ثمة حاجة لإعادة النظر في كثير من التنظيرات التي تناولت النهضة وتحولات النهضة في عالمنا العربي خاصة مع كل التحولات التي شهدتها المنطقة منذ ثمانينات القرن الماضي. ولم تؤسس العواصم العربية التقليدية لأي مشروع نهضوي حقيقي ولم تمثل مركزا ومنطلقا للقيم المستقبلية الحقيقية المحورية كالاعتدال والحريات والتنوع والتسامح بل ما حدث واقعا كان على العكس من ذلك، وكانت الثورة الإيرانية متحولا كبيرا في المنطقة جلبت معها نموذجا متخلفا للحكم ألقى بظلاله في المنطقة وأسهم في إيقاظ وانتعاش جماعات الإسلام السياسي التي قادت نشاطاً مجتمعياً وخطابات أسهمت في صعود التشدد السلوكي والفكري في المجتمعات العربية، كما أن الحالة السياسية غير المستقرة في كثير من العواصم التقليدية واستشراء القمع والفساد وسع من رقعة الارتداد الحضاري المدني في تلك العواصم؛ تراجع التعليم وتراجعت الفنون وتحولت كثير من الأفكار والتنظيرات التي تكتب عن النهضة والتطور أشبه بالبكائيات وحتى مدارس وجهود نقد التراث ظلت خائفة نوعا ما ولم تواجه المعضلات الثقافية والفكرية الكبرى في التراث العربي، وتصدى خطاب التشدد لكل المحاولات الفكرية النظرية واستطاع خطاب الوعظ والتشدد أن يشكل ذهنية بائسة وحادة وغير متسامحة. وفيما هيمن الفقر وانخفاض مستوى المعيشة في تلك العواصم على حياة الكثيرين وجدت الجماعات الإسلامية المتطرفة مناخا خصبا للعمل والانتشار وتكريس فكرة أن كل ما يحدث بسبب أن الأنظمة الحاكمة ليست أنظمة إسلامية تحكم بما أنزل الله، فيما أسهمت قوى غربية ودولية في بناء وترويج تبرير لا يقل خطورة عن السابق وهو أن كل ما يحدث في المنطقة العربية بسبب غياب الديمقراطية وأن الأنظمة غير منتخبة وتحولت تلك التبريرات إلى مشاريع وخطط عمل لم تجلب للمنطقة إلا مزيدا من التخلف والفوضى والدمار، وكان التجلي الأكبر لكل ذلك ما شهدته تلك العواصم العربية منذ اندلاع أحداث الفوضى عام 2011.
على مدى تلك الأعوام وأيضا منذ ثمانينات القرن الماضي كانت تتشكل تجارب جديدة في المنطقة تقودها عواصم جديدة أدركت مبكرا أن السبيل الأمثل للبناء والتنمية والمستقبل والأمن يتمثل في تعزيز ودعم الدولة الوطنية الحديثة، لا في جماعات الإسلام السياسي ولا في المظاهر الديمقراطية والشعائر الانتخابية الفارغة، ومع امتلاء الفضاء العربي المحيط بتلك العواصم الجديدة بتجارب فاشلة ومتردية اتخذت لنفسها خطا واضحا تعرضت معه لكثير من التحديات والصعوبات إلا أنها نجحت في النهاية.
الرياض، أبوظبي، دبي والمنامة وغيرها من الحواضر العربية الجديدة كانت واضحة جدا في مواجهة التطرّف والإرهاب واتجهت سياسيا لبناء ما يمكن وصفه بأنظمة الحكم التنموي الرشيد الذي يحظى بعمق وامتداد اجتماعي في أوساطه التي وبالرغم من تعقيداتها القبلية والاجتماعية استطاعت تلك الأنظمة أن تبني معهم نماذج حضارية تعلي من شأن التنوع والاعتدال وتجعل من التنمية والرفاه والأمن تطلعاً مستقبلياً مستمراً.
اليوم يعيش ويعمل الملايين من كل العالم ومن العواصم العربية التقليدية في تلك العواصم الجديدة التي تواصل باستمرار معركتها ضد التطرّف والتشدد وتواجه تحدياتها التنموية باتجاه المستقبل، وتعلي من قيم التسامح والتنوع والاعتدال لتمثل بذلك النموذج الجديد في المنطقة الذي يمكن أن يراهن عليه العالم في تحالفاته وبناء مستقبل أكثر رشدا وانطلاقا.
* كاتب سعودي
على مدى تلك الأعوام وأيضا منذ ثمانينات القرن الماضي كانت تتشكل تجارب جديدة في المنطقة تقودها عواصم جديدة أدركت مبكرا أن السبيل الأمثل للبناء والتنمية والمستقبل والأمن يتمثل في تعزيز ودعم الدولة الوطنية الحديثة، لا في جماعات الإسلام السياسي ولا في المظاهر الديمقراطية والشعائر الانتخابية الفارغة، ومع امتلاء الفضاء العربي المحيط بتلك العواصم الجديدة بتجارب فاشلة ومتردية اتخذت لنفسها خطا واضحا تعرضت معه لكثير من التحديات والصعوبات إلا أنها نجحت في النهاية.
الرياض، أبوظبي، دبي والمنامة وغيرها من الحواضر العربية الجديدة كانت واضحة جدا في مواجهة التطرّف والإرهاب واتجهت سياسيا لبناء ما يمكن وصفه بأنظمة الحكم التنموي الرشيد الذي يحظى بعمق وامتداد اجتماعي في أوساطه التي وبالرغم من تعقيداتها القبلية والاجتماعية استطاعت تلك الأنظمة أن تبني معهم نماذج حضارية تعلي من شأن التنوع والاعتدال وتجعل من التنمية والرفاه والأمن تطلعاً مستقبلياً مستمراً.
اليوم يعيش ويعمل الملايين من كل العالم ومن العواصم العربية التقليدية في تلك العواصم الجديدة التي تواصل باستمرار معركتها ضد التطرّف والتشدد وتواجه تحدياتها التنموية باتجاه المستقبل، وتعلي من قيم التسامح والتنوع والاعتدال لتمثل بذلك النموذج الجديد في المنطقة الذي يمكن أن يراهن عليه العالم في تحالفاته وبناء مستقبل أكثر رشدا وانطلاقا.
* كاتب سعودي