ما الذي يجعل السعودية تقف في كثير من قضاياها موقف المتهم رغم براءتها، وهل بالفعل هي ظالمة أم مظلومة، فيما يلي سنرى كيف أن الرياض في أغلب علاقاتها تعاني من سوء فهم بينها وبين محيطها العربي بالطبع الشعبي والإعلامي منه، فهل هو سوء فهم متعمد أم هي كراهية مطلقة لا يمكن تغييرها مهما بذل السعوديون من تضحيات ومواقف نزيهة، فخصومها يقاتلونها بالتشويه وهي تقتلهم بالصمت والمضي قدما في إيمانياتها.
منذ نشوء السعودية الحديثة على يد المغفور له الملك عبدالعزيز وهي تأخذ خطا واضحا محددا في قضاياها العربية، ففي القضية العربية المركزية فلسطين وقفت الرياض بجانب السلطة الشرعية الفلسطينية - منظمة التحرير سابقا، والسلطة حاليا - مع عدم إهمال الأطراف الفاعلة، ولكن ليس على حساب القيادة المركزية وهي تعلن ذلك بصراحة وتقدم خطابا واحدا لا لبس فيه.
في قضية النضال أو الصلح أو السلام تقول الرياض للفلسطينيين نقبل ما تقبلونه ونخطو بعدكم ولا نسبقكم، ورغم ميل الرياض الدائم للسلام فإن كل مبادراتها تأخذ بخاطر الفلسطينيين رغم تراجعهم عن كثير من المكاسب السابقة، وتقبل خياراتهم ولا تعاقبهم على التفريط.
انظروا لزيارات الرؤساء والقيادات الإسرائيلية للدوحة ومسقط وغيرها من العواصم العربية، ولنعد بالذاكرة إلى صفقة القرن التي بدأها الإخوان المسلمين عندما حكموا مصر 2012- 2013 والقاضية باقتسام القدس، والتنازل عن جزء من سيناء لصالح دولة فلسطينية في مقابل تسليم الأراضي في الضفة لإسرائيل، واعتراف الغرب بسلطة حماس، وقيام سلام عربي إسرائيلي، وهي نفسها التي أثيرت قبل عام واتهمت فيها السعودية ظلما.
ما يخص الخلاف الفلسطيني العربي بقيت الرياض في موقف المحايد العاقل الباحث عن حلول بين الأطراف المتنازعة وليس الباحث عن مكاسب، حصل ذلك في الأردن عند اشتعال حرب التمرد الفلسطيني العام 1970 بين التنظيمات الفلسطينية والحكم الأردني فيما عرف بأيلول الأسود.
وفي الحرب الأهلية اللبنانية التي بدأت العام 1975 مرورا بمجزرتي صبرا وشاتيلا 1982، كذلك وقفت السعودية بين المليشيات اللبنانية من جهة والفلسطينية من جهة أخرى وتبنت الوساطات وانتدبت الأمير بندر بن سلطان لهذه الغاية حتى استطاعت إخراج المنظمات بسلام إلى تونس دون مساس بقيادتها الشرعية، كما استكملت مشروعها للسلام في لبنان بين الأطراف المتحاربة المنقسمة طائفيا حتى توصلت لاتفاق الطائف الشهير 1998 الذي أخرج لبنان الحديث الذي نراه اليوم.
في الحرب العربية الإسرائيلية انحازت لعروبتها بمالها ورجالها، ففي حرب 48 أرسل الملك عبدالعزيز الكتائب الذين استشهدوا على الأراضي الفلسطينية، وفي 1967 و1973 قاتل الجيش السعودي مع أشقائه في الجولان وغزة، وحتى في عز الخلاف مع مصر قادت الرياض تمويل الجيش المصري بعد نكسة 1967 حين أعلن الملك فيصل عن دعم غير مسبوق لصالح مصر، صادحا بمقولته الشهيرة للرئيس جمال عبدالناصر «مصر تأمر ولا تطلب يا فخامة الرئيس» ردا على عبدالناصر الذي شرح موقف بلاده وحاجتها الملحة لإعادة بناء الجيش وتضميد الجراح.
