أعادت الكثير من جامعات العالم النظر في دورها مع المجتمع والمتمثل في الوظيفة الثالثة للجامعة ومدى تأثيرها وتأثرها في المجتمع الحاضن، وذلك انطلاقاً من دورها المتعاظم في تحقيق الأهداف المعرفية والاقتصادية والاجتماعية، والاستفادة من هذا الرأسمال المعرفي الكبير الذي تتمتع به هذه الجامعات، وتحويل بعض الأبحاث المجردة إلى مبادرات وتطبيقات وممارسات ذات بعد اجتماعي واقتصادي معاصر تقوم على تنمية المجتمع والمساهمة في حل مشكلاته وقضاياه؛ ففي الدول المتقدمة التي تنشط فيها الجامعات، تنخرط بمبادرات وابتكارات تقود فيها حركة المجتمع وترفع من درجة إيقاعه المعرفي، وللأمانة فإن الجامعات السعودية قد تمكنت من الانفتاح على مجتمعاتها في السنوات الأخيرة بشكل أو بآخر، بل وحققت طفرة في المبادرات المجتمعية، فثمة مشاركات اجتماعية ومراكز لريادة الأعمال ومكاتب للعلاقات المجتمعية وحاضنات للتقنية وغيرها، بعضها يقوم على جانب معرفي وموضوعي بحت، والبعض الآخر يأتي في إطار الحراك المجتمعي الذي يود أن تطل به الجامعة على المجتمع وحسب، وتحقيق علامات مرجعية أو درجات اجتماعية بصرف النظر عن تأثيرها أو نتائجها الفعلية، ومن دون قياس للأثر، ومثل هذه المبادرات عادة لا تنشط إلا مع بعض الجهات الحكومية ذات النفوذ أو التأثير الإعلامي، دون تنمية للطبقة الاجتماعية والاقتصادية الوسطى وما دونها؛ ولأنه لا يتم قياس الأثر كما أسلفت ومدى تحقيق الأهداف المتوخاة من وراء مثل هذه المبادرات، فإنه لا يمكن تقييم دور الجامعات في الريادة المجتمعية عموما من عدمه، ومدى تأثيرها الحقيقي في المجتمع الحاضن، وهي إشكالية ترتبط ربما بإشكالية أكبر تتصل بغياب منظومة للقياس والاعتماد الأكاديمي المستقل حتى في إطار وظيفتها الأولى والأساسية، في زمن لم تعد مهمة الجامعة التعليم المستمر أو البحث العلمي فقط، بعد أن أصبحت هي المحرك الحقيقي لاقتصاديات المعرفة والقاطرة التي تقود المبادرات المجتمعية، ومن حيث شبه رئيس جامعة ميرلاند الأمريكية دورها في الجانب المعرفي بالمجتمع بدور الكهرباء في تشغيل المصنع.