خلصت (بلومبيرغ) إلى أن المستوى التعليمي هو المحدد الأساسي للنمو الاقتصادي، وهي حقيقة استوعبتها خطط وإستراتيجيات كثير من الدول المتقدمة منذ وقتٍ مبكر، وحققت من خلالها معدلات نمو هائلة، كما تضاعف معها دخل الفرد عدة مرات خلال عقود قليلة، في حين أن المنطقة العربية لم تحقق نجاحا يذكر في إيجاد تطبيقات معرفية تحقق لها هذه الغاية، ربما لأسباب تتعلق بتفشي الفساد التعليمي الذي يشكل جزءا لا يتجزأ من الفساد، وتتدرج هذه الدول في درجة ومدى استيعاب هذه الحقيقة. والمسألة هنا لا تقتصر على تأهيل المعلمين في الجامعات كأحد الشروط الأساسية لهذا التحول التعليمي والمعرفي فقط، ولكن تشمل المحيط الاجتماعي الذي يتقاطع مع التربوي والمعرفي، فالتقارير تشير إلى أن معلمي المدارس الابتدائية في الدول المتقدمة يقضون أكثر من نصف ساعات العمل في تطوير ذاتي لأنفسهم في حين يقضي نظراؤهم في الصين وسنغافورة نصف ساعات العمل مع المعلمين الأكثر خبرة، وهذه خواص ليست موجودة في ثقافتنا التربوية والإدارية العربية، بل إن بعض المعلمين يحضر بجسده لكن تفكيره وجواله يعملان خارج أسوار المدرسة، فوقته من ذهب خارج إطار مهنته الحقيقية لكنه في المدرسة أرخص من الماء على شط الفرات، وبالتالي فإننا نخسر ميزة تعليمية - اجتماعية هامة حيث تحظى مهنة التدريس بدرجة عالية من التبجيل والإعجاب في المجتمعات الأخرى، وفي بلد كفنلندا مثلا غالباً ما يتم اختيار 10% فقط من المتقدمين لوظائف التدريس في المدارس الابتدائية، وبمجرد قبولهم تتاح لهم فرصة الحصول على درجة الماجستير، في تخصصهم الأكاديمي، بالإضافة إلى دراسة الدراما والموسيقى والتربية البدنية، ولا أعرف سر الاهتمام بهذه الجوانب الثلاثة تحديداً بالنسبة للمعلم!
التبجيل الاجتماعي للمهنة جزء من ثقافة الشعوب وهو أمر مفقود في بيئة التعليم العربي والسعودي تحديدا، وبالتالي يصعب توليد كفاءات عالية المستوى من رحم مجتمع لا يحظى صُنّاع التعليم فيه بالاحترام الكافي والذي يستحقونه.
التبجيل الاجتماعي للمهنة جزء من ثقافة الشعوب وهو أمر مفقود في بيئة التعليم العربي والسعودي تحديدا، وبالتالي يصعب توليد كفاءات عالية المستوى من رحم مجتمع لا يحظى صُنّاع التعليم فيه بالاحترام الكافي والذي يستحقونه.