قبل ثلاث سنوات قال الرئيس الأمريكي دونالد ترمب حين ترشحه عن الحزب الجمهوري للانتخابات الرئاسية الأمريكية السابقة في حوار مع قناة «سي إن إن» بتاريخ 25 أكتوبر 2015، إن العالم كان سيكون أفضل وأكثر أماناً لو بقي الديكتاتوران صدام حسين ومعمر القذافي في السلطة، مؤكداً أنه لم يكن آنذاك في العراق إرهابيون لأن صدام حسين كان يقتلهم على الفور، والآن أصبح العراق مرتعاً للإرهاب، وأن العراق وليبيا خرجتا عن السيطرة، وأن الشرق الأوسط عاد إلى العصور الوسطى وأصبح يشهد موجة عنف وحشية لم يسبق لها مثيل منذ آلاف السنين، وقال إن الناس هناك «يجري قطع رؤوسهم وإغراقهم في الأقفاص»، معتبرا أن ما يجري في ليبيا والعراق وسورية والشرق الأوسط برمته «كارثة».
وقبل أكثر من أربع سنوات، وتحديداً بتاريخ 23 أبريل 2014، قال الرئيس السوري بشار الأسد في لقاء مع مجموعة من رجال الدين وأئمة وخطباء المساجد من مختلف المحافظات السورية، إن الآفة التي أصابت العالم الإسلامي هي آفة الإسلام السياسي، وسقوطه سيعيد الإسلام إلى دوره الطبيعي، وهو الدعوة، وأن مواجهة التطرف والإرهاب لا يكون فقط عبر إدانتهما وتفنيدهما، بل من خلال ترسيخ مبادئ الدين الصحيح المعتدل القائم على الأخلاق والفهم العميق للإسلام، ومن خلال تجديد الفكر الديني، بما يتماشى مع تطور المجتمع عبر استخدام العقل والمنطق والحوار المنفتح على الآخر، موضحاً أن هناك سياسة إسلامية ربما في مجالات الحياة المختلفة، ولكن الإسلام السياسي شيء مختلف، فالإسلام شيء إلهي، والسياسة شيء بشري، والإسلام أتى من أجل كل البشر، وليس من أجل فئات محددة، أما السياسة فتخدم شخصاً أو فئة من الأشخاص، والإسلام أتى لأجل طويل، طوله بطول بقاء البشرية على الأرض، أما السياسة محددة بزمن محدد، فما هو صحيح اليوم قد يكون خاطئاً غداً، والإسلام صافٍ لا يمثل مصالح محددة، أما السياسة فتتبع الأهواء والنزوات والأخطاء البشرية، «فكيف نربط السياسة مع الإسلام بهذا الشكل؟ هذا بحد ذاته فيه تقزيم للدين، والدين أعلى، ولا يمكن أن يكون بشكل أو بآخر جزءاً من السياسة، فإذن الإسلام السياسي هو ليس شكل حكم، لا حزب ولا دولة»، خاتماً: «نحن لا نستغل الدين عندما نقول إن الدستور يحكم بحسب الشريعة الإسلامية، لذلك فإن سقوط الإسلام السياسي هو خدمة للدين، فهو آفة وعقبة ومشكلة، هو جرثومة دخلت إلى عقول المسلمين وخروجه وسقوطه يعني استعادة الإسلام لموقعه الطبيعي، وعودته لعمله الدعوي، العمل الحقيقي هو دعوة، أنتم -وبقصد رجال الدين- تقومون بالدعوة، فإذن كما قلت قبل أسطر، أنتم مسلمون ولكنكم لستم إسلاميون، وأنا مسلم ولست إسلامياً».
ولا شك أن الكثيرين يتحفظون على ما قاله ترمب والأسد، فالأول سياسة بلاده تنادي بتطبيق الديمقراطية في الشرق الأوسط، وكانت أحد المساهمين الرئيسيين في إسقاط الأنظمة الشمولية في المنطقة، بينما الثاني سفَّاح ابن سفَّاح وديكتاتور ابن ديكتاتور، قتل عشرات الآلاف وشرد أضعافهم، ولكن بالرغم من بغاضة أصحاب كلا الخطابين، و أن كلامهما على حق يراد به باطل، إلا أن صلب المضامين «عقلانية ومنطقية» حتى إن كفر من نطق بها.
