أعطني السمكة نعم أنا أعني ما أقول، عندما قفزت هذه الفكرة في ذهني فوراً بدأت البحث عن دليل علمي يعضدها أو أي معرفة مثرية تدعمها، ووجدت بأن المفكر الأمريكي الشاب كريس غيليبيو ألّف فيها كتاباً بعنوان «بداية المئة دولار»، وهو كتاب جداً مناسب لأصحاب المشاريع الصغيرة، وأيضا طرح واقعي ينسف فكرياً أصحاب مدرسة «أنت ما تريد» التي عاثت أفكارها في الأرض تمييعاً وأهلكت أتباعها وأغرقتهم في الأحلام الوردية، نعم هكذا المفكر الشاب يقول في فصل أسماه «أعطهم السمكة» عندما ناقش فكرة العنوان قائلاً «الناس في بدايتهم بحاجة إلى الدعم»، وسرد قصصاً واقعية منها قصة المصورة بروك سنو التي كانت تعيش في بيئة تنافسية شرسة؛ فعوضاً عن أن تنهزم قررت أن تدعم من حولها ونجحت في ذلك.
الحكمة الأصلية تقول «لا تعطني سمكة ولكن علمني كيف اصطاد» تباً لمثل هذه الحكمة التي دمرت أجيالاً وضيعت فرصهم الحقيقية، أخذنا هذه العبارات دون غربلة ولو تأملنا لوجدنا أنها عارية من الصحة؛ فكيف يمكن أن نتحدث عن التمكين ونحن بترنا أهم أركانه؛ فالتمكين لا يقوم إلا على أربعة أركان «التمكين الذاتي ثم المعرفي ثم الاقتصادي وأخيراً الاجتماعي»، احفظوا هذا جيداً، واتركوا عنكم بروباغندا التمكين الجوفاء التي لا تعالج سوى القشور، وتتعامى عن جوهره، التمكين الاقتصادي للأفراد هو التحدي الآن عالمياً؛ فالإنسان مهما أدرك قيمة نفسه تبقى الفرص الوظيفية المناسبة ليست مواتية دائماً، أتذكر أنني بقيت عاماً كاملاً في البيت بعد درجة الماجستير، وأفهم تماماً شعور البطالة رغم تقديمي على أكثر من ١٠٠ جهة وظيفية ! ولم أهتم حتى بالراتب بل كنت أود فقط ممارسة مهارتي وأفهم جيداً كيف يكون شعور البطالة شرساً عندما تكون من ذوي الشهادات العليا وسأتحدث عن هذا لاحقاً.
نعم لنعلم الجيل الجديد الاعتماد على الذات، لكن لنقدم لهم الأدوات اللازمة؛ فالمهارات بدون أدوات مجرد تلقين وخواء، لنعترف أننا فشلنا كمجتمعات عربية في خلق هذا التوازن البراغماتي في معالجة القضايا الاقتصادية والتباينات الطبقية، بل تجد العربي دون سواه يبذل نفسه ويقدم كل ما لديه تحت مسميات الكرم والفزعة والشهامة وهي كلها حميدة وجميلة بالتأكيد، لكن ماذا استفاد الناس من تقليل تقدير أجر المجتهد، وماذا استفاد الجميع من العطاء العشوائي، بل الذي أصبح وبالاً مع الأيام الأخيرة للأسف.
بناء استراتيجية عملية براغماتية في مفهوم الأعمال والمناشط الإنسانية هو ما سيجعلنا نقترب أكثر للمستقبل، والأهم بأقل خسائر ممكنة، العقول الصلبة التي لا تتقبل الفكر العملي هي أكبر عائق أمام المجتهدين؛ فليس من العدل أن تجد الدخل المادي لدى الإنسان المجتهد أقل من طاقاته ومما يقدمه، وهذا تجده سائداً في الحقل التربوي بكثرة بخلاف قطاع الأعمال البنكية ونحوها، وهذا المؤشر الخطير تجده يتضح في استخدام البعض تحت مسميات الأعمال التطوعية واستنزاف طاقات المبدعين فقط دون وجود أجندة تمكين حقيقية فوق الطاولة!
نعم إنه من المحبط أن تتم معالجة المهارات والأعمال بطريقة الفانتازيا ! وأفلام الخيال العلمي التي أنتجتها تلك المدارس لذا يجب التنبيه لها، إن كسر الأنماط الاجتماعية ليس بالأمر السهل، لكن إذا كانت الفاتورة عالية هنا علينا أن نقف وننظر في وجوه الجيل الجديد بل نجتمع ونستمع لهم، الخجل من طلب المساعدة والتلويح بأنك وحدك قادر؛ هذه هرطقات مجتمعية لم تخدم أحداً، نحن مقبلون على شكل جديد للمجتمع ستزداد أعداد «الأسر الصغيرة» ستتلاشى بشكل أو آخر تلك الأسر الممتدة؛ هل نحن جاهزون؟ هل جهزنا لتلك الأيدي الصغيرة دعامات أم أننا سنكتفي بترديد «أنت ما تريد وأنت وحظك»!.
بالمجمل كثرة توارد الشيء لا تعني صحته، تخثر الأفكار في العقول لسنوات لا تعني قوتها، كونوا أكثر مرونة وواقعية، المثاليات والتزييف لن تخدم أحداً ولن تبني اقتصاداً طويل الأمد، كل إنسان مجتهد ومكافح يستحق التقدير، فأنتم تخوضون حرباً حقيقية بين إثبات أنفسكم وطوفان من الخطابات المجتمعية المنهكة؛ «فلان عنده واسطة، فلان يخطط لمنصب فلان بس يشتغل»، هؤلاء لا يستطيعون تقبل فكرة الاجتهاد وهم أنفسهم من يحاربون تقديره؛ لأن المجتهد باختصار يعري كسلهم وجهلهم، هذه الخطابات الشعبوية التي تحارب كل من يعمل وتدغدغ مشاعر الناس ولا تفيدهم للأسف، تجد أن لها رواجاً عند البعض؛ لذلك وجب التنبيه لها. في الختام إذا انهار كل شيء من حولك ساعد الناس وأسالهم «كيف ممكن أخدمك»، ببساطة أعطهم السمكة.
