هل هي ثقافة غائبة؟ أم هو طوع ناقص!
هل هي نفوس قاسية؟ أم هو نتاج لإجراءات مفقودة بقيت على مواعظ بلا أثر حقيقي على عقول وحياة الناس؟ معلومات تُملى علينا بلا زرع لثقافة العطاء والخير المجتمعي الحقيقي.
أين كان الخطأ؟ هل هي نتيجة ما حدث لمجتمعاتنا بين ثنايا يد البعض الذين كانوا يبيعون علينا الطوع المغشوش والطوع الملغوم والطوع المنحرف؟ هذه الممارسات التي خلقت لدى البعض تعلقاً كبيراً بباب العبادات وجهلاً كبيراً بباب المعاملات! فالعدل صدقة، والسلام صدقة، والتبسم في وجه الغرباء صدقة، ونظافة شارعك صدقة، والصدقات كلها أعمال تطوعية.
لماذا يزداد العمل التطوعي في بلاد الغرب ويقل في الشرق رغم تدين شعوبها؟ لماذا شوارعنا العربية بلا نظافة ولا انضباط واحترام لمن هم حوالينا؟ لا أريد أن أكون قاسية في جلد الذات ونقد الحال ولكن الواقع التطوعي بالبلاد اليومَ مؤلم ويعاني من حالة تجمد حقيقة، حالة تطوع صوري... (ولي كلام كثير في هذا التطوع الصوري سأسرده عليكم في مقال آخر).
سمعت جملة جميلة من مفكر عربي يقول «نحتاج لمن يتطوع بمحو أمية المتعلمين ثقافياً! فلدينا متعلمون يحملون شهادات وهم أُميون ثقافياً»، ولكم أن تتصوروا كيف يمكن لصاحب أي تخصص متمكن أن يتطوع في بناء مجتمعه فقط من خلال مشاركة! فخطيب الجمعة الذي يصحح أموراً مغلوطة متطوع، ومن ينظف أمام منزله متطوع، ومن تقرأ قصة لأطفال مدرسة متطوعة.. كلهم متطوعون لبناء ثقافة وحضارة أممهم... فكم منا ينتمي لجمعية ويداوم على التطوع لها؟ هل هناك حس عملي حقيقي وملموس بالمسؤولية المجتمعية لدى المواطن السعودي تجاه بلاده؟ «وافعلوا الخير لعلكم تفلحون».
الأعمال التطوعية اليومَ في الحضارات المتقدمة أصبحت تسمى بـ«رأس المال الاجتماعي»، فبدون التطوع لن تقوم الأمم بل ستبقى تزحف خلف الركب. فالمجتمعات المدنية أثبتت مدى عمقها الاجتماعي والسياسي على كافة الأصعدة، والأمم الذكية اليومَ هي التي تتعلم من تجارب غيرها، ولكن السؤال الذي يعود بِنَا إلى بداية الكلام هو لماذا يكثر عندنا التدين ويقل التطوع؟ الولايات المتحدة اليومَ تضم أكثر من ٤٠ ألف جمعية تطوعية يعمل فيها 100 مليون مواطن أمريكي، أي ثلث الشعب! قد يكون البعض منهم يذهب للأجر ولكن أثبتت بحوث علم النفس أن النمو الروحي والنفسي بتثبيت النفس ولجمها من الطمع من خلال العمل التطوعي والعطاء يجعل الروح تنضج وتتجاوز أنانيتها إلى حالة من السلام.
قال مفكر جميل «آنية السعادة لا تعود فارغة»، فحين تقدم خيراً لإنسان أو لوطنك ستشعر بحالة رضى ونشوة لا تشبه شيئاً بهذه الحياة، ونحن لن ننمو بلا مجتمع مدني حقيقي، فالتنمية بتطور تعاريفها عبر السنين ومراجعة تقارير الأمم المتحدة الإنمائية الدائمة لها لم تعد مربوطة باقتصاد ومادة، بل انتهت بتعريف يختصرها بـ «كل الجهود التي تبذلها الحكومات والأهالي» فبلا جهود الأهالي في تطوعهم لبناء أممهم لن تقوم الأمم، والذين يبنيون الحضارات الحقيقية ويؤسسون ثقافاتها هم العقول الحرة المفكرة التي تعطي بلا مقابل لبناء شعوبها أولا قبل كل شيء.
العمل التطوعي اليومَ يجب أن يكون مؤسسياً متطوراً حقيقياً يستنفر المجتمع بأكمله، ليس فقط لأننا مؤمنون بالله أولاً وما أمرنا عليه، بل ليبقى العمل المدني بمراكمة الجهود الذكية والبعد عن بعثرتها باجتهاد تطوعي جامد مؤقت.
ما مثلك بهالدنيا بلد.
