في عالم الجريمة والعقاب قدّرت إحصاءات أمريكية لعام 2017 فرص تملص المجرمين من العقاب بنسبة 40%، وفي إنجلترا وويلز أفادت إحصاءات حديثة أيضا أن 9% فقط من مجمل الجرائم المرتكبة تنتهي بإدانة لمقترفيها، وهي نسب عالية تدلل على سطوة وتمرس محامي الدفاع في تلك الدول لإنقاذ عملائهم، ولا تعني بالضرورة براءة المتهمين في تلك الجرائم من الذنب المقترف. فكما قالت أستاذة قانون الدفاع أناليس كيتينغ في المسلسل الأمريكي الشهير الذي يحمل اسم أحد مقرراتها الدراسية بالجامعة «كيف تنجو بجريمة قتل» إن هنالك 3 قواعد أساسية ينبغي بمحامي الدفاع الالتزام بها لإنقاذ المتهم بجريمة من الإدانة وهي؛ تشويه صورة الشاهد؛ والتقدم بمشتبه به جديد؛ وشراء أو تشويه الأدلة التي تدين المتهم.
هكذا وبكل بساطة ينجو المجرمون في الغرب بجرائمهم، بتضليل الدفاع للعدالة وإثارة الشك في الأدلة والشهود والالتفاف على الحقيقة، فيسقط في نهاية المطاف متهم بريء آخر في براثن الإدانة بجريمة لم يرتكبها.
و قياسا على ما جاء في السياق السابق لقانون الدفاع الغربي الذي يبيح لمحامي الدفاع اتخاذ كل السبل لإنقاذ الموكل عنه من جريمته، نجد في نظام المحاماة السعودي بنودا في المادة الحادية عشرة تشترط على محامي الترافع أو الدفاع بألا يتوكل في دعوى أو نفيها وهو يعلم أن صاحبها ظالم ومبطل، كما أنه لا يجوز أن يستمر بالدعوى إن ظهر له ما يثبت ذلك أثناء التقاضي، وهو أمر يدعو للاعتزاز والفخر بمثل هذا النظام الذي لا يعنيه إلا الحقيقة وإحقاق العدالة، والسؤال الذي يطرح نفسه بهذا الإطار هو هل يلتزم فعليا محامو الدفاع في وطني بهذا الشرط؟ وهل يسعون للتأكد من براءة موكلهم ومصداقيته قبل الترافع عنه؟ والأهم من ذلك هو هل بالفعل يتنحون عن قضية يثبت لهم أثناء مجرياتها عدم مصداقية موكلهم أو ظلمه للغير؟ أترك الإجابة هنا عن هذه الأسئلة لهم.
نأتي الآن لجرائم تكررت وما زالت تدار بكواليس الجهات القضائية والقانونية السعودية ولا بصيص أمل بحل جذري عادل لها في غياب الجهات الأكاديمية المعنية المهتمة بمعالجتها، ألا وهي «جرائم التحايلات العلمية»، والتي تتناولها لجان حقوق المؤلف بوزارة الإعلام باختزالها بمسمى سرقات علمية، ثم لا تلبث أن تنهيها في كثير من الحالات لأسباب غير منطقية لصالح المتهم، إما بمحاولة الصلح بين الأطراف المعنية، أو برد القضايا لأسباب أخرى كالتشابه في النصوص (في معظم الحالات) رغم تجاوز النقل لشروط الاقتباس والتوثيق العلمي، لتتحول تلك القضايا بعد سنوات طويلة وبشكل مبتذل من دعاوى تحايل علمي مقامة ضد المدعى عليهم بلجان حقوق المؤلف إلى دعاوى تشهير في المحاكم الجزائية ضد من بلّغ عنهم، فيتحول (الظالم المبطل) إلى مدعي يطالب بحقه في معاقبة بريء نزيه كشف تحايله وبمباركة أيضا من قانون الجرائم المعلوماتية لوزارة الإعلام، وهنا أعود وأسأل هل بالفعل يلتزم أهل القانون والعدالة بما جاء في المادة الحادية عشرة من نظام المحاماة؟
الحقيقة أن من يتحايل في البحوث والمؤلفات العلمية بمؤسساتنا التعليمية، لا يحتاج لأكثر من قاعدة واحدة من قواعد أناليس كيتينغ لينجو بجريمته، وهي أن يعمل على تشويه صورة الشاهد أو المبلّغ عن تحايله باتهامه بجريمة التشهير، وبكل تأكيد يحتاج لمحام لا تعنيه الحقيقة ولا ما ورد بالبند الحادي عشر من نظام المحاماة ليدفع ببراءة موكله وتجريم خصمه مستندا على نظام واهن لا يميز بين التبليغ عن الفساد والتشهير، وسينجو وبكل بساطة من أفسد العلم بجريمته ويدان في المقابل بريء آخر يعاقب على جريمة لم يرتكبها.
