أعترف، وبكل خجل، بجهلي في العديد من الأمور الأساسية. وبعضها أعجز عن فهمها، وفي الغالب فلن أفهمها فيما تبقى لي من العمر: لن أفهم سلوكيات رمي «المبعثرات» أي القمائم الخاصة في الأماكن العامة، بالرغم من وجود حاويات النفايات.. ولن أفهم عدم الالتزام بالمواعيد بالرغم أن الحضارة الإسلامية حثت على ذلك والتزمت بهذا الموضوع أكثر من حضارة أخرى على مر العصور.. ولن أفهم استخدام «البواري» بعد «نانو» ثانية من تحول الإشارة المرورية من الأحمر إلى الأخضر.. ولن أفهم سهر «البزورة» إلى ساعات الليل المتأخرة بالرغم من بدء الساعات المدرسية في الصباح الباكر، ولن أفهم الجاذبية. طبعا درستها في مواد العلوم كما درسناها جميعاً، بداية من مسارات الكواكب التي حددها العالم الفنلندي «تيكو براهي»، إلى حسابات تلميذه البولندي الفذ «كيبلر» الذي وصف تلك المسارات بطرق رياضية رشيقة. ثم تطور الموضوع من الكواكب في الفضاء إلى الأجسام على كوكبنا عندما وصف العالم الإيطالي الفذ «جاليليو» في القرن السادس عشر سقوط الأجسام ليصف فكرة الجاذبية، وأن سقوطها لا يعتمد على كتلة الجسم. وبعده جاء العبقري الإنجليزي «إسحق نيوتن» في القرن السابع عشر وفي وسط بيئة وباء كارثية ليصف قوانين الحركة بشجاعة وإبداع في معادلات إعجازية، ومنها الوصف الرياضي الدقيق لقانون الجاذبية الكوني. وبعدها في مطلع القرن العشرين توج العالم الألماني أينشتاين مفهوم الجاذبية بفكر جديد كسر من خلاله القوالب الفكرية القديمة المذكورة. وكل واحدٍ من العلماء المذكورين أضاف إضافات مذهلة.. شغل من العيار الثقيل.
وموضوع الجاذبية قد يبدو غاية في السهولة؛ لأن الأنظمة التعليمية في جميع الدول تضعنا في القالب الفكري الذي يجعلنا نتقبل الجاذبية كفكرة راسخة بالرغم أنها ليست منطقية. تخيل أن سقوط الشاكوش والريشة من نفس الارتفاع يخضع لنفس قوى السحب، فيسقطان بنفس التسارع نحو الأرض في غياب مقاومة الهواء. وبمناسبة الحديث عن الشاكوش والريشة فقد قام بهذه التجربة رائد الفضاء الأمريكي «ديفيد سكوت» على سطح القمر. وتحديداً ففي تاريخ 2 أغسطس عام 1971 وبنهاية رحلة مركبة أبولو 15 قام «سكوت» بإفلات ريشة وشاكوش في نفس اللحظة وتم قياس وقت سقوطهما على سطح القمر، وأثبت أنهما يخضعان لنفس التسارع. وكانت من أجمل التجارب العلمية البسيطة في محتواها، والعظيمة في رسالتها، ومضمونها. واختار سطح القمر لانعدام الهواء وتأثيراته على التسارع للجسمين. وعلى سيرة الفضاء فمعظم ما نرى من أجسام سابحة في الفضاء شاملة الرواد لم يفلتوا من قوة الجاذبية. ومن العجائب أنه عندما يصعد رواد الفضاء إلى الفضاء الخارجي، ويبدون أنهم قد هربوا من قوة الجاذبية، فتأكد أن الحقيقة غير ذلك. وعلى سبيل المثال، فعلى محطة الفضاء الدولية التي تدور حول الأرض وعلى ارتفاع يزيد على ما يعادل المسافة من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة، تعادل قوة الجاذبية عند ذلك الارتفاع الشاهق حوالى 90 % من قوتها على الأرض، فلم يهربوا منها. والسبب أن الرواد «يسبحون» في الفضاء هو أنهم في حالة «طيحة» مستمرة نحو الأرض، وسر بقائهم على ذلك الارتفاع بإرادة الله هو سرعتهم العالية التي تعادل حوالى 28 ألف كيلومتر في الساعة، ولو انخفضت تلك السرعة الطاردة، فستسحبهم الجاذبية إلى سطح الأرض.
