في تقرير تلفزيوني طريف متداول في شبكات التواصل تسأل مذيعة شخصاً مسناً في أحد شوارع إسطنبول عن الأحوال في بلاده فيرفض الإجابة ويضع ساعديه على بعضهما ويمدهما باتجاه الكاميرا في إشارة إلى «تقييد اليدين بالكلبشات»، قاصداً بذلك أنه لو تكلم سوف يُقاد إلى السجن وهو رجل بلغ من العمر عتياً ولايرغب في مواجهة هذا المصير.
هذا المشهد التراجيدي الذي طاف العالم يكشف حقيقة الأوضاع الداخلية في تركيا اليوم، وهو الأمر الذي عززه تقرير نشرته صحيفة «نيويورك تايمز» أمس الأول أكد أن هناك ربع مليون تركي من الأثرياء ورجال الأعمال فروا خلال العام الماضي فقط بأموالهم وممتلكاتهم من بلادهم خوفاً على مصيرهم ومستقبل أبنائهم وهو ارتفاع مرعب في نسبة المهاجرين الأتراك خلال عام واحد، إذ بلغ فارق الزيادة عن العام الذي سبقه نحو 40%.
هذا الهروب الجماعي للأتراك من بلادهم في جنح الظلام خوفاً من السجن وضياع المستقبل ليس سوى نتيجة طبيعية لحملة القمع التاريخية غير مسبوقة التي دخلت عامها الثالث بقيادة حزب العدالة والتنمية الحاكم، على خلفية ما سُمي بمحاولة الانقلاب، ويأتي كل ذلك بجانب الخوف الشعبي التركي المتزايد من تآكل الثروات في ظل الأوضاع الاقتصادية المتردية وانهيار سعر الليرة المتواصل وسط توقعات بأن يتزايد بشكل كبير خلال العام الحالي.
الطريف أن كل هذا يتزامن مع إعلان تركيا عن بيع جنسيتها لمن يرغب مقابل 250 ألف دولار تقريباً أو شراء عقار على أراضيها، في محاولة يائسة لجذب رؤوس الأموال الساخنة على أمل أن تسند الليرة التركية المتدهورة، وهذا نوع من الفنتازيا المثيرة للسخرية، إذ من الأولى إقناع الشعب الهارب زرافات ووحدانا بالعدول عن ذلك بتوفير الحياة الكريمة له ورفع حالة القمع عنه، بدلاً من محاولة استيراد شعب جديد وبيع جوازات السفر التركية في مكاتب العقار والسمسرة.
تقرير «نيويورك تايمز» أشار إلى أن معظم الأتراك الهاربين من بلادهم انتقلوا إلى أوروبا أو الإمارات العربية المتحدة، كما تم إدراج مدينة إسطنبول، ضمن قائمة سبع مدن في جميع أنحاء العالم تعاني من نزوح جماعي للأثرياء، مضيفاً: «إذا نظر المرء إلى أي انهيار كبير في تاريخ البلاد، فإنه يسبقه عادة هجرة الأثرياء بعيداً عن ذلك البلد».
وبدلاً من محاولة دراسة وحل هذه المشكلة التاريخية الخطيرة قبل انهيار البلاد وضياع حياة العباد ذهب الرئيس التركي أردوغان لوصف شعبه الهارب بــ«الخونة»، ما يعني أن مصيراً قاتماً بانتظار هذه الدولة في ظل تعنت حكومتها والتزامها بمشروع ظلامي ماضوي واختناق شعبها اقتصاديا وسياسياً، لكن العقلاء يعرفون جيدا أن هذه الطريق المسدودة نهايتها عادة انفجار الوضع في الدولة وانهيارها من الداخل بثورة أو حرب أهلية كما حدث في سوريا وليبيا وغيرهما من الدول ما لم تحدث معجزة.
Hani_DH@
gm@mem-sa.com
هذا المشهد التراجيدي الذي طاف العالم يكشف حقيقة الأوضاع الداخلية في تركيا اليوم، وهو الأمر الذي عززه تقرير نشرته صحيفة «نيويورك تايمز» أمس الأول أكد أن هناك ربع مليون تركي من الأثرياء ورجال الأعمال فروا خلال العام الماضي فقط بأموالهم وممتلكاتهم من بلادهم خوفاً على مصيرهم ومستقبل أبنائهم وهو ارتفاع مرعب في نسبة المهاجرين الأتراك خلال عام واحد، إذ بلغ فارق الزيادة عن العام الذي سبقه نحو 40%.
هذا الهروب الجماعي للأتراك من بلادهم في جنح الظلام خوفاً من السجن وضياع المستقبل ليس سوى نتيجة طبيعية لحملة القمع التاريخية غير مسبوقة التي دخلت عامها الثالث بقيادة حزب العدالة والتنمية الحاكم، على خلفية ما سُمي بمحاولة الانقلاب، ويأتي كل ذلك بجانب الخوف الشعبي التركي المتزايد من تآكل الثروات في ظل الأوضاع الاقتصادية المتردية وانهيار سعر الليرة المتواصل وسط توقعات بأن يتزايد بشكل كبير خلال العام الحالي.
الطريف أن كل هذا يتزامن مع إعلان تركيا عن بيع جنسيتها لمن يرغب مقابل 250 ألف دولار تقريباً أو شراء عقار على أراضيها، في محاولة يائسة لجذب رؤوس الأموال الساخنة على أمل أن تسند الليرة التركية المتدهورة، وهذا نوع من الفنتازيا المثيرة للسخرية، إذ من الأولى إقناع الشعب الهارب زرافات ووحدانا بالعدول عن ذلك بتوفير الحياة الكريمة له ورفع حالة القمع عنه، بدلاً من محاولة استيراد شعب جديد وبيع جوازات السفر التركية في مكاتب العقار والسمسرة.
تقرير «نيويورك تايمز» أشار إلى أن معظم الأتراك الهاربين من بلادهم انتقلوا إلى أوروبا أو الإمارات العربية المتحدة، كما تم إدراج مدينة إسطنبول، ضمن قائمة سبع مدن في جميع أنحاء العالم تعاني من نزوح جماعي للأثرياء، مضيفاً: «إذا نظر المرء إلى أي انهيار كبير في تاريخ البلاد، فإنه يسبقه عادة هجرة الأثرياء بعيداً عن ذلك البلد».
وبدلاً من محاولة دراسة وحل هذه المشكلة التاريخية الخطيرة قبل انهيار البلاد وضياع حياة العباد ذهب الرئيس التركي أردوغان لوصف شعبه الهارب بــ«الخونة»، ما يعني أن مصيراً قاتماً بانتظار هذه الدولة في ظل تعنت حكومتها والتزامها بمشروع ظلامي ماضوي واختناق شعبها اقتصاديا وسياسياً، لكن العقلاء يعرفون جيدا أن هذه الطريق المسدودة نهايتها عادة انفجار الوضع في الدولة وانهيارها من الداخل بثورة أو حرب أهلية كما حدث في سوريا وليبيا وغيرهما من الدول ما لم تحدث معجزة.
Hani_DH@
gm@mem-sa.com