقوله «ستبقى جدة عروس المدائن فكيف نبقيها دون عريس وهذا دور الأمين»، لإزالة ما ران على وجهها وقلبها ومن ضمنها هذه الشجرة.
أعلم أن الأمين يتولى أمانة جدة في فترة حرجة، أمامه العديد من الملفات والقضايا الساخنة التي تنتظر الحل العاجل، ويكفي ما تنشره الصحف ومواقع التواصل الاجتماعي من مشاهد وصور لا تتناسب ومكانة هذه المدينة العريقة، ولن يكون في الإمكان إنجاز كل هذه الملفات، وحل كل هذه القضايا إلا بتفعيل كافة الأدوار، ومن ذلك إعادة كل الصلاحيات إلى البلديات الفرعية، التي جُردت منها في زمن مضى أخذها أحد الأمناء لنفسه وأصبحت بلديات بلا مسؤوليات، ورؤساء بلا تكليفات، فالوقت قد حان لإعادة هذه الصلاحيات إليهم، للقيام بمهامهم الأساسية في ترتيب نطاق مسؤولياتهم، ومحاسبتهم على التقصير، وتحفيزهم على الإنجاز، ومتى ما أحسنا تقصير الظل الإداري، وأحكمنا ضوابط المراقبة، مع توفير الإمكانيات المطلوبة، فإن أمانة جدة ستستطيع إنجاز كافة الملفات العاجلة والآنية، التي لا تحتمل التأجيل، خاصة تلك التي تحتاج إلى حلول عاجلة لإزالة تشوهات العروس من بيئية وسمعية وبصرية وحفر ومستنقعات وعشوائيات وحاويات زبالة ومطبات وإضاءة مطفأة وأعمدة مكسورة وكل ما يقذي العين ويشوه المنظر، وقد ذكرها معالي الأمين التركي في كلمته الصادقة في معانيها والصادمة في أرقامها، ولعل هدم سور الحجاب الحاجز للخور هو بداية لإصلاح خلل الماضي ومآسي جدة.
* كاتب سعودي
لا أجد شجرة واحدة في وطننا سعيدة بهذا القرار، مثل شجرة الـ«بزروميا» المنتشرة في شوارع جدة وأزقتها قائمة عند كل بيت ومدرسة ومستشفى وفندق وحديقة عامة، فهذا القرار يتيح لها و«يطلق يدها»، لتمارس نموّها السرطاني، وأخشى أن لا تكون «إدارة التشجير»، وهي تصدر قرارها على علم بما أحدثته هذه الشجرة من «فوضى ودمار» منذ أن عبرت أرض الهند إلى بلاد الحرمين الشريفين، في تجارب كان يمارسها الأمناء السابقون على جدة، والبزروميا إحداها لم تأخذ في الحسبان متطلبات استنباتها في غير محاضنها الطبيعية، نظرا لطريقة نموّها التي تحتاج إلى فضاء لا تحتمله المدن، فهي تصلح للبيئة الصحراوية لتثبيت زحف الرمال، أو على ضفاف الأنهار لإيقاف تجريف السواحل، أما دون ذلك، فالنتاج من زراعتها «كارثي»، فهي شجرة سدت منافذ الهواء ومسارب الشمس ومساقط الضوء، موجهاً الدعوة صادقاً لـ«إدارة التشجير» لتقف على حجم الدمار الذي تحدثه هذه الشجرة من الجذور في باطن الأرض، إلى الأوراق والثمار في الفضاء، فجذورها لا تعرف الكوابح، ولا فرق عندها بين خزانات المياه الأرضية، وبيارات الصرف الصحي، وحمامات السباحة، وأرصفة الطرق، وطبقات الأسفلت، ومواسير المياه، تخترق كل ما يقف في طريق تمددها بشكل وحشي وعدواني، حتى أنها وصلت إلى حمامات الأدوار العليا من المنازل، صانعة في نفس الوقت شبكة من ألياف أرضية، تغطي معظم مدينة جدة، ولا تستثني في ذلك مُلكاً عاماً من ضيعة خاصة..
