في الثلاثين من يونيو/حزيران الماضي كنت مدعوا ضمن عدد كبير من الشخصيات العربية والفرنسية والدولية إلى مؤتمر المعارضة الإيرانية، الذي يعقد بشكل سنوي في ضاحية فيليبان القريبة من العاصمة الفرنسية. ضم المؤتمر حشدا غفيرا من المعارضين لنظام الملالي يقدر بعشرات الآلاف، أما الضيوف فقد ضم أعضاء سابقين في الإدارة الأمريكية والفرنسية وكذلك نوابا من الولايات المتحدة والدول الأوروبية. سار المؤتمر كما هو مقرر، وعبر المجتمعون عن رفضهم لهذا النظام وتجاوزاته سواء داخل إيران أو خارجها. ثم انفض الجمع كما اجتمع بكل سلمية. ولكن ما كنا نجهله أننا كنا قاب قوسين أو أدنى من عمل إرهابي تم التخطيط له من قبل المخابرات الإيرانية، ولولا يقظة أجهزة الأمن الفرنسية وتعاونها مع أجهزة أوروبية أخرى لكنا أمام كارثة ربما لا تقل من حيث عدد الضحايا عن كارثة الحادي عشر من سبتمبر بسبب التزاحم الذي شهده المؤتمر.
لطالما شددت المقاومة الإيرانية على أن هذا النظام لا يتورع عن أي جريمة مهما كانت دمويتها، ولكن لم يكن الحاضرون يتخيلون بأن إجرام النظام يمكن أن يصل إلى هذا المستوى. من جانبها، السلطات الفرنسية أبقت على سرية التحقيقات سوى بعض التسريبات التي تشير في ذلك الحين إلى اعتقال بعض عملاء الاستخبارات الإيرانية. غير أن السلطات الفرنسية عمدت في الآونة الأخيرة إلى كشف المحاولة الفاشلة لاستهداف المعارضة الإيرانية وذلك الاجتماع المشار إليه. من الواضح أن السلطات الفرنسية قد فضلت المكاسب السياسية والاقتصادية على الدواعي الأمنية، حيث إنها لم تكشف عن المعلومات وحاولت التواصل مع الجانب الإيراني من أجل إعطاء توضيحات، وفي نفس الوقت كانت السلطات البلجيكية وبتنسيق مع السلطات الفرنسية قد ألقت القبض على اثنين من عملاء الاستخبارات الإيرانية وبحوزتهما متفجرات، وهي التي كانت ستستخدم في الهجوم على المؤتمر. وقد عملت الاستخبارات الأوروبية بشكل عام والاستخبارات الفرنسية بشكل خاص لمعرفة خلفيات المحاولة الفاشلة، وأوضحت المعلومات التي أفصحت عنها السلطات الأمنية الفرنسية بأن سعيد هاشم مقدم نائب وزير الداخلية ورئيس الاستخبارات الإيرانية كان يشرف بنفسه على العملية.
تولي جهاز الاستخبارات هذه المهمة يثبت بالدليل بأن الرؤية السابقة بأن الحرس الثوري وخصوصا فيلق القدس، هو الذي يتولى المهمات الإرهابية وحده خارج الحدود الإيرانية، هذه المعلومة غير دقيقة، بل إن أجهزة الدولة تتبع بشكل مباشر للولي الفقيه الذي يتولى توجيه الأوامر لكل الجهات باعتباره السلطة الأعلى في البلاد. وتورط جهاز الاستخبارات في هذه المحاولة الإرهابية دليل على أن الرأس المدبر واحد، أكثر من ذلك أن البعثات الدبلوماسية الإيرانية تجاوزت كل الاتفاقيات الدولية وأهمها اتفاقية فيينا في ما يتعلق بقيامها بتسهيل العمليات الإرهابية، وهذا ما دفع السلطات الألمانية إلى اعتقال الدبلوماسي الإيراني أسد الله أسدي الذي يعمل في النمسا، وقد سمح القضاء الألماني بتسليم المذكور إلى السلطات البلجيكية. والأخطر من ذلك أن إيران تستخدم المراكز الدينية في عملها التجسسي والاستخباراتي والمساهمة في التخطيط للعمليات الإرهابية، وهذا ما دفع السلطات الفرنسية إلى مداهمة مركز الزهراء في شمال فرنسا، وهو مركز لتجمع أنصار إيران وحزب الله في فرنسا، وقامت بتفتيش المركز واعتقلت عددا من القائمين عليه. كل ذلك يثبت أن ما تفتتحه إيران من مراكز ثقافية وجمعيات في الغرب أو حتى في بعض البلدان العربية ما هي إلا مراكز تجسس ومحاولة لزعزعة استقرار الدول العربية على وجه التحديد.
الغريب هو الموقف الفرنسي الذي انتظر 3 أشهر حتى يتخذ قرارات حقيقية لإيقاف العبث الإيراني بالأمن الفرنسي، بل إن هذا القرار لم يأت إلا بعدما رفض رئيس النظام الإيراني حسن روحاني الإجابة عن أسئلة نظيره الفرنسي ماكرون حول هذه العملية وحول نشاطات إيران في أوروبا وفرنسا. وقبل ذلك حاول وزير الخارجية الفرنسي جان إيفل لودريان الحصول على تلك الإجابات من نظيره الإيراني جواد ظريف، ولكنه لم يحصل إلا على تلك الابتسامات المصطنعة. فرنسا أرادت صادقة المحافظة على الاتفاق النووي الإيراني، وإن كان لديها اعتراضات على سياسات إيران في منطقة الشرق الأوسط، ولكنها اقترحت أن يتم حلها بالحوار، ولكن فرنسا ذاقت الآن بعض الأذى الإيراني الذي لطالما ذاقته شعوب المنطقة العربية على مدى سنوات طويلة. لعل ذلك يقنع قصر الإليزيه بأن الوقت قد حان للتغيير في السياسة اللينة التي لا يزال يستخدمها ضد هذا النظام الآثم. ولعل ساكن الإليزيه بات يدرك أن سياسة الجزرة لم تجد نفعا مع نظام الملالي وحان الوقت لاستخدام سياسة أخرى تقف بالضد من إرهاب النظام الإيراني وجرائمه.
