عادة ما يرافق الحروب أصوات الطبول التي تثير حماسة الجنود من جهة، والرعب في نفوس الأعداء من جهة أخرى، حتى يقال باتت تسمع طبول الحرب، أو دقت طبول الحرب، وذلك إيذانا ببدء المعركة أو قرب وقوعها.
وتعمد اليوم الكثير من مصانع الأسلحة، وعند صناعتها لأدوات القتل التي تستخدم في الحروب، إلى إدخال صوت هادر يصم الأذان مع إطلاق نيرانها، تعبيرا عن فتك السلاح، ومستعيضة في الوقت نفسه عن صوت الطبول التي ما كان ليسمع وقعها مع هدير الطائرات وزمجرة محركات الدبابات، فجميع تلك الأصوات ما هي إلا طبول حرب، لكن على النغمة الحديثة.
وهناك الحرب الهادئة، ليس بمعنى الرومانسية، وإنما حروب الاقتصاد والمخابرات، التي تصل فيها فنون القتال لأعلى مستوى، تستطيع فيها قتل شعب من دون إراقة قطرة دم واحدة.
وربما اختارت الولايات المتحدة هذه الحرب مع الصين، فأي مجنون يحارب الصين تقليديا، وهي التي تستطيع تجنيد ما يقارب من نصف عدد جنود العالم، إلا أن قوتها هذه، هي نفس سبب ضعفها.
نعم، الأسرة الكبيرة همها أكبر من مثيلتها الصغيرة، فإذا ما صبرت الصغيرة على قلة الواردات، فإن الكبيرة منها سوف تدخل في المجاعة، وهذا رهان الولايات المتحدة في حربها ضد الصين اقتصاديا.
فواشنطن تريد القول، كما للصبر حدود، فإن للقوة حدودا، فمتى جاوزت الدول حدود القوة المقدرة لها عالميا، عليها عندئذ دفع الضريبة التي تعيدها إلى حجمها، أو يتم فرض إجراءات معينة ضدها، كي تعود إلى نفس الحجم، وفي الحالتين النتيجة واحدة، لكن على الدول التي تتخطى حدود قوتها، البحث عن السبيل الأنسب للعودة إلى الحجم الطبيعي.
وما الحربان العالميتان، إلا كسر قوة وتحجيم نفوذ لعدد من البلدان الأوروبية، وعلى رأسها ألمانيا، كي تذعن للنظام العالمي الجديد الذي يشق طريقه بدءا من مجلس الأمن، وانتهاء بالولايات المتحدة الأمريكية.
وإذا ما كانت الصين تكبح جماح قوتها ذاتيا، عبر الإذعان للشروط الاقتصادية التي تضعها واشنطن، من أجل الحصول على التكنولوجيا والاستثمارات الأمريكية والغربية على أراضيها، فإنها اليوم تقف عاجزة عن كبح هذا الاقتصاد المتنامي الذي بات يمتد خارج الحدود المرسومة له أمريكيا، حتى وصل لأفريقيا، بسبب الحرية التي منحتها حكومة بكين للسوق الصينية، بعد سيطرة الاشتراكية عليه، وهذه السوق المتنامية أصبحت من الصعب الوقوف بوجهها، فالمال يبحث عن الأسواق، ولا تقف عنده حدود.
ومسألة بحث الصين عن تكتلات اقتصادية جديدة لمواجهة الولايات المتحدة، وبحسب وجهة نظري، حلول آنية وغير بعيدة المدى، ذلك أن هذه التكتلات يفرط عقدها بمجرد تلويح الولايات المتحدة بعقوبات على أحد أعضائها، الذين لا يجدون في بكين صديقا يمكن الوثوق به، حيث إنها معروفة ببرجماتيتها على مر التاريخ. ألم تدر الصين الشيوعية ظهرها للاتحاد السوفيتي، على الرغم من مساعدة الأخير لها في ثورتها الحمراء.
فبعد حروب الولايات المتحدة في عهد الرئيسين بوش الأب والابن، وإثبات قوتها وقيادتها للمجتمع الدولي، والفترة الانتقالية الهادئة في عهد الرئيس أوباما، يضطلع اليوم الرئيس ترمب بمهمة الحروب الاقتصادية، التي سوف تأتي بثمار لا تقل عن حروب الجنود والسلاح.
وكما رضخت تركيا للولايات المتحدة في عقوباتها الأخيرة ضد أنقرة، فالصين سوف تبحث عن حل مشترك يرضي واشنطن، وأن اضطرت لتمويل الميزانية الأمريكية من واردها القومي. فقد يأخذ الموضوع تصعيدا ومقاطعة بين الجانبين، إلا أن النتيجة، ستكون الجلوس والرضوخ.
وإذا كان رئيس النظام العراقي السابق صدام حسين قد أعطى للأمريكان الهيبة العسكرية والقيادة في العالم بمغامراته العبثية، فإن إيران سوف تكون عبرة للعالم، تتجسد فيها قوة الولايات المتحدة الاقتصادية، وقدرتها على كسر أي دولة تقف ضد توجهاتها. ولتعلم بكين، أن ترمب لا يفرق بين الصين وإيران، كما أنه لم يفرق بين العراق وكوريا الشمالية.
والصين، ورغم قوتها البشرية والاقتصادية الهائلة التي لا تقارن بأي حال من الأحوال باقتصاد دولة أخرى، تبقى في مرمى نيران قوة الاقتصاد الأمريكي القادر على إيقاف عجلة تنميتها وإرجاعها لسنوات إلى الخلف.
فلا عدو مفترضا ودائما للولايات المتحدة في جميع أدبياتها، سوى روسيا الاتحادية، لما تملكه الأخيرة من قوة تدمير هائلة، وما عداها سوف تبقى مواضيع تسلية للبيت الأبيض، يملأ بها أوقات فراغ موظفيه.
