تحصل الحكومات على شرعيتها من قوانين ونظم معمول بها، وتكتسب مشروعيتها من أدائها وقبول الناس وتقبلهم لممثليها وقناعتهم بكفاءاتهم ونزاهتهم، ولا يحتاج الإنسان العاقل إلى كثير من التدقيق لمعرفة أسباب الخلل في إدارتها وقدرتها على تقديم ما يحتاجه الناس من خدمات خاصة وارتفاع المستوى الأخلاقي للقائمين على أمرها، وتتزايد ثقة الناس بها إذا ما وجدوا أن المسؤولين يعيشون معهم الهموم ويتلمسون احتياجاتهم ويسهرون على أمنهم ويحرصون على عدم العبث بموارد البلاد، ولا يكفي الحديث المكرر عن المصاعب والمعوقات إذا لم يقترن بأن يكون المسؤول قدوة يرى فيه المواطن الحرص على المال العام واستخدامه الأمثل بما يعود على المجتمع بالمنفعة.
إن من مقومات أي منظومة حكم سوية أن يكون المسؤولون قادرين على أداء مهامهم واقترابهم من الناس والعيش بجوارهم.
وما قد يزيد الموقف سوءاً هو الخلط بين الشأنين العام والخاص حين نجد رجال أعمال يتولون مواقع حساسة في الدولة دون أن يتخلوا عن أعمالهم الخاصة، فيختلط الأمر وتصبح الوظيفة العامة غطاء للانتفاع بها لزيادة المكاسب الخاصة، دون وجود رقابة مالية صارمة ولا قدرة على فحص أعمالهم على المستويين الخاص والعام.
في الحالة اليمنية، يواجه -أحيانا- كل من يتصدى بالنقد للأداء الحكومي، للهجوم من المقربين والمجتهدين تحت غطاء أهمية الحفاظ على تماسك (الشرعية) وضرورة الحرص عليها، لكن هؤلاء يتناسون أن تجاهل تصحيح الأخطاء ومعالجة ما وقع منها يقود إلى ضعفها وتشكك الناس في مقاصدها، والواقع أنه كان من الواجب استخدام أدوات فعالة لمعالجة تعثراتها والعمل على عدم تكرارها، وهو ما لم تحاول فعله كلياً، بل استمرت في الإنفاق دون وجود رقابة مالية صارمة، فأضرت مشروعيتها الوطنية رغم بقاء شرعيتها الدستورية تحت مظلة القرارات الدولية وحرص الأقاليم عليها.
في الطرف المقابل، تمارس سلطة الحوثيين الإنقلابية في مناطق سيطرتها الاستيلاء على كل الموارد المتاحة من الضرائب التجارية وضرائب الدخل على شركات الاتصالات والتبغ والخدمات، وما تتحصله من مبالغ متغيرة في قيمتها تفرضها على التجار ورجال الأعمال والمصانة دون قوانين مكتوبة، وفي الجانب الوظيفي فإنها تمارس تجريفا ممنهجا لكل الكفاءات الإدارية في الجامعات الحكومية ومؤسسات الدولة والقطاع العام وتقوم بعملية إحلال داخلها بفرض مناصريها داخل هياكلها بغض النظر عن أحقيتهم وقدراتهم وكفاءاتهم التعليمية والمهنية، ثم تضيف فوق كل هذا عددا من المشرفين الذين تفوق سلطاتهم على أي وزير، إذ يتحكمون بكافة الإجراءات المالية خصوصا والإدارية عموما.
يرى البعض أن وضع طرفي الصراع في كفتي ميزان ليس واقعيا لأن -كما قال لي صديق خبير في الإدارة- الحكومة مطالبة في كل الأحوال أن تكون نموذجا لتطبيق القوانين والحرص على المال العام وعدم العبث به، وليس منطقيا أن يكون أمر خرق القواعد عملا يتنافس فيه الطرفان، كما لا يجب النظر بعين واحدة إلى جهات شرعية وأخرى خارجة عنها.
