العلم يتطور والأعمال تتغير بفعل التكنولوجيا المتقدمة التي باتت عصب الاقتصاد العالمي ومستقبله، وبالتالي تستجد وظائف مغايرة في كافة المجالات والتطبيقات، حيث التقدم التقني الهائل ومنه التصوير ثلاثي الأبعاد والوظائف الإلكترونية، فأين تعليمنا وجامعاتنا من ذلك؟ في الوقت الذي نتطلع إلى تصحيح وإعادة هيكلة للعديد من التخصصات وضبط بوصلة الجامعات على متغيرات سوق العمل باستثمار أفضل للأجيال.
في المقال السابق تناولت جوانب من هذه الإشكالية الناجمة عن تراكمات (الكم) على حساب الكيف في التعليم، رغم التوسع العددي الجيد والمهم في الجامعات، وكان من الممكن استثماره ليواكب تطورات ومتغيرات سوق العمل، لكن تكرار التخصصات غير المطلوبة في الجامعات، يعكس إشكالية أو ربما إشكاليات في الرؤية الإدارية للرسالة الأكاديمية والبحثية، ومعوقات لا مبرر لها وتستدعي دراستها بشفافية، وهي بالتأكيد معروفة لدى أوساط الأكاديميين والإدارات وبالقطع لدى الوزارة، وتضعف حلقات المنظومة الأكاديمية مما يعطل انطلاقة التطوير.
على أية حال التفاصيل كثيرة ويطول شرحها، والتشخيص واضح لدى الجميع وأعراض ذلك ماثلة ويشكو منها الواقع، وملفاتها المثقلة بالتحديات كامنة في أدراج المسؤولين بالجامعات والوزارة، وتحتاج إلى رؤية وإرادة للعلاج والانطلاق للتطوير.
كما أشرت وكما هو الواقع، لا تزال نسبة القبول مرتفعة في تخصصات غير مطلوبة، في الوقت الذي يشهد سوق العمل هيكلة جديدة للوظائف وطبيعة الأنشطة والاستثمارات، حتى المشاريع الصغيرة والمتوسطة لم تعد في معظمها كما كان في الماضي، بل إن وزارة العمل سبق أن أعلنت أن العديد من التخصصات الحالية تزيد البطالة، وحددت التخصصات المطلوبة التي يعاني سوق العمل من نقصها وأهمها: الهندسة بمجالاتها، والطب، والصيدلة، والتمريض، وعلوم الكمبيوتر وتكنولوجيا المعلومات، والمحاسبة والمالية.
كان هذا التوضيح قبل أكثر من عامين، ولم تلتقطه الوزارة وكأنه لا يعني شيئا للجامعات، في الوقت الذي استجدت خلال العامين الماضيين آفاق أوسع لمستقبل العمل مع مشاريع التنمية المستدامة، التي انطلقت مع (رؤية 2030) في قطاعات واعدة ستوفر أعدادا كبيرة من فرص العمل، كالسياحة والترفيه، والطاقة المتجددة، والأمن السيبراني، والذكاء الاصطناعي، والطب البيطري، وتخصصات فنية لتلبية احتياجات التوطين للصناعات المتقدمة والتنمية البشرية التي تحتاجها الشراكات الضخمة التي وقعتها المملكة مع العديد من دول العالم المتقدمة، فهل ننتظر حتى تكتمل المشروعات ونعود لنقطة البداية بخطط إحلال، والجود من الموجود ولو بغير التخصصات المطلوبة، وهذا يتعارض مع خطط الدولة التنموية للحاضر والمستقبل.
لا بد من إعادة الهيكلة للتخصصات غير المطلوبة وترشيد القبول بها، وفق استراتيجية وخطط تقودها الوزارة مع الجامعات وإدخال تخصصات جديدة متاحة علميا وأكاديميا وزيادة أعداد المعيدين لها، واستيعاب حملة الماجستير والدكتوراه من أبنائنا وبناتنا خاصة المبتعثين.
الأمر الآخر أن حلول إعادة الهيكلة لا تحتمل البدء من الصفر بقبول دفعات جديدة من المستجدين في التخصصات المطلوبة في حال وجودها فعلا، فهذا يعني الانتظار 4 سنوات حتى التخرج، والأفضل اعتماد بعض هذه التخصصات كالسياحة مثلا في أقسام نظرية للدارسين، على أن تتحول إلى أقسام كاملة في العام التالي. فإذا كانت كل جامعة تتحدث عن استشراف التخصصات الجديدة والمستقبلية، وتؤكد استعدادها لها، فلماذا لا تطبق ذلك، وإلى متى الانتظار في عصر لم يعد يسمح بضياع الوقت، ولا بالوقت بدل الضائع!