في الثورة الجزائرية كانت للسعودية مواقف سياسية وعسكرية واضحة، فإضافة لدعم الثوار بالمال والسلاح، رفع الملك سعود علم الثورة الجزائرية في أروقة الأمم المتحدة خلال انعقاد الجمعية العمومية حاملا قضية الجزائر ومشجعا الأطراف الدولية على تبنيها.
وعند اندلاع الحرب العراقية الإيرانية أبت الرياض إلا الوقوف مع بغداد وساهمت لمدة ثماني سنوات في الدفاع عن البوابة الشرقية للعالم العربي، واقتسمت رزقها ومواردها وأوقفت الكثير من مشاريعها التنموية لصالح المجهود الحربي العراقي.
العام 90 وبعدما انقلب العراق على أشقائه وضعت السعودية مستقبلها في كف الأقدار، وأعلن الملك فهد أن مصير المملكة معلق بمصير الكويت، هل نتذكر مقولته «يا نبقى سوى يا نروح كلنا»، لقد ساهمت الرياض باستضافة نصف مليون جندي ودفعت مئات المليارات لصالح تحرير الكويت.
بالطبع يجب أن لا ننسى كيف أن السعودية وفي العام 1973 وبسبب الانحياز الغربي الفج مع إسرائيل قادت المقاطعة البترولية وأوقفت تصدير النفط عقابا لهم على إهمال قضية الشعب الفلسطيني واحتلال الأراضي العربية، هل نعي أن البترول هو قوت السعوديين وأنهم تخلوا عنه طواعية لصالح أشقائهم وغامروا بمخاطر غزو غربي على بلادهم.
بالطبع كان بإمكان الرياض أن تردد الشعارات الرنانة وتدغدغ مشاعر العرب مهما كانت مطلوبة وبياعة، وتحقق الجماهيرية عبر الإذاعات والقنوات الإخبارية التي تبث الانقسامات وتنحاز للأمنيات، بينما تفعل ما تريد تحت الطاولة، لكن الرياض ترفض ما يخالف مبادئها وأخلاقها وعقيدتها السياسية التي تدعم الدولة العربية القائمة التي ارتضتها شعوبها، ولا تتدخل في شؤون جيرانها، وتنحاز للعقل والمنطق مهما كان مكروها.
إلا أن السؤال سيبقى قائما مع كل موقف سياسي تتبناه الرياض، هل السعودية ظالمة لنفسها بعدم متاجرتها بمواقفها مع أمتها العربية وأشقائها، أم مظلومة لأن أعداءها يشوهون عمدا ما تقدمه بكثير من الغيرة والمكر والانحياز.
* كاتب سعودي
منذ نشوء السعودية الحديثة على يد المغفور له الملك عبدالعزيز وهي تأخذ خطا واضحا محددا في قضاياها العربية، ففي القضية العربية المركزية فلسطين وقفت الرياض بجانب السلطة الشرعية الفلسطينية - منظمة التحرير سابقا، والسلطة حاليا - مع عدم إهمال الأطراف الفاعلة، ولكن ليس على حساب القيادة المركزية وهي تعلن ذلك بصراحة وتقدم خطابا واحدا لا لبس فيه.
في قضية النضال أو الصلح أو السلام تقول الرياض للفلسطينيين نقبل ما تقبلونه ونخطو بعدكم ولا نسبقكم، ورغم ميل الرياض الدائم للسلام فإن كل مبادراتها تأخذ بخاطر الفلسطينيين رغم تراجعهم عن كثير من المكاسب السابقة، وتقبل خياراتهم ولا تعاقبهم على التفريط.
انظروا لزيارات الرؤساء والقيادات الإسرائيلية للدوحة ومسقط وغيرها من العواصم العربية، ولنعد بالذاكرة إلى صفقة القرن التي بدأها الإخوان المسلمين عندما حكموا مصر 2012- 2013 والقاضية باقتسام القدس، والتنازل عن جزء من سيناء لصالح دولة فلسطينية في مقابل تسليم الأراضي في الضفة لإسرائيل، واعتراف الغرب بسلطة حماس، وقيام سلام عربي إسرائيلي، وهي نفسها التي أثيرت قبل عام واتهمت فيها السعودية ظلما.
ما يخص الخلاف الفلسطيني العربي بقيت الرياض في موقف المحايد العاقل الباحث عن حلول بين الأطراف المتنازعة وليس الباحث عن مكاسب، حصل ذلك في الأردن عند اشتعال حرب التمرد الفلسطيني العام 1970 بين التنظيمات الفلسطينية والحكم الأردني فيما عرف بأيلول الأسود.