* كاتبة سعودية
areejaljahani@gmail.com
الحكمة الأصلية تقول «لا تعطني سمكة ولكن علمني كيف اصطاد» تباً لمثل هذه الحكمة التي دمرت أجيالاً وضيعت فرصهم الحقيقية، أخذنا هذه العبارات دون غربلة ولو تأملنا لوجدنا أنها عارية من الصحة؛ فكيف يمكن أن نتحدث عن التمكين ونحن بترنا أهم أركانه؛ فالتمكين لا يقوم إلا على أربعة أركان «التمكين الذاتي ثم المعرفي ثم الاقتصادي وأخيراً الاجتماعي»، احفظوا هذا جيداً، واتركوا عنكم بروباغندا التمكين الجوفاء التي لا تعالج سوى القشور، وتتعامى عن جوهره، التمكين الاقتصادي للأفراد هو التحدي الآن عالمياً؛ فالإنسان مهما أدرك قيمة نفسه تبقى الفرص الوظيفية المناسبة ليست مواتية دائماً، أتذكر أنني بقيت عاماً كاملاً في البيت بعد درجة الماجستير، وأفهم تماماً شعور البطالة رغم تقديمي على أكثر من ١٠٠ جهة وظيفية ! ولم أهتم حتى بالراتب بل كنت أود فقط ممارسة مهارتي وأفهم جيداً كيف يكون شعور البطالة شرساً عندما تكون من ذوي الشهادات العليا وسأتحدث عن هذا لاحقاً.
نعم لنعلم الجيل الجديد الاعتماد على الذات، لكن لنقدم لهم الأدوات اللازمة؛ فالمهارات بدون أدوات مجرد تلقين وخواء، لنعترف أننا فشلنا كمجتمعات عربية في خلق هذا التوازن البراغماتي في معالجة القضايا الاقتصادية والتباينات الطبقية، بل تجد العربي دون سواه يبذل نفسه ويقدم كل ما لديه تحت مسميات الكرم والفزعة والشهامة وهي كلها حميدة وجميلة بالتأكيد، لكن ماذا استفاد الناس من تقليل تقدير أجر المجتهد، وماذا استفاد الجميع من العطاء العشوائي، بل الذي أصبح وبالاً مع الأيام الأخيرة للأسف.
بناء استراتيجية عملية براغماتية في مفهوم الأعمال والمناشط الإنسانية هو ما سيجعلنا نقترب أكثر للمستقبل، والأهم بأقل خسائر ممكنة، العقول الصلبة التي لا تتقبل الفكر العملي هي أكبر عائق أمام المجتهدين؛ فليس من العدل أن تجد الدخل المادي لدى الإنسان المجتهد أقل من طاقاته ومما يقدمه، وهذا تجده سائداً في الحقل التربوي بكثرة بخلاف قطاع الأعمال البنكية ونحوها، وهذا المؤشر الخطير تجده يتضح في استخدام البعض تحت مسميات الأعمال التطوعية واستنزاف طاقات المبدعين فقط دون وجود أجندة تمكين حقيقية فوق الطاولة!
نعم إنه من المحبط أن تتم معالجة المهارات والأعمال بطريقة الفانتازيا ! وأفلام الخيال العلمي التي أنتجتها تلك المدارس لذا يجب التنبيه لها، إن كسر الأنماط الاجتماعية ليس بالأمر السهل، لكن إذا كانت الفاتورة عالية هنا علينا أن نقف وننظر في وجوه الجيل الجديد بل نجتمع ونستمع لهم، الخجل من طلب المساعدة والتلويح بأنك وحدك قادر؛ هذه هرطقات مجتمعية لم تخدم أحداً، نحن مقبلون على شكل جديد للمجتمع ستزداد أعداد «الأسر الصغيرة» ستتلاشى بشكل أو آخر تلك الأسر الممتدة؛ هل نحن جاهزون؟ هل جهزنا لتلك الأيدي الصغيرة دعامات أم أننا سنكتفي بترديد «أنت ما تريد وأنت وحظك»!.
بالمجمل كثرة توارد الشيء لا تعني صحته، تخثر الأفكار في العقول لسنوات لا تعني قوتها، كونوا أكثر مرونة وواقعية، المثاليات والتزييف لن تخدم أحداً ولن تبني اقتصاداً طويل الأمد، كل إنسان مجتهد ومكافح يستحق التقدير، فأنتم تخوضون حرباً حقيقية بين إثبات أنفسكم وطوفان من الخطابات المجتمعية المنهكة؛ «فلان عنده واسطة، فلان يخطط لمنصب فلان بس يشتغل»، هؤلاء لا يستطيعون تقبل فكرة الاجتهاد وهم أنفسهم من يحاربون تقديره؛ لأن المجتهد باختصار يعري كسلهم وجهلهم، هذه الخطابات الشعبوية التي تحارب كل من يعمل وتدغدغ مشاعر الناس ولا تفيدهم للأسف، تجد أن لها رواجاً عند البعض؛ لذلك وجب التنبيه لها. في الختام إذا انهار كل شيء من حولك ساعد الناس وأسالهم «كيف ممكن أخدمك»، ببساطة أعطهم السمكة.
* كاتبة سعودية
areejaljahani@gmail.com