* باحث في الفلسفة السياسية، خبير في قضايا الشرق الأوسط
ramialkhalife@
لطالما شددت المقاومة الإيرانية على أن هذا النظام لا يتورع عن أي جريمة مهما كانت دمويتها، ولكن لم يكن الحاضرون يتخيلون بأن إجرام النظام يمكن أن يصل إلى هذا المستوى. من جانبها، السلطات الفرنسية أبقت على سرية التحقيقات سوى بعض التسريبات التي تشير في ذلك الحين إلى اعتقال بعض عملاء الاستخبارات الإيرانية. غير أن السلطات الفرنسية عمدت في الآونة الأخيرة إلى كشف المحاولة الفاشلة لاستهداف المعارضة الإيرانية وذلك الاجتماع المشار إليه. من الواضح أن السلطات الفرنسية قد فضلت المكاسب السياسية والاقتصادية على الدواعي الأمنية، حيث إنها لم تكشف عن المعلومات وحاولت التواصل مع الجانب الإيراني من أجل إعطاء توضيحات، وفي نفس الوقت كانت السلطات البلجيكية وبتنسيق مع السلطات الفرنسية قد ألقت القبض على اثنين من عملاء الاستخبارات الإيرانية وبحوزتهما متفجرات، وهي التي كانت ستستخدم في الهجوم على المؤتمر. وقد عملت الاستخبارات الأوروبية بشكل عام والاستخبارات الفرنسية بشكل خاص لمعرفة خلفيات المحاولة الفاشلة، وأوضحت المعلومات التي أفصحت عنها السلطات الأمنية الفرنسية بأن سعيد هاشم مقدم نائب وزير الداخلية ورئيس الاستخبارات الإيرانية كان يشرف بنفسه على العملية.
تولي جهاز الاستخبارات هذه المهمة يثبت بالدليل بأن الرؤية السابقة بأن الحرس الثوري وخصوصا فيلق القدس، هو الذي يتولى المهمات الإرهابية وحده خارج الحدود الإيرانية، هذه المعلومة غير دقيقة، بل إن أجهزة الدولة تتبع بشكل مباشر للولي الفقيه الذي يتولى توجيه الأوامر لكل الجهات باعتباره السلطة الأعلى في البلاد. وتورط جهاز الاستخبارات في هذه المحاولة الإرهابية دليل على أن الرأس المدبر واحد، أكثر من ذلك أن البعثات الدبلوماسية الإيرانية تجاوزت كل الاتفاقيات الدولية وأهمها اتفاقية فيينا في ما يتعلق بقيامها بتسهيل العمليات الإرهابية، وهذا ما دفع السلطات الألمانية إلى اعتقال الدبلوماسي الإيراني أسد الله أسدي الذي يعمل في النمسا، وقد سمح القضاء الألماني بتسليم المذكور إلى السلطات البلجيكية. والأخطر من ذلك أن إيران تستخدم المراكز الدينية في عملها التجسسي والاستخباراتي والمساهمة في التخطيط للعمليات الإرهابية، وهذا ما دفع السلطات الفرنسية إلى مداهمة مركز الزهراء في شمال فرنسا، وهو مركز لتجمع أنصار إيران وحزب الله في فرنسا، وقامت بتفتيش المركز واعتقلت عددا من القائمين عليه. كل ذلك يثبت أن ما تفتتحه إيران من مراكز ثقافية وجمعيات في الغرب أو حتى في بعض البلدان العربية ما هي إلا مراكز تجسس ومحاولة لزعزعة استقرار الدول العربية على وجه التحديد.
الغريب هو الموقف الفرنسي الذي انتظر 3 أشهر حتى يتخذ قرارات حقيقية لإيقاف العبث الإيراني بالأمن الفرنسي، بل إن هذا القرار لم يأت إلا بعدما رفض رئيس النظام الإيراني حسن روحاني الإجابة عن أسئلة نظيره الفرنسي ماكرون حول هذه العملية وحول نشاطات إيران في أوروبا وفرنسا. وقبل ذلك حاول وزير الخارجية الفرنسي جان إيفل لودريان الحصول على تلك الإجابات من نظيره الإيراني جواد ظريف، ولكنه لم يحصل إلا على تلك الابتسامات المصطنعة. فرنسا أرادت صادقة المحافظة على الاتفاق النووي الإيراني، وإن كان لديها اعتراضات على سياسات إيران في منطقة الشرق الأوسط، ولكنها اقترحت أن يتم حلها بالحوار، ولكن فرنسا ذاقت الآن بعض الأذى الإيراني الذي لطالما ذاقته شعوب المنطقة العربية على مدى سنوات طويلة. لعل ذلك يقنع قصر الإليزيه بأن الوقت قد حان للتغيير في السياسة اللينة التي لا يزال يستخدمها ضد هذا النظام الآثم. ولعل ساكن الإليزيه بات يدرك أن سياسة الجزرة لم تجد نفعا مع نظام الملالي وحان الوقت لاستخدام سياسة أخرى تقف بالضد من إرهاب النظام الإيراني وجرائمه.
* باحث في الفلسفة السياسية، خبير في قضايا الشرق الأوسط
ramialkhalife@