كما نعرف، فإن «قوة» أي دولة تنقسم إلى نوعين: القوة «الخشنة» والتي تتمثل في نوعية وكم السكان، الموقع الجغرافي، الموارد الطبيعية، القدرات التقنية والصناعية، الإمكانات العسكرية، النظام السياسي. وهناك «القوة الناعمة» التي تعني ما للدولة من قوة معنوية وروحية... تتجسد في: ما تطرحه وتقدمه وتتمسك به من قيم وعقائد ومبادئ وأساليب إنسانية حضارية، وثقافة وأدب وفن، ومساعدات اقتصادية وإنسانية واجتماعية... تلقى الاستحسان والتقدير، ومن ثم الدعم والتأييد لمصادرها. ولقد أصبح التمسك بمبادئ حقوق الإنسان المعروفة، والالتزام بتطبيقها، أكبر عناصر القوة الناعمة لأي دولة في هذا العصر.
وتسعى كل دولة لضمان بقائها عبر العمل الدؤوب على تقوية ذاتها، بتقوية كل عناصر القوة لديها، ومن ذلك القوة المسلحة. فأي دولة إنما هي في سعي دائم لاكتساب القوة، التي تعتبر في العلاقات الدولية هدفاً ووسيلة في ذات الوقت، حتى عرفت «العلاقات الدولية» بأنها: «صراع الدول من أجل القوة». القوة هدف، ووسيلة لتحقيق مزيد من القوة.
وبالنسبة لأسلحة القوة العسكرية، فإنها تنقسم إلى: أسلحة تقليدية، أسلحة فوق تقليدية، أسلحة إستراتيجية (أسلحة الدمار الشامل). والأخيرة تقسم إلى ثلاثة أنواع: السلاح الكيميائي، السلاح البيولوجي، السلاح النووي. والنوع الأخير هو الأفدح والأكثر تدميراً، وغالباً ما يعطي الدولة التي تمتلكه رادعاً منيعاً، ضد خصومها ومنافسيها. ورغم أن دون حيازته خرط القتاد (هذا السلاح لا يباع ولا يشترى) إلا أن هناك دولاً تصر على امتلاكه، بسبب الدوافع التي نتحدث عنها هنا.
***
لماذا تسعى بعض الدول، وخاصة النامية، لامتلاك سلاح نووي؟! هناك ثلاثة «دوافع» (أسباب) رئيسة تدفع أي دولة لامتلاك هذا السلاح، هي: الدافع الأمني – السياسي، الدافع الاقتصادي، الدافع المعنوي – النفسي. وسنحاول في هذا المقال، والذي يليه، تطبيق هذا المدخل على إحدى دول العالم النامي، وهي كوريا الشمالية.
يعود اهتمام كوريا الشمالية بالطاقة النووية، بشقها العسكري، إلى عام 1955م، عندما قررت حكومة كوريا الشمالية سراً امتلاك هذا السلاح، كسلاح رادع، تجاه التهديدات الأمريكية المتصاعدة حينئذ. وفي بداية الستينات من القرن الماضي اكتشفت الاستخبارات الأمريكية النشاط النووي الكوري الشمالي العسكري أصلاً، وبدأت في ممارسة ضغوط مكثفة على كوريا الشمالية، أثمرت انضمام الأخيرة إلى معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية عام 1992م، مع رفض التوقيع على اتفاقية إجراءات الحماية مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية. وفي العام التالي، أعلنت كوريا الشمالية عزمها على الانسحاب من معاهدة حظر الانتشار النووي، ولكنها تراجعت عن الانسحاب، تحت ضغوط أمريكية شديدة.