أمنيـــــة:
للجاذبية أشكالها وأنواعها المختلفة ومنها الجاذبية بين الأشخاص وبعضهم البعض، وبين الأشخاص والأماكن أيضاً. بعض الأماكن لها جاذبية عظيمة تأسرك بجمالها وسهولة التفاعل معها، وهذه من أسرار نجاح السياحة حول العالم، وقد تبدو وكأنها سهلة، ولكنها تحتاج إلى الفكر العميق لفهمها مثل الجاذبية في العلوم. لن أفهم عدم التزامنا بالوقت، ولن أفهم سهر «البزورة»، ولا ضرب «البواري» الفوري، ولكن أتمنى أن أفهم الجاذبية بمشيئة الله،
وهو من وراء القصد.
* كاتب سعودي
وموضوع الجاذبية قد يبدو غاية في السهولة؛ لأن الأنظمة التعليمية في جميع الدول تضعنا في القالب الفكري الذي يجعلنا نتقبل الجاذبية كفكرة راسخة بالرغم أنها ليست منطقية. تخيل أن سقوط الشاكوش والريشة من نفس الارتفاع يخضع لنفس قوى السحب، فيسقطان بنفس التسارع نحو الأرض في غياب مقاومة الهواء. وبمناسبة الحديث عن الشاكوش والريشة فقد قام بهذه التجربة رائد الفضاء الأمريكي «ديفيد سكوت» على سطح القمر. وتحديداً ففي تاريخ 2 أغسطس عام 1971 وبنهاية رحلة مركبة أبولو 15 قام «سكوت» بإفلات ريشة وشاكوش في نفس اللحظة وتم قياس وقت سقوطهما على سطح القمر، وأثبت أنهما يخضعان لنفس التسارع. وكانت من أجمل التجارب العلمية البسيطة في محتواها، والعظيمة في رسالتها، ومضمونها. واختار سطح القمر لانعدام الهواء وتأثيراته على التسارع للجسمين. وعلى سيرة الفضاء فمعظم ما نرى من أجسام سابحة في الفضاء شاملة الرواد لم يفلتوا من قوة الجاذبية. ومن العجائب أنه عندما يصعد رواد الفضاء إلى الفضاء الخارجي، ويبدون أنهم قد هربوا من قوة الجاذبية، فتأكد أن الحقيقة غير ذلك. وعلى سبيل المثال، فعلى محطة الفضاء الدولية التي تدور حول الأرض وعلى ارتفاع يزيد على ما يعادل المسافة من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة، تعادل قوة الجاذبية عند ذلك الارتفاع الشاهق حوالى 90 % من قوتها على الأرض، فلم يهربوا منها. والسبب أن الرواد «يسبحون» في الفضاء هو أنهم في حالة «طيحة» مستمرة نحو الأرض، وسر بقائهم على ذلك الارتفاع بإرادة الله هو سرعتهم العالية التي تعادل حوالى 28 ألف كيلومتر في الساعة، ولو انخفضت تلك السرعة الطاردة، فستسحبهم الجاذبية إلى سطح الأرض.
أمنيـــــة:
للجاذبية أشكالها وأنواعها المختلفة ومنها الجاذبية بين الأشخاص وبعضهم البعض، وبين الأشخاص والأماكن أيضاً. بعض الأماكن لها جاذبية عظيمة تأسرك بجمالها وسهولة التفاعل معها، وهذه من أسرار نجاح السياحة حول العالم، وقد تبدو وكأنها سهلة، ولكنها تحتاج إلى الفكر العميق لفهمها مثل الجاذبية في العلوم. لن أفهم عدم التزامنا بالوقت، ولن أفهم سهر «البزورة»، ولا ضرب «البواري» الفوري، ولكن أتمنى أن أفهم الجاذبية بمشيئة الله،
وهو من وراء القصد.
* كاتب سعودي