* كاتب سعودي
في المقال السابق تناولت جوانب من هذه الإشكالية الناجمة عن تراكمات (الكم) على حساب الكيف في التعليم، رغم التوسع العددي الجيد والمهم في الجامعات، وكان من الممكن استثماره ليواكب تطورات ومتغيرات سوق العمل، لكن تكرار التخصصات غير المطلوبة في الجامعات، يعكس إشكالية أو ربما إشكاليات في الرؤية الإدارية للرسالة الأكاديمية والبحثية، ومعوقات لا مبرر لها وتستدعي دراستها بشفافية، وهي بالتأكيد معروفة لدى أوساط الأكاديميين والإدارات وبالقطع لدى الوزارة، وتضعف حلقات المنظومة الأكاديمية مما يعطل انطلاقة التطوير.
على أية حال التفاصيل كثيرة ويطول شرحها، والتشخيص واضح لدى الجميع وأعراض ذلك ماثلة ويشكو منها الواقع، وملفاتها المثقلة بالتحديات كامنة في أدراج المسؤولين بالجامعات والوزارة، وتحتاج إلى رؤية وإرادة للعلاج والانطلاق للتطوير.
كما أشرت وكما هو الواقع، لا تزال نسبة القبول مرتفعة في تخصصات غير مطلوبة، في الوقت الذي يشهد سوق العمل هيكلة جديدة للوظائف وطبيعة الأنشطة والاستثمارات، حتى المشاريع الصغيرة والمتوسطة لم تعد في معظمها كما كان في الماضي، بل إن وزارة العمل سبق أن أعلنت أن العديد من التخصصات الحالية تزيد البطالة، وحددت التخصصات المطلوبة التي يعاني سوق العمل من نقصها وأهمها: الهندسة بمجالاتها، والطب، والصيدلة، والتمريض، وعلوم الكمبيوتر وتكنولوجيا المعلومات، والمحاسبة والمالية.
كان هذا التوضيح قبل أكثر من عامين، ولم تلتقطه الوزارة وكأنه لا يعني شيئا للجامعات، في الوقت الذي استجدت خلال العامين الماضيين آفاق أوسع لمستقبل العمل مع مشاريع التنمية المستدامة، التي انطلقت مع (رؤية 2030) في قطاعات واعدة ستوفر أعدادا كبيرة من فرص العمل، كالسياحة والترفيه، والطاقة المتجددة، والأمن السيبراني، والذكاء الاصطناعي، والطب البيطري، وتخصصات فنية لتلبية احتياجات التوطين للصناعات المتقدمة والتنمية البشرية التي تحتاجها الشراكات الضخمة التي وقعتها المملكة مع العديد من دول العالم المتقدمة، فهل ننتظر حتى تكتمل المشروعات ونعود لنقطة البداية بخطط إحلال، والجود من الموجود ولو بغير التخصصات المطلوبة، وهذا يتعارض مع خطط الدولة التنموية للحاضر والمستقبل.
لا بد من إعادة الهيكلة للتخصصات غير المطلوبة وترشيد القبول بها، وفق استراتيجية وخطط تقودها الوزارة مع الجامعات وإدخال تخصصات جديدة متاحة علميا وأكاديميا وزيادة أعداد المعيدين لها، واستيعاب حملة الماجستير والدكتوراه من أبنائنا وبناتنا خاصة المبتعثين.
الأمر الآخر أن حلول إعادة الهيكلة لا تحتمل البدء من الصفر بقبول دفعات جديدة من المستجدين في التخصصات المطلوبة في حال وجودها فعلا، فهذا يعني الانتظار 4 سنوات حتى التخرج، والأفضل اعتماد بعض هذه التخصصات كالسياحة مثلا في أقسام نظرية للدارسين، على أن تتحول إلى أقسام كاملة في العام التالي. فإذا كانت كل جامعة تتحدث عن استشراف التخصصات الجديدة والمستقبلية، وتؤكد استعدادها لها، فلماذا لا تطبق ذلك، وإلى متى الانتظار في عصر لم يعد يسمح بضياع الوقت، ولا بالوقت بدل الضائع!
* كاتب سعودي