-A +A
حسين شبكشي
أعلنت السعودية الميزانية الأكبر في تاريخها منذ أيام، وتواصل وزارة المالية تحسين أسلوب عرض الموازنة العامة للدولة بشكل لائق ومحترم، يمزج بين المهنية والاحترافية واحترام المتلقي. ولقد مرت وزارة المالية بمراحل مختلفة فيها بناء للثقة وانحسارها بحسب أدائها وتطوير أدواتها. بدأت بالوزير عبدالله السليمان الذي وضع اللبنة الأولى للمنظومة المالية، ثم جاء بعده محمد سرور الصبان الذي طور الوزارة لتناسب المرحلة التالية التي توسعت مؤسساتها ومسؤولياتها. ثم توالى على الوزارة الملك فيصل والأمير طلال بن عبدالعزيز والأمير محمد بن سعود، والأمير نواف بن عبدالعزيز والأمير مساعد بن عبدالعزيز، وقد أحدث كل منهم التطورات والإصلاحات التي تقتضيها المرحلة المطلوبة. وبدأت الوزارة تكون الوزارة الأهم والأدق. ثم جاءت بعد ذلك الفترة الأسوأ في تاريخ الوزارة، فترة شهدت عجزاً مالياً، وتوسعاً في النفقات والمشاريع لم تحسن الوزارة إدارته، فأحدثت ارتباكاً مفزعاً في سوق الأعمال مع المقاولين المتعاقدين، وتأخرت عن سداد المستحقات للشركات والمقاولين، ولم تكتفِ بذلك ولكنها تمادت بمعاقبتهم «لتأخرهم» في المشاريع، وهذا «المنطق» سبب شرخاً في الثقة بين قطاع الأعمال والوزارة لفترة غير بسيطة، ناهيك عن قيام الوزارة في صف البنوك على حساب الشركات الوطنية في مطالبتهم لسداد القروض وهذه المستحقات موجودة لدى وزارة المالية، مع عدم إغفال القرار المتعلق بفرض الضرائب على الأجانب الذي أعد على عجالة واضطرت الوزارة للتراجع عنه فوراً. كانت الفترة الأسوأ في تاريخ وزارة المالية، ثم جاء بعدها إبراهيم العساف الذي كانت مهمته إعادة الثقة وبناء المصداقية مجدداً وصولاً للوزير محمد الجدعان، الذي أعاد هندسة الوزارة ودورها. اليوم تأتي الميزانية الأكبر في تاريخ السعودية وأرقامها الإيجابية ونهج الإفصاح ومنهجية المكاشفة المتطورة بشكل مفاجئ ومقبول وإيجابي مما يفتح شهية المتلقي لطلب المزيد من المهنية والحرفية ورفع سقف الطموحات من الوزير ووزارته، حبذا لو أضافت الوزارة بياناً مصاحباً (مرفقاً بإفصاح في مؤتمر صحفي) يوضح فيه أداء كل وزارة من ناحية فعالية الإنفاق، وإذا ما تم تحقيق المطلوب من كل وزارة ضمن ما تم رصده من مبالغ لها، وإذا كان هناك تقصير في تحقيق الأهداف الموضوعة، فيتم توضيح ذلك الأمر، كما يؤمل في أن يتم التخفيض من التركيز على نسبة النمو الاقتصادي وتوجيه الضوء على عدالة توزيع المداخيل على المواطنين خصوصاً مع زيادة المداخيل من الضرائب ومصاريف متنوعة تماماً كما يحصل في موازنات الدول الاسكندنافية التي تركز على عدالة توزيع المداخيل بدلاً من نسبة النمو الاقتصادي. كذلك لو يتم الكشف عن التباين في الأداء بين صندوق الاستثمارات العامة الناجح في جذب الاستثمارات والهيئة العامة للاستثمار التي أقل ما يقال عنها غير موفقة في نفس الهدف. الميزانية بشكلها الجديد تبعث على التفاؤل وتحفز الأمل، والأرقام واعدة والطرح مهني وشفاف وإن كان من حق المتلقي أن يطمح في المزيد.

* كاتب سعودي