***
ومنذ العام 1985م عادت كوريا الشمالية للتهديد بالانسحاب من معاهدة الحظر. وفي العام 1993م نفذت تهديدها، وانسحبت. وشرعت في العمل على تطوير قدراتها النووية. وبادرت أمريكا بعقد اتفاق، سنة 1994م، وافقت كوريا الشمالية بمقتضاه على العودة لمعاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية وتجميد برنامجها النووي، وخاصة في مجال تخصيب اليورانيوم. مقابل ذلك، وبتعاون مع اليابان وكوريا الجنوبية، شكلت أمريكا ائتلافاً مالياً دولياً مهمته توفير أموال لتغطية احتياجات كوريا الشمالية للطاقة، للاستهلاك المحلي الكوري الشمالي، ريثما يتم تجهيز وتشغيل مفاعليها اللذين يعملان بالماء الخفيف في غضون فترة لا تتجاوز عام 2003م. لكن كوريا الشمالية عادت وأعلنت في سنة 2003م، انسحابها من معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، واستئناف برنامجها النووي العسكري لأسباب، أهمها:
1- الدافع الأمني – السياسي: شكل هذا الدافع سبباً رئيسياً للحصول على السلاح النووي، خاصة بعد انتهاء الحرب الباردة وزوال الاتحاد السوفيتي. حيث أدركت كوريا الشمالية أنها فقدت أهم حلفائها. الأمر الذي استوجب اعتمادها على ذاتها، وحماية نفسها عن طريق حيازتها للسلاح النووي. ومضت في هذا الطريق خاصة بعد أن صنفتها أمريكا ضمن دول «محور الشر» عام 2002م، وقامت باحتلال العراق عام 2003م. ومعروف أن هناك قواعد عسكرية أمريكية ضخمة، تحيط بكوريا الشمالية في كل من كوريا الجنوبية واليابان والفلبين وجزيرة جوام. وهذه القواعد مدججة بالأسلحة التقليدية والإستراتيجية، ومنها السلاح النووي. وعلى سبيل المثال، يوجد 37 ألف جندي أمريكي في كوريا الجنوبية، و51 ألفا في اليابان، يقفون على أهبة الاستعداد لحماية مصالح أمريكا وحلفائها بالمنطقة.
ويمثل امتلاك الدولة الخصم، أو المنافس، الدافع السياسي الأقوى الذي يدفع أي دولة لمحاولة امتلاك السلاح النووي. والأمثلة على ذلك أكثر من أن تحصى: أمريكا/ روسيا، بريطانيا/ فرنسا، أمريكا/ الصين، الهند/ باكستان، أمريكا/ كوريا الشمالية، إسرائيل/ مصر... الخ.
2- الدافع الاقتصادي: أدى التغير الذي حدث في النظام الدولي في العقد الأخير من القرن العشرين الماضي، لحدوث انعكاسات سلبية سياسية واقتصادية على كوريا الشمالية. إذ تراجعت المساعدات التي كانت تتلقاها من الصين والاتحاد السوفييتي، وانتهى التبادل التجاري بين كوريا الشمالية والجمهوريات الاشتراكية السابقة بعد انهيار حلف وارسو، وزوال الاتحاد السوفييتي، وتوقف روسيا عن تقديم مساعدات كبيرة لكوريا الشمالية. وكل ذلك أدى إلى تدهور خطير في الاقتصاد الكوري الشمالي، ونقص في العملة الصعبة. الأمر الذي دفعها للتركيز على صناعة الأسلحة والصواريخ، وتصدير بعض ما تنتجه من هذه الأسلحة، وطلب المساعدات الاقتصادية. ولأهمية الطاقة لأي اقتصاد، وكون الطاقة النووية مصدراً هائلاً ومغرياً للطاقة، وخاصة في مجالات التطبيق السلمي لهذه الطاقة، كاستخدامها في توليد الكهرباء، وتحلية المياه، وما إلى ذلك، توجهت كوريا الشمالية للخيار النووي، بشقيه الحربي والسلمي.
