-A +A
محمد أحمد الحساني
يقف بعض عمال النظافة «ضارعين» في مواقع من الأسواق والشوارع ويبدأون المارة بالسلام مع أنهم أحق بأن يتلقوا السلام من المارة؛ لأن المار يسلم على الواقف أو القاعد والراكب يسلم على الراجل.

هذه هي أخلاق الإسلام!، ويكون إلقاء عمال النظافة للتحية الإسلامية رسالة استعطاف يتجاوب معها كثير من الناس بينما أخذ آخرون ينددون بمن يتصدق على هذا النوع من العمالة ويزعمون أنهم يجنون مئات الريالات يومياً من الشحاذة ويطالبون المتصدقين بالتوقف عن تقديم الصدقات لهم حتى لا يكونوا من المغفلين، وقد قرأت من قبل مقالات ووسائل تواصل تدور حول هذا الموضوع كان بعضها مؤيداً لاستحقاق العمالة للصدقات وبعضها الآخر غير مؤيد.


وأقول وبالله التوفيق، إن سبب لجوء عمال النظافة إلى الشحاذة يعود إلى بعض الشركات والمؤسسات التي تُشغلهم ولو أنها منذ البداية أعطتهم حقوقهم لما لجأوا إلى التسول ولما وجدوا إن هم تسولوا هذا التعاطف الكبير من قبل الجمهور.

إن عامل النظافة ربما لا يحصل على التأشيرة إلا بعد أن يدفع آلاف الريالات لمكاتب العمل الوسيطة بين المؤسسات والشركات العاملة في خدمة النظافة وهي مكاتب توجد في وطن العمال، ولا أعلم إن كان ما يطلب من العامل من مبالغ تذهب لصالح مكاتب العمل الوسيطة في وطنه أم أنها تقسم بين تلك المكاتب ومن جلب لها التأشيرات من مؤسسات وشركات النظافة؟

ولكي يوفر العامل المبلغ المطلوب فإنه يبيع بقرته أو أرضه أو سيارته أو يطلب قرضاً من البنك على أمل أن يسدده بفوائد من أجره الشهري الذي سيدفع له فيما بعد وهو أجر قد لا يصل إلى 500 ريال شهرياً ومثل هذا المبلغ يوظف في وطنه خريج جامعة أو حامل ماجستير فيظنه لجهله مبلغاً كبيراً وهو معذور في ذلك لجهله بالقوة الشرائية في دول الخليج ومنها بلادنا، وأذكر أنني عندما كنت أعمل في رابطة العالم الإسلامي قبل سنوات قليلة قامت الإدارة المالية بالرابطة بتوظيف 10 جامعيين في مكتبها بدكا عاصمة بنجلاديش وكان راتب «أجعص» موظف من أولئك العشرة 100 دولار شهرياً وهو يمثل قوة شرائية كافية لإعاشة موظف جامعي وأسرته.

فإذا جاء عامل النظافة وجد أن أجره الشهري يمكن أن يستهلكه في شراء نصف علبة سجائر يومياً خاصة أن كثيراً منهم مبتلى بالتدخين مثل غيرهم من الشعوب ولو اشتهت نفسه شيئاً عن الطعام أو ملابس فلا شيء يتوفر من أجره الشهري لديه فيما تكون أسرته تطالبه بإرسال «الفلوس» لشراء الأرز والعدوس وإحياء النفوس، فلا يكون أمام عامل النظافة سوى الانضمام إلى من سبقه من زملائه وممارسة التسول في غير أوقات الدوام، على أن ما يحمد لهم أنهم لا يلحون في المسألة مثل فئات أخرى من الشحاذين الذين يطرقون نوافذ السيارات ويركضون وراء الخارجين من الأسواق من جماعة «أبويا كرامة»!

وأرى أن عمال النظافة أحق بالصدقات من بعض الذين يقفون بعد تسليمه الإمام مباشرة حاملين أوراقاً مصورة بأن جميع أمراض الدنيا قد اختصهم الله بها، وغالبيتهم من بلد واحد.

* كاتب سعودي