فحين نسلط الضوء على حديث ترمب، سنجد أن تطبيق الديمقراطية كبديل للأنظمة الشمولية هو حلم بعيد المنال في ظل آفات الطائفية والمذهبية والطبقية وجماعات الإسلام السياسي المتجذرة في المجتمعات الشرق الأوسطية التي جعلت من «الديمقراطية» المنتج السياسي الأكثر فتكاً بالبشر، حيث لا توجد أي ديمقراطية وفقاً للمفاهيم السائدة عنها، في أي دولة عربية، وكل من اختزل مفهوم الديمقراطية في أنها انتخابات تشريعية ورئاسية مخطئ، فالديمقراطية التي طبقت في عالمنا العربي بعيدة تماماً عن مفاهيم وقيم الديمقراطية من حيث العدل والمساواة وتكافؤ الفرص، وأفضى تطبيقها إلى «محاصصة» و«توافق» على أسس طائفية ومذهبية وعرقية كما في لبنان والعراق، وهناك من يظن أن تونس قدمت النموذج الأمثل للديمقراطية، ولكنهم لا يدركون أنه بمجرد وجود «الإخوان» كحزب سياسي، فهذا يعني أن هناك قنبلة موقوتة لنسف الديمقراطية، فجماعة الإخوان فصيل هرمي يدين بولاء والطاعة العمياء للمرشد، وبمجرد الوصول لسدة الحكم سيشرع في أخونة مفاصل الشارع على أسس «عقائدية»، وعليه ستكون الديمقراطية المنشودة مجرد «كوبري» للوصول إلى السلطة والسيطرة التامة وتكفير الخصوم وفرض ما يصفونه كذبا بأنها تشريعات إلهية، ستبقيهم بتأويل النصوص وحد السيف إلى أبد الآبدين.
ولو نظرنا بتمعن إلى ذلك الخطاب القديم الذي طرحه بشار الأسد حول الإسلام السياسي، سنجد أن ما يجبرنا على هضم ذلك العلقم هو البدائل المريعة التي طغت على المشهد خلال الصراع الدامي الذي استمر لسبع سنوات وجعل من سورية ساحة لحرب كونية بقيادة الولايات المتحدة وحلفائها من ناحية وروسيا وحلفائها من جانب آخر، وجميعهم واجهوا عدواً واحداً في غاية التوحش والدموية، وهو الإرهاب الذي خلفه الإسلام السياسي، الذي أثبت للقاصي والداني أنه أشد بأساً وبطشاً من بشار وأبيه وصدام والقذافي مجتمعين.
لذلك سارعت عددا من الدول الخليجية والعربية للتطبيع مع نظام الأسد بمجرد التقاط أنفاسه، باعتبار أن ممارسة السياسة تستوجب أحيانا حكمة تشرشل: «في عالم السياسة ليس هناك عدو دائم أو صديق دائم.. هناك مصالح دائمة»، ولسان حال هذه الدول في هذا الوضع البائس: «ريحة ..... ولا عدمه».
* كاتب سعودي
ktashkandi@okaz.com.sa
@khalid_tashkndi
وقبل أكثر من أربع سنوات، وتحديداً بتاريخ 23 أبريل 2014، قال الرئيس السوري بشار الأسد في لقاء مع مجموعة من رجال الدين وأئمة وخطباء المساجد من مختلف المحافظات السورية، إن الآفة التي أصابت العالم الإسلامي هي آفة الإسلام السياسي، وسقوطه سيعيد الإسلام إلى دوره الطبيعي، وهو الدعوة، وأن مواجهة التطرف والإرهاب لا يكون فقط عبر إدانتهما وتفنيدهما، بل من خلال ترسيخ مبادئ الدين الصحيح المعتدل القائم على الأخلاق والفهم العميق للإسلام، ومن خلال تجديد الفكر الديني، بما يتماشى مع تطور المجتمع عبر استخدام العقل والمنطق والحوار المنفتح على الآخر، موضحاً أن هناك سياسة إسلامية ربما في مجالات الحياة المختلفة، ولكن الإسلام السياسي شيء مختلف، فالإسلام شيء إلهي، والسياسة شيء بشري، والإسلام أتى من أجل كل البشر، وليس من أجل فئات محددة، أما السياسة فتخدم شخصاً أو فئة من الأشخاص، والإسلام أتى لأجل طويل، طوله بطول بقاء البشرية على الأرض، أما السياسة محددة بزمن محدد، فما هو صحيح اليوم قد يكون خاطئاً غداً، والإسلام صافٍ لا يمثل مصالح محددة، أما السياسة فتتبع الأهواء والنزوات والأخطاء البشرية، «فكيف نربط السياسة مع الإسلام بهذا الشكل؟ هذا بحد ذاته فيه تقزيم للدين، والدين أعلى، ولا يمكن أن يكون بشكل أو بآخر جزءاً من السياسة، فإذن الإسلام السياسي هو ليس شكل حكم، لا حزب ولا دولة»، خاتماً: «نحن لا نستغل الدين عندما نقول إن الدستور يحكم بحسب الشريعة الإسلامية، لذلك فإن سقوط الإسلام السياسي هو خدمة للدين، فهو آفة وعقبة ومشكلة، هو جرثومة دخلت إلى عقول المسلمين وخروجه وسقوطه يعني استعادة الإسلام لموقعه الطبيعي، وعودته لعمله الدعوي، العمل الحقيقي هو دعوة، أنتم -وبقصد رجال الدين- تقومون بالدعوة، فإذن كما قلت قبل أسطر، أنتم مسلمون ولكنكم لستم إسلاميون، وأنا مسلم ولست إسلامياً».