3- الدافع المعنوي - النفسي: أدركت كوريا الشمالية أن امتلاكها للسلاح النووي يجعل منها قوة إقليمية مرهوبة الجانب، ويمكنها من كسر العزلة الدولية المفروضة عليها من قبل الولايات المتحدة، وغيرها. إضافة إلى تقوية نظامها السياسي المعتمد على سيطرة الحزب (الشيوعي) الواحد. كما كان اعتزاز الشعب الكوري ببلاده، وبما أصبح لديها من قوة، عاملاً في تمكين كوريا الشمالية من الصمود في وجه التحديات الكبرى التي تواجهها. وهذا أدى إلى ارتفاع الروح المعنوية للبلد حكومة وشعباً، رغم المعاناة الاقتصادية القاسية. كما أتاح لكوريا الشمالية لعب دور إقليمي لا يستهان به.
* كاتب سعودي
وتسعى كل دولة لضمان بقائها عبر العمل الدؤوب على تقوية ذاتها، بتقوية كل عناصر القوة لديها، ومن ذلك القوة المسلحة. فأي دولة إنما هي في سعي دائم لاكتساب القوة، التي تعتبر في العلاقات الدولية هدفاً ووسيلة في ذات الوقت، حتى عرفت «العلاقات الدولية» بأنها: «صراع الدول من أجل القوة». القوة هدف، ووسيلة لتحقيق مزيد من القوة.
وبالنسبة لأسلحة القوة العسكرية، فإنها تنقسم إلى: أسلحة تقليدية، أسلحة فوق تقليدية، أسلحة إستراتيجية (أسلحة الدمار الشامل). والأخيرة تقسم إلى ثلاثة أنواع: السلاح الكيميائي، السلاح البيولوجي، السلاح النووي. والنوع الأخير هو الأفدح والأكثر تدميراً، وغالباً ما يعطي الدولة التي تمتلكه رادعاً منيعاً، ضد خصومها ومنافسيها. ورغم أن دون حيازته خرط القتاد (هذا السلاح لا يباع ولا يشترى) إلا أن هناك دولاً تصر على امتلاكه، بسبب الدوافع التي نتحدث عنها هنا.
***
لماذا تسعى بعض الدول، وخاصة النامية، لامتلاك سلاح نووي؟! هناك ثلاثة «دوافع» (أسباب) رئيسة تدفع أي دولة لامتلاك هذا السلاح، هي: الدافع الأمني – السياسي، الدافع الاقتصادي، الدافع المعنوي – النفسي. وسنحاول في هذا المقال، والذي يليه، تطبيق هذا المدخل على إحدى دول العالم النامي، وهي كوريا الشمالية.
يعود اهتمام كوريا الشمالية بالطاقة النووية، بشقها العسكري، إلى عام 1955م، عندما قررت حكومة كوريا الشمالية سراً امتلاك هذا السلاح، كسلاح رادع، تجاه التهديدات الأمريكية المتصاعدة حينئذ. وفي بداية الستينات من القرن الماضي اكتشفت الاستخبارات الأمريكية النشاط النووي الكوري الشمالي العسكري أصلاً، وبدأت في ممارسة ضغوط مكثفة على كوريا الشمالية، أثمرت انضمام الأخيرة إلى معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية عام 1992م، مع رفض التوقيع على اتفاقية إجراءات الحماية مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية. وفي العام التالي، أعلنت كوريا الشمالية عزمها على الانسحاب من معاهدة حظر الانتشار النووي، ولكنها تراجعت عن الانسحاب، تحت ضغوط أمريكية شديدة.