* ينشر هذا المقال بالتزامن مع «سبوتنيك عربي»
وتعمد اليوم الكثير من مصانع الأسلحة، وعند صناعتها لأدوات القتل التي تستخدم في الحروب، إلى إدخال صوت هادر يصم الأذان مع إطلاق نيرانها، تعبيرا عن فتك السلاح، ومستعيضة في الوقت نفسه عن صوت الطبول التي ما كان ليسمع وقعها مع هدير الطائرات وزمجرة محركات الدبابات، فجميع تلك الأصوات ما هي إلا طبول حرب، لكن على النغمة الحديثة.
وهناك الحرب الهادئة، ليس بمعنى الرومانسية، وإنما حروب الاقتصاد والمخابرات، التي تصل فيها فنون القتال لأعلى مستوى، تستطيع فيها قتل شعب من دون إراقة قطرة دم واحدة.
وربما اختارت الولايات المتحدة هذه الحرب مع الصين، فأي مجنون يحارب الصين تقليديا، وهي التي تستطيع تجنيد ما يقارب من نصف عدد جنود العالم، إلا أن قوتها هذه، هي نفس سبب ضعفها.
نعم، الأسرة الكبيرة همها أكبر من مثيلتها الصغيرة، فإذا ما صبرت الصغيرة على قلة الواردات، فإن الكبيرة منها سوف تدخل في المجاعة، وهذا رهان الولايات المتحدة في حربها ضد الصين اقتصاديا.
فواشنطن تريد القول، كما للصبر حدود، فإن للقوة حدودا، فمتى جاوزت الدول حدود القوة المقدرة لها عالميا، عليها عندئذ دفع الضريبة التي تعيدها إلى حجمها، أو يتم فرض إجراءات معينة ضدها، كي تعود إلى نفس الحجم، وفي الحالتين النتيجة واحدة، لكن على الدول التي تتخطى حدود قوتها، البحث عن السبيل الأنسب للعودة إلى الحجم الطبيعي.
وما الحربان العالميتان، إلا كسر قوة وتحجيم نفوذ لعدد من البلدان الأوروبية، وعلى رأسها ألمانيا، كي تذعن للنظام العالمي الجديد الذي يشق طريقه بدءا من مجلس الأمن، وانتهاء بالولايات المتحدة الأمريكية.
وإذا ما كانت الصين تكبح جماح قوتها ذاتيا، عبر الإذعان للشروط الاقتصادية التي تضعها واشنطن، من أجل الحصول على التكنولوجيا والاستثمارات الأمريكية والغربية على أراضيها، فإنها اليوم تقف عاجزة عن كبح هذا الاقتصاد المتنامي الذي بات يمتد خارج الحدود المرسومة له أمريكيا، حتى وصل لأفريقيا، بسبب الحرية التي منحتها حكومة بكين للسوق الصينية، بعد سيطرة الاشتراكية عليه، وهذه السوق المتنامية أصبحت من الصعب الوقوف بوجهها، فالمال يبحث عن الأسواق، ولا تقف عنده حدود.
ومسألة بحث الصين عن تكتلات اقتصادية جديدة لمواجهة الولايات المتحدة، وبحسب وجهة نظري، حلول آنية وغير بعيدة المدى، ذلك أن هذه التكتلات يفرط عقدها بمجرد تلويح الولايات المتحدة بعقوبات على أحد أعضائها، الذين لا يجدون في بكين صديقا يمكن الوثوق به، حيث إنها معروفة ببرجماتيتها على مر التاريخ. ألم تدر الصين الشيوعية ظهرها للاتحاد السوفيتي، على الرغم من مساعدة الأخير لها في ثورتها الحمراء.
فبعد حروب الولايات المتحدة في عهد الرئيسين بوش الأب والابن، وإثبات قوتها وقيادتها للمجتمع الدولي، والفترة الانتقالية الهادئة في عهد الرئيس أوباما، يضطلع اليوم الرئيس ترمب بمهمة الحروب الاقتصادية، التي سوف تأتي بثمار لا تقل عن حروب الجنود والسلاح.
وكما رضخت تركيا للولايات المتحدة في عقوباتها الأخيرة ضد أنقرة، فالصين سوف تبحث عن حل مشترك يرضي واشنطن، وأن اضطرت لتمويل الميزانية الأمريكية من واردها القومي. فقد يأخذ الموضوع تصعيدا ومقاطعة بين الجانبين، إلا أن النتيجة، ستكون الجلوس والرضوخ.
وإذا كان رئيس النظام العراقي السابق صدام حسين قد أعطى للأمريكان الهيبة العسكرية والقيادة في العالم بمغامراته العبثية، فإن إيران سوف تكون عبرة للعالم، تتجسد فيها قوة الولايات المتحدة الاقتصادية، وقدرتها على كسر أي دولة تقف ضد توجهاتها. ولتعلم بكين، أن ترمب لا يفرق بين الصين وإيران، كما أنه لم يفرق بين العراق وكوريا الشمالية.
والصين، ورغم قوتها البشرية والاقتصادية الهائلة التي لا تقارن بأي حال من الأحوال باقتصاد دولة أخرى، تبقى في مرمى نيران قوة الاقتصاد الأمريكي القادر على إيقاف عجلة تنميتها وإرجاعها لسنوات إلى الخلف.
فلا عدو مفترضا ودائما للولايات المتحدة في جميع أدبياتها، سوى روسيا الاتحادية، لما تملكه الأخيرة من قوة تدمير هائلة، وما عداها سوف تبقى مواضيع تسلية للبيت الأبيض، يملأ بها أوقات فراغ موظفيه.
* ينشر هذا المقال بالتزامن مع «سبوتنيك عربي»