أما على السطح فالواقع أكثر فداحة، أغصانها تتمدد بلا حسيب، ولا تخشى مقص «المشذب»، أفرعها تقتحم الفضاء، ولا تعترف بوجود أعمدة الإنارة، التي عانقتها بأغصانها والتفت حولها فكسرت فوانيسها وميلت أعناقها فأصبحت الشوارع مظلمة والأحياء قاتمة وفوق ذلك أصبحت مسكناً آمناً للغربان في نعيقها المستمر..
ولم تكتف الـ«بزروميا» بالتلوث النظري بل تعدته إلى التلوث البيئي، فثمارها تأخذ طريقها إلى الأرض.. كرات في حجم حبات النبق، كريهة الرائحة، يجتمع حولها الذباب والناموس وهوام الأرض، تحيل خضرة الشجرة إلى لون بني داكن يصدّر الكآبة وسوء المنظر، تختلط مع أوراقها المتساقطة مشكلة فرصة للتعفن، بما يزكم الأنوف، ويستثيرها للعطاس والحساسية المفرطة ويحفز الخلايا السرطانية.. إضافة إلى أنها حاضنة لكثير من الأمراض والجراثيم، شجرة لا تهدأ أوراقها فهي ترمي بنفسها على الأرض باستمرار تختلط بالبذور الساقطة تسفع بها الرياح من مكان إلى مكان، تملأ الشوارع أوساخاً وتندس تحت السيارات الواقفة وحنايا الأرصفة المخلوعة.
لا أبالغ بل وأمسك عن بقية التفاصيل الضاجة بالقبح جراء نمو هذه الشجرة وتمددها في بيئة «العروس»، ويكفي أنها أصبحت كابوسا مخيفا، ومصدر شكوى من أهالي جدة، صدرت عدة تعاميم بإزالتها والتحذير من زراعتها لخطورتها، ولكنها ظلت قائمة ترمي بشرها الإنسان والمكان.. ليجيء هذا القرار ويحميها بـ«سلطة القانون»، نتطلع إلى معالي الأمين صالح التركي، الذي أكد دوره الأمير خالد الفيصل بقوله «ستبقى جدة عروس المدائن فكيف نبقيها دون عريس وهذا دور الأمين»، لإزالة ما ران على وجهها وقلبها ومن ضمنها هذه الشجرة.
أعلم أن الأمين يتولى أمانة جدة في فترة حرجة، أمامه العديد من الملفات والقضايا الساخنة التي تنتظر الحل العاجل، ويكفي ما تنشره الصحف ومواقع التواصل الاجتماعي من مشاهد وصور لا تتناسب ومكانة هذه المدينة العريقة، ولن يكون في الإمكان إنجاز كل هذه الملفات، وحل كل هذه القضايا إلا بتفعيل كافة الأدوار، ومن ذلك إعادة كل الصلاحيات إلى البلديات الفرعية، التي جُردت منها في زمن مضى أخذها أحد الأمناء لنفسه وأصبحت بلديات بلا مسؤوليات، ورؤساء بلا تكليفات، فالوقت قد حان لإعادة هذه الصلاحيات إليهم، للقيام بمهامهم الأساسية في ترتيب نطاق مسؤولياتهم، ومحاسبتهم على التقصير، وتحفيزهم على الإنجاز، ومتى ما أحسنا تقصير الظل الإداري، وأحكمنا ضوابط المراقبة، مع توفير الإمكانيات المطلوبة، فإن أمانة جدة ستستطيع إنجاز كافة الملفات العاجلة والآنية، التي لا تحتمل التأجيل، خاصة تلك التي تحتاج إلى حلول عاجلة لإزالة تشوهات العروس من بيئية وسمعية وبصرية وحفر ومستنقعات وعشوائيات وحاويات زبالة ومطبات وإضاءة مطفأة وأعمدة مكسورة وكل ما يقذي العين ويشوه المنظر، وقد ذكرها معالي الأمين التركي في كلمته الصادقة في معانيها والصادمة في أرقامها، ولعل هدم سور الحجاب الحاجز للخور هو بداية لإصلاح خلل الماضي ومآسي جدة.
* كاتب سعودي