-A +A
عبداللطيف الضويحي
يمكن للمراقب بسهولة أن يلحظ التحولات العميقة والتغيرات المتلاحقة التي تشهدها المملكة على أكثر من صعيد، وحده الإعلام السعودي ممثلا بوزارة الإعلام، بقي حبيس التاريخ ورهينة البيروقراطية وأسير الإرث الإداري الثقيل العصي على التغيير والتحول.

كلفني معهد الإدارة بترؤس فريق استشاري لإعادة هيكلة وزارة الإعلام وقطاعاتها وأقسامها وفروعها، عندما كنت عضواً بهيئة التدريس في المعهد قبل أن أترك العمل هناك. اعتقدت حينها أن الفرصة الذهبية قد جاءتني على طبق من ذهب لإحداث التغيير الجوهري في وزارة الإعلام وفروعها، وقد كنت أراهن على معرفتي بالمشكلات والتحديات التي يعاني منها الإعلام السعودي آنذاك والفرص الكامنة انطلاقا من تجربتي للعمل في التلفزيون السعودي وعملي كمدرب في مجال الإعلام والإدارة الإعلامية في معهد الإدارة العامة.


لكن خيبة أملي وأمل الفريق كانت في تضييق الإطار الذي جاء به طلب دراسة إعادة هيكلة وزارة الإعلام. فأي مستشار لا يمكن أن يقدم مقترحات للعمليات الإعلامية بمعزل وبمنأى عن الإجراءات الإدارية والبعد المالي وآليات تضمن تفعيل العمل الجماعي وروح الفريق وحفظ الحقوق الفردية للمبدعين والمبتكرين.

فمنذ البداية تم الحكم على الدراسة بأن تقوم بإجراء عمليات جراحية إدارية أو إعلامية محددة مسبقا في سقف لا يسمح للمستشارين تجاوزه أو التفكير خارج الصندوق.

إنه لمن المؤسف والمؤلم والمؤذي حقا أن يكون الإعلام السعودي بعيداً كل البعد عن التغيير، في الوقت الذي يجب عليه أن يكون أقوى وأمضى أداة لتحقيق التغييرات والتحولات المصاحبة للرؤية أسرع من أي جهاز حكومي آخر أو قطاع تنموي.

هناك عناصر أساسية وحيوية لأي عمل إعلامي لا بد من توفرها، وضوح الأهداف الإستراتيجية والفرعية وتوفر الكادر البشري المحترف والقادر على تحقيق الأهداف، سهولة ووضوح الإجراءات، رفع سقف حرية اتخاذ القرارات الإعلامية واستيعاب التعبير الفردي وعدم تحميله من كونه رأي الفرد، واستيعاب الأخطاء البشرية والفنية التي لا بد من حدوثها لضمان الإنجاز الإعلامي في أفضل صورة في الوقت المناسب ومع الأشخاص المناسبين.

الإعلام السعودي بحاجة لإعادة صياغة الأهداف والسياسة الإعلامية وتطويرها بما ينسجم مع العصر والمجريات وبحاجة إلى تدريب القيادات الإعلامية القائمة على أي قطاع إعلامي كي تفهم تلك السياسة والأهداف وسرعة اتخاذ القرارات الإعلامية بمعزل عن القرارات الروتينية.

إن الإعلام السعودي أبسط وأسهل من أن تكون له وزارة. فقد يكون الوقت مناسبا الآن مع الزخم الذي أحدثته الرؤية 2030 والتحولات الكبيرة التي تشهدها العديد من القطاعات التنموية، ليكون الإعلام السعودي هيئة الإعلام الوطني، لتتمتع بالمرونة الإدارية والمالية الكافية، ولتتحرر من نظام الخدمة المدنية بكادر إعلامي محترف يقوم على الإبداع والابتكار والمنافسة، مثلما أن الأمل معقود الآن بتجربة وخبرة معالي الوزير الجديد الذي جاء إعلاميا من القطاع الخاص.