ولا شك أن الكثيرين يتحفظون على ما قاله ترمب والأسد، فالأول سياسة بلاده تنادي بتطبيق الديمقراطية في الشرق الأوسط، وكانت أحد المساهمين الرئيسيين في إسقاط الأنظمة الشمولية في المنطقة، بينما الثاني سفَّاح ابن سفَّاح وديكتاتور ابن ديكتاتور، قتل عشرات الآلاف وشرد أضعافهم، ولكن بالرغم من بغاضة أصحاب كلا الخطابين، و أن كلامهما على حق يراد به باطل، إلا أن صلب المضامين «عقلانية ومنطقية» حتى إن كفر من نطق بها.
فحين نسلط الضوء على حديث ترمب، سنجد أن تطبيق الديمقراطية كبديل للأنظمة الشمولية هو حلم بعيد المنال في ظل آفات الطائفية والمذهبية والطبقية وجماعات الإسلام السياسي المتجذرة في المجتمعات الشرق الأوسطية التي جعلت من «الديمقراطية» المنتج السياسي الأكثر فتكاً بالبشر، حيث لا توجد أي ديمقراطية وفقاً للمفاهيم السائدة عنها، في أي دولة عربية، وكل من اختزل مفهوم الديمقراطية في أنها انتخابات تشريعية ورئاسية مخطئ، فالديمقراطية التي طبقت في عالمنا العربي بعيدة تماماً عن مفاهيم وقيم الديمقراطية من حيث العدل والمساواة وتكافؤ الفرص، وأفضى تطبيقها إلى «محاصصة» و«توافق» على أسس طائفية ومذهبية وعرقية كما في لبنان والعراق، وهناك من يظن أن تونس قدمت النموذج الأمثل للديمقراطية، ولكنهم لا يدركون أنه بمجرد وجود «الإخوان» كحزب سياسي، فهذا يعني أن هناك قنبلة موقوتة لنسف الديمقراطية، فجماعة الإخوان فصيل هرمي يدين بولاء والطاعة العمياء للمرشد، وبمجرد الوصول لسدة الحكم سيشرع في أخونة مفاصل الشارع على أسس «عقائدية»، وعليه ستكون الديمقراطية المنشودة مجرد «كوبري» للوصول إلى السلطة والسيطرة التامة وتكفير الخصوم وفرض ما يصفونه كذبا بأنها تشريعات إلهية، ستبقيهم بتأويل النصوص وحد السيف إلى أبد الآبدين.
ولو نظرنا بتمعن إلى ذلك الخطاب القديم الذي طرحه بشار الأسد حول الإسلام السياسي، سنجد أن ما يجبرنا على هضم ذلك العلقم هو البدائل المريعة التي طغت على المشهد خلال الصراع الدامي الذي استمر لسبع سنوات وجعل من سورية ساحة لحرب كونية بقيادة الولايات المتحدة وحلفائها من ناحية وروسيا وحلفائها من جانب آخر، وجميعهم واجهوا عدواً واحداً في غاية التوحش والدموية، وهو الإرهاب الذي خلفه الإسلام السياسي، الذي أثبت للقاصي والداني أنه أشد بأساً وبطشاً من بشار وأبيه وصدام والقذافي مجتمعين.
لذلك سارعت عددا من الدول الخليجية والعربية للتطبيع مع نظام الأسد بمجرد التقاط أنفاسه، باعتبار أن ممارسة السياسة تستوجب أحيانا حكمة تشرشل: «في عالم السياسة ليس هناك عدو دائم أو صديق دائم.. هناك مصالح دائمة»، ولسان حال هذه الدول في هذا الوضع البائس: «ريحة ..... ولا عدمه».
* كاتب سعودي
ktashkandi@okaz.com.sa
@khalid_tashkndi