* كاتبة سعودية
WwaaffaaA@
هل هي نفوس قاسية؟ أم هو نتاج لإجراءات مفقودة بقيت على مواعظ بلا أثر حقيقي على عقول وحياة الناس؟ معلومات تُملى علينا بلا زرع لثقافة العطاء والخير المجتمعي الحقيقي.
أين كان الخطأ؟ هل هي نتيجة ما حدث لمجتمعاتنا بين ثنايا يد البعض الذين كانوا يبيعون علينا الطوع المغشوش والطوع الملغوم والطوع المنحرف؟ هذه الممارسات التي خلقت لدى البعض تعلقاً كبيراً بباب العبادات وجهلاً كبيراً بباب المعاملات! فالعدل صدقة، والسلام صدقة، والتبسم في وجه الغرباء صدقة، ونظافة شارعك صدقة، والصدقات كلها أعمال تطوعية.
لماذا يزداد العمل التطوعي في بلاد الغرب ويقل في الشرق رغم تدين شعوبها؟ لماذا شوارعنا العربية بلا نظافة ولا انضباط واحترام لمن هم حوالينا؟ لا أريد أن أكون قاسية في جلد الذات ونقد الحال ولكن الواقع التطوعي بالبلاد اليومَ مؤلم ويعاني من حالة تجمد حقيقة، حالة تطوع صوري... (ولي كلام كثير في هذا التطوع الصوري سأسرده عليكم في مقال آخر).
سمعت جملة جميلة من مفكر عربي يقول «نحتاج لمن يتطوع بمحو أمية المتعلمين ثقافياً! فلدينا متعلمون يحملون شهادات وهم أُميون ثقافياً»، ولكم أن تتصوروا كيف يمكن لصاحب أي تخصص متمكن أن يتطوع في بناء مجتمعه فقط من خلال مشاركة! فخطيب الجمعة الذي يصحح أموراً مغلوطة متطوع، ومن ينظف أمام منزله متطوع، ومن تقرأ قصة لأطفال مدرسة متطوعة.. كلهم متطوعون لبناء ثقافة وحضارة أممهم... فكم منا ينتمي لجمعية ويداوم على التطوع لها؟ هل هناك حس عملي حقيقي وملموس بالمسؤولية المجتمعية لدى المواطن السعودي تجاه بلاده؟ «وافعلوا الخير لعلكم تفلحون».
الأعمال التطوعية اليومَ في الحضارات المتقدمة أصبحت تسمى بـ«رأس المال الاجتماعي»، فبدون التطوع لن تقوم الأمم بل ستبقى تزحف خلف الركب. فالمجتمعات المدنية أثبتت مدى عمقها الاجتماعي والسياسي على كافة الأصعدة، والأمم الذكية اليومَ هي التي تتعلم من تجارب غيرها، ولكن السؤال الذي يعود بِنَا إلى بداية الكلام هو لماذا يكثر عندنا التدين ويقل التطوع؟ الولايات المتحدة اليومَ تضم أكثر من ٤٠ ألف جمعية تطوعية يعمل فيها 100 مليون مواطن أمريكي، أي ثلث الشعب! قد يكون البعض منهم يذهب للأجر ولكن أثبتت بحوث علم النفس أن النمو الروحي والنفسي بتثبيت النفس ولجمها من الطمع من خلال العمل التطوعي والعطاء يجعل الروح تنضج وتتجاوز أنانيتها إلى حالة من السلام.
قال مفكر جميل «آنية السعادة لا تعود فارغة»، فحين تقدم خيراً لإنسان أو لوطنك ستشعر بحالة رضى ونشوة لا تشبه شيئاً بهذه الحياة، ونحن لن ننمو بلا مجتمع مدني حقيقي، فالتنمية بتطور تعاريفها عبر السنين ومراجعة تقارير الأمم المتحدة الإنمائية الدائمة لها لم تعد مربوطة باقتصاد ومادة، بل انتهت بتعريف يختصرها بـ «كل الجهود التي تبذلها الحكومات والأهالي» فبلا جهود الأهالي في تطوعهم لبناء أممهم لن تقوم الأمم، والذين يبنيون الحضارات الحقيقية ويؤسسون ثقافاتها هم العقول الحرة المفكرة التي تعطي بلا مقابل لبناء شعوبها أولا قبل كل شيء.
العمل التطوعي اليومَ يجب أن يكون مؤسسياً متطوراً حقيقياً يستنفر المجتمع بأكمله، ليس فقط لأننا مؤمنون بالله أولاً وما أمرنا عليه، بل ليبقى العمل المدني بمراكمة الجهود الذكية والبعد عن بعثرتها باجتهاد تطوعي جامد مؤقت.
ما مثلك بهالدنيا بلد.
* كاتبة سعودية
WwaaffaaA@