هناك عنصر حيوي ومهم يغيب تماما عن الإعلام السعودي، وهو الاستثمار في مراكز الدراسات المتخصصة في مختلف الشؤون الداخلية للمملكة والشؤون الخارجية. هذه المراكز أصبحت ضرورية لصناعة المحتوى الإعلامي وحتى في رسم سياسات الدول الخارجية. أقصد بالاستثمار أي تشجيع القطاع الخاص بتأسيس وتشغيل مراكز الدراسات بالتعاقد مع مركز أو أكثر متخصص في الشأن الأوروبي، ومركز أو أكثر متخصص في الشأن العربي، ومركز أو أكثر متخصص في الشأن اللاتيني وآخر في الشأن الآسيوي، ومركز أو أكثر متخصص في الشأن الأفريقي.. إلخ.

ناهيك عن مراكز وخبرات متخصصة في العلاقات الدولية والقانون الدولي، وليس بالضرورة أن تكون كل هذه المراكز سعودية وفي الداخل السعودي، فلا أرى أي مشكلة من التعاقد مع مراكز في الهند أو في الصين أو روسيا لصناعة المحتوى الإعلامي السعودي، الذي انكشف تماما من خلال غيابه عن مجريات الأحداث الخارجية والدولية.

في الختام لا بد من ترك بعض الأسئلة هنا علّ أن يتلقفها من يهمهم أمر الإعلام السعودي أو علها تسهم في بلورة مفهوم جديد لفلسفة وسياسة الإعلام السعودي المنتظر والمرتقب والمتوقع كي يتواءم وينسجم ويتسق مع السياسة الخارجية في مطبخ واحد أو في أكثر من مطبخ.

ما هي الأهداف الرئيسة والفرعية للإعلام السعودي؟ ما أهمية الرهان على الإعلام الحكومي الرسمي والاستثمار به، إذا كان بالمقدور تحقيق أهداف الإعلام السعودي بأطر أخرى؟ هل بوسعنا تحقيق أهدافنا وصناعة المحتوى الإعلامي خارج رحم الإعلام الإعلامي الحكومي؟

ما العلاقة الصحية التي يجب أن يقيمها الإعلام السعودي الرسمي مع إعلام التواصل الاجتماعي؟ هل هي علاقة منافسة أم تكامل؟ هل هو مصدر للإعلام السعودي أم مستهلك لمحتواه؟ هل هو صديق أم محايد أم خصم؟ على أي قاعدة يمكن للإعلام السعودي أن يقسم أو يجزئ الجمهور الداخلي والخارجي؟ ماهي اللغات التي يجب أو يستحسن استخدامها في الإعلام السعودي؟

هل سيكون إعلاما دفاعياً أم هجوميا ومتى وفي أي حالاته؟ هل يمكن للإعلام السعودي بمفرده صناعة الأصدقاء؟ ما هو السقف المطلوب للإعلام السعودي العمل تحته مع الحفاظ على القدرة على المنافسة؟ كيف يكون إعلاما متزامنا ومتسقاً مع القرارات السياسية والقرارات الاقتصادية للدولة؟ هل سيتم التغيير المطلوب للإعلام السعودي تدريجيا وخطوة خطوة أم يبدأ دفعة واحدة وبأسرع وقت؟ هل لدينا الكادر البشري الوطني المحترف، أم أننا بحاجة لاستقطاب كوادر إعلامية عربية وأجنبية لهذه النقلة؟ هل الطموح للإعلام السعودي لصناعة الأحداث أم لمجاراة الإعلام المنافس، أم الاكتفاء بردود الأفعال من حين لآخر؟ هل سيكون إعلاما مبادرا؟ هل سيكون إعلاما مؤثرا أم يجاري الحيطة؟ هل من طموح الإعلام السعودي صناعة المحتوى الخاص به أم سيكتفي بنقل المحتوى الصديق؟

هل سيكون إعلاما جريئا وناقدا؟ وما مدى أهمية المصداقية والموضوعية في تناول القضايا التي تهم الجمهور المستهدف بهذا الإعلام؟

* كاتب سعودي

Dwaihi@agfund.org