شكّل ملتقى قراءة النص في نادي جدة الأدبي تاريخا عريقا من التحولات والصراعات الثقافية التي عاشها المشهد الثقافي السعودي وحتى العربي، حفر اسمه في ذاكرة التاريخ بوصفه ملتقى يضم المثقفات والمثقفين ينتظرونه كل عام فيتفقون قليلاً ويختلفون كثيراً، يجمع شتات أعمالهم، إبداعهم، دراساتهم، يعرضونها، يقرؤونها، يرتفع صوت بعضهم، ويرد الآخر بجفاء وآخر بدبلوماسية، وهكذا يصنع ملتقى النص حكايته الأثيرة.
لن أستعرض جمال التنظيم والأداء الراقي المميز لإدارة نادي جدة الأدبي الثقافي التي نجحت مع مرتبة الشرف في تنظيم ملتقى قراءة النص لهذا العام، سأتحدث عن «النص» ذلك العالم الذي يجهله الكثير والذي يستخف به أكثرهم، كيف يكون للنص تلك السطوة وصرف تلك الأموال في «حكي فاضي» سأحاول وأتمنى أن أنجح في تلك المحاولة الخطيرة وهي تقريب «النص» من فهم جماعة «والله ما عندكم سالفة» لعل وعسى أن يعي أولئك دور النص، ولعل وعسى أيضاً أن لا أضيع في النص بضم النون، والنص بفتح النون فنحن مع النون في ألف حكاية وحكاية!
«النَّص» ليس شكلاً إبداعياً من قصيدة أو رواية أو قصة قصيرة وغيرها من الأشكال الأدبية الأخرى، «النص» ليس عملا مبدعا يقدمه فيدرسه الناقد منغلقاً في ملتقى ثم يلملم أوراقه وكفى! وظيفة النص أبعد من ذلك، «فالنص يتمحور حول حضارة أو ثقافة خاصة بشعبٍ عريق» مهمة ذلك العمل الإبداعي توثيق ومعرفة الآخر بهذا النتاج الثقافي للمجتمعات والحفاظ عليه من المحو والاندثار والضياع. ونحن نعيش الآن في حاجة ملحة لتوثيق ثقافتنا، ومعارفنا، وعلومنا، فالنصّ هو «حدث استثنائي» والنصّ الأدبي «إذا لم يساهم بالقدر الذي يكبر أو يصغر، في تغيير قوالب النظر والسلوك المستقرّة. ولو لم يحرك ولو بقيد أنملة حدود اللغة والثقافة، ولو لم يكن نصا مقاوما» فلا حاجة لنا به! فنحن في عصر تذوب فيه الهوية الكبرى لتبدأ هويات صغرى في الظهور، هذه الهويات المتعددة تعود مرة أخرى في الذوبان لتغرق في محيط عولمة متوحشة يقاومها النص بالتصدي لحضور هوية وثقافة عصية على الذوبان والإبادة.
يتسع مفهوم ذلك النص ويتجاوز الحدود ليشمل عالما من إنتاج المعرفة وإعادة إنتاج تلك المعرفة. يقول الفرنسي رولان بارت شيخ النقاد وكبيرهم في كتابه «درس في السيميولوجيا»: «إن النص في المفهوم الحديث ليس بالضرورة هو النص الأدبي بالمفهوم المتداول، بل إن الإيقاع الموسيقي نص، واللوحة الزيتية نص، والمشهد المسرحي نص، وهذا يعني أن مفهوم النص لا يقتصر على الكتابة والأدب»، كل هذه الأشكال الثقافية هي مجال لدراسة وفهم حضارة ما، ومن أهم الدعائم لبناء قوة ناعمة تساهم في بنائه دراسة ونقد «النص» في فهمها ومن ثم إمكانية التغيير أو التحول، لا يمكن أن تنظر للمستقبل وأنت لم تدرس الحاضر وتفهم الماضي، و«النص» بأشكاله المتعددة السبيل لذلك.
* كاتبة سعودية
monaalmaliki@
لن أستعرض جمال التنظيم والأداء الراقي المميز لإدارة نادي جدة الأدبي الثقافي التي نجحت مع مرتبة الشرف في تنظيم ملتقى قراءة النص لهذا العام، سأتحدث عن «النص» ذلك العالم الذي يجهله الكثير والذي يستخف به أكثرهم، كيف يكون للنص تلك السطوة وصرف تلك الأموال في «حكي فاضي» سأحاول وأتمنى أن أنجح في تلك المحاولة الخطيرة وهي تقريب «النص» من فهم جماعة «والله ما عندكم سالفة» لعل وعسى أن يعي أولئك دور النص، ولعل وعسى أيضاً أن لا أضيع في النص بضم النون، والنص بفتح النون فنحن مع النون في ألف حكاية وحكاية!
«النَّص» ليس شكلاً إبداعياً من قصيدة أو رواية أو قصة قصيرة وغيرها من الأشكال الأدبية الأخرى، «النص» ليس عملا مبدعا يقدمه فيدرسه الناقد منغلقاً في ملتقى ثم يلملم أوراقه وكفى! وظيفة النص أبعد من ذلك، «فالنص يتمحور حول حضارة أو ثقافة خاصة بشعبٍ عريق» مهمة ذلك العمل الإبداعي توثيق ومعرفة الآخر بهذا النتاج الثقافي للمجتمعات والحفاظ عليه من المحو والاندثار والضياع. ونحن نعيش الآن في حاجة ملحة لتوثيق ثقافتنا، ومعارفنا، وعلومنا، فالنصّ هو «حدث استثنائي» والنصّ الأدبي «إذا لم يساهم بالقدر الذي يكبر أو يصغر، في تغيير قوالب النظر والسلوك المستقرّة. ولو لم يحرك ولو بقيد أنملة حدود اللغة والثقافة، ولو لم يكن نصا مقاوما» فلا حاجة لنا به! فنحن في عصر تذوب فيه الهوية الكبرى لتبدأ هويات صغرى في الظهور، هذه الهويات المتعددة تعود مرة أخرى في الذوبان لتغرق في محيط عولمة متوحشة يقاومها النص بالتصدي لحضور هوية وثقافة عصية على الذوبان والإبادة.
يتسع مفهوم ذلك النص ويتجاوز الحدود ليشمل عالما من إنتاج المعرفة وإعادة إنتاج تلك المعرفة. يقول الفرنسي رولان بارت شيخ النقاد وكبيرهم في كتابه «درس في السيميولوجيا»: «إن النص في المفهوم الحديث ليس بالضرورة هو النص الأدبي بالمفهوم المتداول، بل إن الإيقاع الموسيقي نص، واللوحة الزيتية نص، والمشهد المسرحي نص، وهذا يعني أن مفهوم النص لا يقتصر على الكتابة والأدب»، كل هذه الأشكال الثقافية هي مجال لدراسة وفهم حضارة ما، ومن أهم الدعائم لبناء قوة ناعمة تساهم في بنائه دراسة ونقد «النص» في فهمها ومن ثم إمكانية التغيير أو التحول، لا يمكن أن تنظر للمستقبل وأنت لم تدرس الحاضر وتفهم الماضي، و«النص» بأشكاله المتعددة السبيل لذلك.
* كاتبة سعودية
monaalmaliki@