همسة للوطن: جرائم التحايل العلمي من انتحال للغير والذات ونشر وهمي وتحكيم زائف وغيرها إن لم تدر تحت مظلة رسمية مستقلة للنزاهة العلمية، سينجو بلا شك كل من أفسد العلم ويغدو القانون سلاحا بيد الفاسد.
* كاتبة سعودية
salkhashrami@yahoo.com
هكذا وبكل بساطة ينجو المجرمون في الغرب بجرائمهم، بتضليل الدفاع للعدالة وإثارة الشك في الأدلة والشهود والالتفاف على الحقيقة، فيسقط في نهاية المطاف متهم بريء آخر في براثن الإدانة بجريمة لم يرتكبها.
و قياسا على ما جاء في السياق السابق لقانون الدفاع الغربي الذي يبيح لمحامي الدفاع اتخاذ كل السبل لإنقاذ الموكل عنه من جريمته، نجد في نظام المحاماة السعودي بنودا في المادة الحادية عشرة تشترط على محامي الترافع أو الدفاع بألا يتوكل في دعوى أو نفيها وهو يعلم أن صاحبها ظالم ومبطل، كما أنه لا يجوز أن يستمر بالدعوى إن ظهر له ما يثبت ذلك أثناء التقاضي، وهو أمر يدعو للاعتزاز والفخر بمثل هذا النظام الذي لا يعنيه إلا الحقيقة وإحقاق العدالة، والسؤال الذي يطرح نفسه بهذا الإطار هو هل يلتزم فعليا محامو الدفاع في وطني بهذا الشرط؟ وهل يسعون للتأكد من براءة موكلهم ومصداقيته قبل الترافع عنه؟ والأهم من ذلك هو هل بالفعل يتنحون عن قضية يثبت لهم أثناء مجرياتها عدم مصداقية موكلهم أو ظلمه للغير؟ أترك الإجابة هنا عن هذه الأسئلة لهم.
نأتي الآن لجرائم تكررت وما زالت تدار بكواليس الجهات القضائية والقانونية السعودية ولا بصيص أمل بحل جذري عادل لها في غياب الجهات الأكاديمية المعنية المهتمة بمعالجتها، ألا وهي «جرائم التحايلات العلمية»، والتي تتناولها لجان حقوق المؤلف بوزارة الإعلام باختزالها بمسمى سرقات علمية، ثم لا تلبث أن تنهيها في كثير من الحالات لأسباب غير منطقية لصالح المتهم، إما بمحاولة الصلح بين الأطراف المعنية، أو برد القضايا لأسباب أخرى كالتشابه في النصوص (في معظم الحالات) رغم تجاوز النقل لشروط الاقتباس والتوثيق العلمي، لتتحول تلك القضايا بعد سنوات طويلة وبشكل مبتذل من دعاوى تحايل علمي مقامة ضد المدعى عليهم بلجان حقوق المؤلف إلى دعاوى تشهير في المحاكم الجزائية ضد من بلّغ عنهم، فيتحول (الظالم المبطل) إلى مدعي يطالب بحقه في معاقبة بريء نزيه كشف تحايله وبمباركة أيضا من قانون الجرائم المعلوماتية لوزارة الإعلام، وهنا أعود وأسأل هل بالفعل يلتزم أهل القانون والعدالة بما جاء في المادة الحادية عشرة من نظام المحاماة؟
الحقيقة أن من يتحايل في البحوث والمؤلفات العلمية بمؤسساتنا التعليمية، لا يحتاج لأكثر من قاعدة واحدة من قواعد أناليس كيتينغ لينجو بجريمته، وهي أن يعمل على تشويه صورة الشاهد أو المبلّغ عن تحايله باتهامه بجريمة التشهير، وبكل تأكيد يحتاج لمحام لا تعنيه الحقيقة ولا ما ورد بالبند الحادي عشر من نظام المحاماة ليدفع ببراءة موكله وتجريم خصمه مستندا على نظام واهن لا يميز بين التبليغ عن الفساد والتشهير، وسينجو وبكل بساطة من أفسد العلم بجريمته ويدان في المقابل بريء آخر يعاقب على جريمة لم يرتكبها.
همسة للوطن: جرائم التحايل العلمي من انتحال للغير والذات ونشر وهمي وتحكيم زائف وغيرها إن لم تدر تحت مظلة رسمية مستقلة للنزاهة العلمية، سينجو بلا شك كل من أفسد العلم ويغدو القانون سلاحا بيد الفاسد.
* كاتبة سعودية
salkhashrami@yahoo.com