وفي الحرب الأهلية اللبنانية التي بدأت العام 1975 مرورا بمجزرتي صبرا وشاتيلا 1982، كذلك وقفت السعودية بين المليشيات اللبنانية من جهة والفلسطينية من جهة أخرى وتبنت الوساطات وانتدبت الأمير بندر بن سلطان لهذه الغاية حتى استطاعت إخراج المنظمات بسلام إلى تونس دون مساس بقيادتها الشرعية، كما استكملت مشروعها للسلام في لبنان بين الأطراف المتحاربة المنقسمة طائفيا حتى توصلت لاتفاق الطائف الشهير 1998 الذي أخرج لبنان الحديث الذي نراه اليوم.
في الحرب العربية الإسرائيلية انحازت لعروبتها بمالها ورجالها، ففي حرب 48 أرسل الملك عبدالعزيز الكتائب الذين استشهدوا على الأراضي الفلسطينية، وفي 1967 و1973 قاتل الجيش السعودي مع أشقائه في الجولان وغزة، وحتى في عز الخلاف مع مصر قادت الرياض تمويل الجيش المصري بعد نكسة 1967 حين أعلن الملك فيصل عن دعم غير مسبوق لصالح مصر، صادحا بمقولته الشهيرة للرئيس جمال عبدالناصر «مصر تأمر ولا تطلب يا فخامة الرئيس» ردا على عبدالناصر الذي شرح موقف بلاده وحاجتها الملحة لإعادة بناء الجيش وتضميد الجراح.
في الثورة الجزائرية كانت للسعودية مواقف سياسية وعسكرية واضحة، فإضافة لدعم الثوار بالمال والسلاح، رفع الملك سعود علم الثورة الجزائرية في أروقة الأمم المتحدة خلال انعقاد الجمعية العمومية حاملا قضية الجزائر ومشجعا الأطراف الدولية على تبنيها.
وعند اندلاع الحرب العراقية الإيرانية أبت الرياض إلا الوقوف مع بغداد وساهمت لمدة ثماني سنوات في الدفاع عن البوابة الشرقية للعالم العربي، واقتسمت رزقها ومواردها وأوقفت الكثير من مشاريعها التنموية لصالح المجهود الحربي العراقي.
العام 90 وبعدما انقلب العراق على أشقائه وضعت السعودية مستقبلها في كف الأقدار، وأعلن الملك فهد أن مصير المملكة معلق بمصير الكويت، هل نتذكر مقولته «يا نبقى سوى يا نروح كلنا»، لقد ساهمت الرياض باستضافة نصف مليون جندي ودفعت مئات المليارات لصالح تحرير الكويت.
بالطبع يجب أن لا ننسى كيف أن السعودية وفي العام 1973 وبسبب الانحياز الغربي الفج مع إسرائيل قادت المقاطعة البترولية وأوقفت تصدير النفط عقابا لهم على إهمال قضية الشعب الفلسطيني واحتلال الأراضي العربية، هل نعي أن البترول هو قوت السعوديين وأنهم تخلوا عنه طواعية لصالح أشقائهم وغامروا بمخاطر غزو غربي على بلادهم.
بالطبع كان بإمكان الرياض أن تردد الشعارات الرنانة وتدغدغ مشاعر العرب مهما كانت مطلوبة وبياعة، وتحقق الجماهيرية عبر الإذاعات والقنوات الإخبارية التي تبث الانقسامات وتنحاز للأمنيات، بينما تفعل ما تريد تحت الطاولة، لكن الرياض ترفض ما يخالف مبادئها وأخلاقها وعقيدتها السياسية التي تدعم الدولة العربية القائمة التي ارتضتها شعوبها، ولا تتدخل في شؤون جيرانها، وتنحاز للعقل والمنطق مهما كان مكروها.
إلا أن السؤال سيبقى قائما مع كل موقف سياسي تتبناه الرياض، هل السعودية ظالمة لنفسها بعدم متاجرتها بمواقفها مع أمتها العربية وأشقائها، أم مظلومة لأن أعداءها يشوهون عمدا ما تقدمه بكثير من الغيرة والمكر والانحياز.
* كاتب سعودي