إن من واجب (الشرعية) الاجتهاد والسعي الجاد والعاجل لتنقية قوائمها في كافة الأجهزة المدنية والعسكرية من المخالفات المالية والإدارية، وأن تتوقف عن التعيينات المثيرة للجدل، فهي تتحمل المسؤولية الأخلاقية والدستورية في هذا الخصوص بغض النظر عما تفعله جماعة الحوثي المتمردة، والأهم هو عودة جميع مسؤولي الدولة إلى الداخل وممارسة عملهم من المناطق البعيدة عن سيطرة الحوثيين، فبدون هذا سيتزايد السخط عليهم وعلى الشرعية التي يمثلونها ويحلم بها اليمنيون، وسيجعل الكيد منهم سهلا ومتاحا.
* كاتب يمني وسفير سابق
إن من مقومات أي منظومة حكم سوية أن يكون المسؤولون قادرين على أداء مهامهم واقترابهم من الناس والعيش بجوارهم.
وما قد يزيد الموقف سوءاً هو الخلط بين الشأنين العام والخاص حين نجد رجال أعمال يتولون مواقع حساسة في الدولة دون أن يتخلوا عن أعمالهم الخاصة، فيختلط الأمر وتصبح الوظيفة العامة غطاء للانتفاع بها لزيادة المكاسب الخاصة، دون وجود رقابة مالية صارمة ولا قدرة على فحص أعمالهم على المستويين الخاص والعام.
في الحالة اليمنية، يواجه -أحيانا- كل من يتصدى بالنقد للأداء الحكومي، للهجوم من المقربين والمجتهدين تحت غطاء أهمية الحفاظ على تماسك (الشرعية) وضرورة الحرص عليها، لكن هؤلاء يتناسون أن تجاهل تصحيح الأخطاء ومعالجة ما وقع منها يقود إلى ضعفها وتشكك الناس في مقاصدها، والواقع أنه كان من الواجب استخدام أدوات فعالة لمعالجة تعثراتها والعمل على عدم تكرارها، وهو ما لم تحاول فعله كلياً، بل استمرت في الإنفاق دون وجود رقابة مالية صارمة، فأضرت مشروعيتها الوطنية رغم بقاء شرعيتها الدستورية تحت مظلة القرارات الدولية وحرص الأقاليم عليها.
في الطرف المقابل، تمارس سلطة الحوثيين الإنقلابية في مناطق سيطرتها الاستيلاء على كل الموارد المتاحة من الضرائب التجارية وضرائب الدخل على شركات الاتصالات والتبغ والخدمات، وما تتحصله من مبالغ متغيرة في قيمتها تفرضها على التجار ورجال الأعمال والمصانة دون قوانين مكتوبة، وفي الجانب الوظيفي فإنها تمارس تجريفا ممنهجا لكل الكفاءات الإدارية في الجامعات الحكومية ومؤسسات الدولة والقطاع العام وتقوم بعملية إحلال داخلها بفرض مناصريها داخل هياكلها بغض النظر عن أحقيتهم وقدراتهم وكفاءاتهم التعليمية والمهنية، ثم تضيف فوق كل هذا عددا من المشرفين الذين تفوق سلطاتهم على أي وزير، إذ يتحكمون بكافة الإجراءات المالية خصوصا والإدارية عموما.
يرى البعض أن وضع طرفي الصراع في كفتي ميزان ليس واقعيا لأن -كما قال لي صديق خبير في الإدارة- الحكومة مطالبة في كل الأحوال أن تكون نموذجا لتطبيق القوانين والحرص على المال العام وعدم العبث به، وليس منطقيا أن يكون أمر خرق القواعد عملا يتنافس فيه الطرفان، كما لا يجب النظر بعين واحدة إلى جهات شرعية وأخرى خارجة عنها.
إن من واجب (الشرعية) الاجتهاد والسعي الجاد والعاجل لتنقية قوائمها في كافة الأجهزة المدنية والعسكرية من المخالفات المالية والإدارية، وأن تتوقف عن التعيينات المثيرة للجدل، فهي تتحمل المسؤولية الأخلاقية والدستورية في هذا الخصوص بغض النظر عما تفعله جماعة الحوثي المتمردة، والأهم هو عودة جميع مسؤولي الدولة إلى الداخل وممارسة عملهم من المناطق البعيدة عن سيطرة الحوثيين، فبدون هذا سيتزايد السخط عليهم وعلى الشرعية التي يمثلونها ويحلم بها اليمنيون، وسيجعل الكيد منهم سهلا ومتاحا.
* كاتب يمني وسفير سابق