***
ومنذ العام 1985م عادت كوريا الشمالية للتهديد بالانسحاب من معاهدة الحظر. وفي العام 1993م نفذت تهديدها، وانسحبت. وشرعت في العمل على تطوير قدراتها النووية. وبادرت أمريكا بعقد اتفاق، سنة 1994م، وافقت كوريا الشمالية بمقتضاه على العودة لمعاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية وتجميد برنامجها النووي، وخاصة في مجال تخصيب اليورانيوم. مقابل ذلك، وبتعاون مع اليابان وكوريا الجنوبية، شكلت أمريكا ائتلافاً مالياً دولياً مهمته توفير أموال لتغطية احتياجات كوريا الشمالية للطاقة، للاستهلاك المحلي الكوري الشمالي، ريثما يتم تجهيز وتشغيل مفاعليها اللذين يعملان بالماء الخفيف في غضون فترة لا تتجاوز عام 2003م. لكن كوريا الشمالية عادت وأعلنت في سنة 2003م، انسحابها من معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، واستئناف برنامجها النووي العسكري لأسباب، أهمها:
1- الدافع الأمني – السياسي: شكل هذا الدافع سبباً رئيسياً للحصول على السلاح النووي، خاصة بعد انتهاء الحرب الباردة وزوال الاتحاد السوفيتي. حيث أدركت كوريا الشمالية أنها فقدت أهم حلفائها. الأمر الذي استوجب اعتمادها على ذاتها، وحماية نفسها عن طريق حيازتها للسلاح النووي. ومضت في هذا الطريق خاصة بعد أن صنفتها أمريكا ضمن دول «محور الشر» عام 2002م، وقامت باحتلال العراق عام 2003م. ومعروف أن هناك قواعد عسكرية أمريكية ضخمة، تحيط بكوريا الشمالية في كل من كوريا الجنوبية واليابان والفلبين وجزيرة جوام. وهذه القواعد مدججة بالأسلحة التقليدية والإستراتيجية، ومنها السلاح النووي. وعلى سبيل المثال، يوجد 37 ألف جندي أمريكي في كوريا الجنوبية، و51 ألفا في اليابان، يقفون على أهبة الاستعداد لحماية مصالح أمريكا وحلفائها بالمنطقة.
ويمثل امتلاك الدولة الخصم، أو المنافس، الدافع السياسي الأقوى الذي يدفع أي دولة لمحاولة امتلاك السلاح النووي. والأمثلة على ذلك أكثر من أن تحصى: أمريكا/ روسيا، بريطانيا/ فرنسا، أمريكا/ الصين، الهند/ باكستان، أمريكا/ كوريا الشمالية، إسرائيل/ مصر... الخ.
2- الدافع الاقتصادي: أدى التغير الذي حدث في النظام الدولي في العقد الأخير من القرن العشرين الماضي، لحدوث انعكاسات سلبية سياسية واقتصادية على كوريا الشمالية. إذ تراجعت المساعدات التي كانت تتلقاها من الصين والاتحاد السوفييتي، وانتهى التبادل التجاري بين كوريا الشمالية والجمهوريات الاشتراكية السابقة بعد انهيار حلف وارسو، وزوال الاتحاد السوفييتي، وتوقف روسيا عن تقديم مساعدات كبيرة لكوريا الشمالية. وكل ذلك أدى إلى تدهور خطير في الاقتصاد الكوري الشمالي، ونقص في العملة الصعبة. الأمر الذي دفعها للتركيز على صناعة الأسلحة والصواريخ، وتصدير بعض ما تنتجه من هذه الأسلحة، وطلب المساعدات الاقتصادية. ولأهمية الطاقة لأي اقتصاد، وكون الطاقة النووية مصدراً هائلاً ومغرياً للطاقة، وخاصة في مجالات التطبيق السلمي لهذه الطاقة، كاستخدامها في توليد الكهرباء، وتحلية المياه، وما إلى ذلك، توجهت كوريا الشمالية للخيار النووي، بشقيه الحربي والسلمي.
3- الدافع المعنوي - النفسي: أدركت كوريا الشمالية أن امتلاكها للسلاح النووي يجعل منها قوة إقليمية مرهوبة الجانب، ويمكنها من كسر العزلة الدولية المفروضة عليها من قبل الولايات المتحدة، وغيرها. إضافة إلى تقوية نظامها السياسي المعتمد على سيطرة الحزب (الشيوعي) الواحد. كما كان اعتزاز الشعب الكوري ببلاده، وبما أصبح لديها من قوة، عاملاً في تمكين كوريا الشمالية من الصمود في وجه التحديات الكبرى التي تواجهها. وهذا أدى إلى ارتفاع الروح المعنوية للبلد حكومة وشعباً، رغم المعاناة الاقتصادية القاسية. كما أتاح لكوريا الشمالية لعب دور إقليمي لا يستهان به.
* كاتب سعودي