-A +A
أريج الجهني
يقول الشاعر السوري «بدوي الجبل» في الطفولة:

يا ربّ من أجل الطفولة وحدها


أفض بركات السلم شرقا ومغربا

وردّ الأذى عن كلّ شعب وإن يكن

كفورا وأحببه وإن كان مذنبا

وصن ضحكة الأطفال يا ربّ إنّها

إذا غرّدت في موحش الرمل أعشبا

ويا ربّ حبّب كلّ طفل فلا يرى

وإن لجّ في الإعنات وجها مقطّبا

وهيّئ له في كلّ قلب صبابة

وفي كلّ لقيا مرحبا ثمّ مرحبا

آمين. الأطفال وهل تزهر الدنيا إلا بهم، وهل تبنى الأمم إلا لإجلهم؟ أخبرني عن مكانة الطفل في المجتمع أخبرك عن مكانة هذا المجتمع وتميزه.

لن أطرح التجربة البريطانية في رعاية الأطفال من باب نقد الذات، ولا من باب الانبهار أو التبعية الثقافية كما سيرد البعض، بل سأقدمها كأم عاشت هذه التجربة بأدق تفاصيلها، فالطفل في النظام التربوي البريطاني يحق له الالتحاق المجاني في الروضات الحكومية من سن الثالثة حتى الخامسة لنصف يوم، ومن الخامسة يلتحق بالمدرسة «التمهيدي ويستمر حتى الصف السادس»، خلال الأشهر الأولى من حياة الطفل تتم متابعته بدقة من قبل «مستوصف الحي» الذي يرسل المختصات لفحص المنزل! والظروف المعيشية وكتابة تقارير مفصلة عن البيئة الأسرية التي يعيش فيها الطفل.

نعم النظام الحكومي بالمجمل هناك يعامل الطفل منذ يومه الأول كمواطن مستقل كامل الحقوق، لدرجة أن تتدخل الدولة لحمايته داخل منزله، ولا تكتفي بذلك بل تدفع الأسر للاهتمام بأطفالهم بقوة القانون، وهذا ما يفسر العمق المدني للدولة، وهو ما بدأنا نتجه له بفضل الله مع رؤية 2030 الخلاقة، حيث أصبحنا نرى نشاط الجهات المختصة عن رعاية الأسرة بمتابعة حالات العنف وتلقي البلاغات، نعم هذا جيد لكن الحقيقة أنه تربوياً ومجتمعياً لا يكفي الحاجة.

فالتأسيس لنظام تربوي ومجتمعي مدني مهمة عميقة لجعله يتسق مع رؤية 2030، وهو بالتأكيد يتطلب السعي ولو مستقبليا لفصل الشؤون الاجتماعية عن وزارة العمل، وتصبح «وزارة الأسرة والطفل» ترأسها سيدة. نعم هذا حلم لكن لنحلم طالما أننا نعيش بفضل الله في ظل قيادة حكيمة وداعمة نعتز ونفتخر بها، ونحترم ونقدر جهود كل من قدموا من وقتهم وجهدهم لتأسيس دستور حقيقي لرعاية الطفل، ولكن ما زال أمامنا أميال حتى نحقق مفهوم «ربوا أطفالكم لغير زمانكم»، بجانب صناعة الهوية السعودية، وهي متطلب أمني عاجل قبل أن تكون متطلبا اجتماعيا وتنمويا لمواجهة التطرف، وهنا أتساءل إلى متى سيبقى الطفل دون سن السادسة تحت رحمة الجوالات وأمزجة الأهالي، بل تجد بعض الأسر تعترف علانية بأنهم سجلوا طفلهم في الروضة فقط ليتخلصوا من إزعاجه أو ليحموه من الخادمة في فترة غيابهم، لماذا لا نقول طفلي سيذهب للروضة لأنه يجب أن يذهب للروضة.

بالتأكيد لا أستطيع التحدث بالتفاصيل النفسية والمعرفية أكثر، ولكن يكفي الرجوع لرائدة الطفولة والأكاديمية الأكثر تأثيرا في العمل الموجه للطفل وحمايته الدكتورة سارة العبدالكريم، هذه السيدة سخرت نفسها وطاقاتها لرفع وعي الأمهات بالقيمة الحقيقية للروضة والتعليم ما قبل المدرسة، العبدالكريم قدمت دورات مجانية لا تعد في توعية الأمهات بمفهوم الطفولة والحماية لكن هل هذا يكفي؟ وهل تم توظيف هذه الطاقات بالمكان المناسب؟ إن الوعي وحده لا يكفي طالما لا يعاقب المهملون من الأهالي عقوبات توازي الأذى النفسي للطفل، بل الأسوأ من يجعلون قضية الإنجاب مجرد تفاخر بين الأسر دون وجود خطة حقيقية وقدرة نفسية ومادية لرعاية هذا الطفل ناهيك عن الفروق العمرية بين الزوجين وانتشار نمط الوالدية المنفصلة «الأم أو الأب الوحيد»، وهو عنوان المقال القادم لنلقي الضوء على هذه القضية الاجتماعية التي تعكس غياب دور مؤسسات المجتمع المدني في رفع الوعي والدعم لفكرة الإنجاب.

نعم ما أجمل أن يأتي طفلك لهذه الحياة وأنت بموفور صحتك وعافيتك وبتمام قدرتك ليس لأجلك فقط بل لأجله ولرعايته خير رعاية، وزارة التعليم أيضا تحتاج أن تبذل المزيد من الجهود في زيادة عدد الروضات والاستفادة من مخرجات رياض الأطفال بل الأهم اشتراط التخصص في تعليم الأطفال فلا يعقل أن نقارن طالبة تخرجت بأساس علمي تربوي قويم لرعاية الطفل بخريجة أي تخصص آخر، وهذا ما قالته البروفيسورة التربوية كارول فولر «لا تدعي أنك تفهم الأطفال لمجرد أنك كنت طفلاً»، فما بالنا لا نأبه بالقيمة التربوية الممتدة من الروضة، فالروضة بالحقيقة نصف المجتمع، فما سيكتسبه الطفل ويتعلمه من مهارات ستنعكس بالتأكيد على مستقبله والذي هو بالتأكيد مستقبل هذا الوطن الكبير.

* كاتبة سعودية

areejaljahani@gmail.com