تحت قيادة «فلاديمير بوتين» تغيرت السياسة الخارجية الروسية، وخاصة تجاه أمريكا وحلفائها، وأضحت تشبه سياسات الاتحاد السوفيتي أثناء فترة «الحرب الباردة» الماضية. وبدأت روسيا تبرز كمنافس (جديد - قديم) للولايات المتحدة، وليس كشريك إستراتيجي تابع. انتهى عصر الوفاق مع أمريكا والغرب، وبدأ سباق التنافس، والخلاف بين الجانبين، وخاصة في وحول ما يعرف بالحدائق الخلفية لروسيا، وهى: أوروبا الشرقية، ووسط آسيا، والشرق الأوسط.
أظهرت روسيا أنها ما زالت تريد علاقات اقتصادية طبيعية مع الغرب بعامة، ولكنها ترفض التبعية السياسية لأمريكا. كما أن الروس قلقون من أهداف التحالف الأمني الأوروبي الأمريكي، ويشيرون دائما إلى وجود «عداء تقليدي» أوروبي متأصل ضد روسيا. وهذا ما يصعد من سياساتهم المستقلة الجديدة نسبيا، ويدفعهم لمقاومة حلف الناتو، الذي ينظرون إليه بعيون ملؤها الشك والريبة. وتزيد العقوبات الاقتصادية الغربية المفروضة على روسيا الآن من احتمالات قيام «حرب باردة» جديدة. بل إن البعض يرى أن هذه الحرب قد اندلعت بالفعل. ويرى البعض أن إلغاء أمريكا اتفاق ضبط الصواريخ النووية قصيرة ومتوسطة المدى، ورد الفعل الروسي الغاضب على ذلك، نذير ببدء سباق تسلح جديد بين أكبر عملاقين نوويين.
***
في هذا الإطار، وانطلاقا من هذه الحقائق عن الدب الروسي العتيد وعلاقاته مع الغرب المتنفذ، يجب أن ننظر إلى العلاقات الحالية والمستقبلية بين دول الخليج العربية والاتحاد الفيدرالي الروسي، أو بين روسيا وأي طرف دولي آخر. إن العلاقات بين الجانبين الخليجي والروسي قديمة جدا، خاصة إذا أخذنا في الاعتبار أن هناك حوالى 20 مليونا من سكان الاتحاد الروسي يعتنقون الدين الإسلامي، منذ عهد بعيد، وإن بعضا منهم يأتون للحج والعمرة إلى السعودية، وغيرها. والآن هناك جالية روسية كبيرة نسبيا تقيم في الإمارات ومنطقة الخليج. ويقدر العرب، بصفة عامة، كثيرا من مواقف روسيا المؤيدة للقضايا العربية، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية. وقد خف هذا التقدير قليلا بعد التدخل العسكري الروسي المكثف في سورية. ويلاحظ أن هناك حرصا شديدا من روسيا على إقامة علاقات أوثق مع كل دول مجلس التعاون الخليجي، التي يبدو أن لديها نفس الرغبة. وكل طرف في هذه العلاقات يسعى - بالطبع- لخدمة مصالحه، وينطلق من حاجاته، وأهداف سياساته.
ولندرك كنه العلاقات الخليجية - الروسية، لا بد أن نعرف ماذا تريد روسيا من منطقة الخليج العربية، وماذا تريد دول مجلس التعاون الخليجي من روسيا، وما مدى قدرة كل طرف من هؤلاء على تحقيق ما يريده من الطرف الآخر؟! روسيا تريد ترسيخ قدميها في هذه المنطقة، التي تعتبر أقرب «المياه الدافئة» لها، فكم سرت وابتهجت بترسيخ وجودها في سورية، وبوجود قاعدة عسكرية كبرى لها على الساحل الشرقي للبحر الأبيض المتوسط، وتريد الحفاظ على هذا الوجود، وتنميته، وتوسعه. وذلك عبر: إقامة علاقات وثيقة (نسبيا) مع كافة دول المنطقة، وخاصة دول الخليج العربية.
***
ويدرك الروس أهمية هذه المنطقة للقوى الدولية الكبرى الأخرى، وفي مقدمتها غريمهم الأكبر الولايات المتحدة والغرب، وخاصة الأهمية الإستراتيجية الكبرى الحالية لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وسعي أمريكا المحموم على إبعاد روسيا، وأي دولة كبرى أخرى، عن هذه المنطقة... للحيلولة دون تهديد ما تسميه أمريكا مصالحها بالمنطقة... أي مكانتها وسيطرتها ونفوذها المشهود المستتب بالمنطقة، والذي يعطي أمريكا قوة على قوتها، ويدعم هيمنتها الكونية، خاصة تجاه الدول الكبرى.
فهذه المنطقة العربية، التي يشار إليها عالميا بـ«الشرق الأوسط»، تحظى بأهمية إستراتيجية بالغة معروفة. إذ يربط موقعها الهام بين 3 قارات، وتمر فيها وعبرها أكثر القنوات والممرات المائية الدولية أهمية (هرمز، باب المندب، السويس، جبل طارق) ناهيك عن ما يوجد بها من ثروات طبيعية هائلة، أبرزها النفط والغاز. ففيها أكبر الاحتياطيات في العالم من هذين الموردين الهامين. ولا يمكن لدولة كبرى أو عظمى أن تكون كذلك ما لم يكن لها وجود ونفوذ بهذه المنطقة. لذلك، نرى تصارع كل الدول الكبرى والعظمى على المنطقة، هادفين أن يكون لهم نفوذ دائم فيها... للاستفادة من إمكاناتها، وتقليص استفادة منافسيها من هذه الإمكانات.
***
الشاهد، تحرص القيادة الروسية الحالية على إقامة علاقات روسية - خليجية وثيقة ومثمرة. كما يحرص الجانب الخليجي - العربي على التقارب مع روسيا، مع عدم تأثير ذلك بالسلب على العلاقات الإستراتيجية التي تربطهم جميعا بالولايات المتحدة. وهي معادلة ليس من السهل تحققها في المرحلة السياسية الحالية، التي تشهدها المنطقة، وما يدور فيها من خلافات وصراعات وحروب. تريد دول مجلس التعاون الخليجي علاقات وثيقة مع روسيا تضمن دعم روسيا لهذه الدول على الساحتين الإقليمية والعالمية، في شتى المجالات، وتسهم في خدمة المصالح المشتركة.
روسيا، إذاً، تريد تثبيت تواجدها العسكري والسياسي بالمنطقة، عبر عدة وسائل، في مقدمتها: إقامة علاقات وثيقة مع كل دول المنطقة، وخاصة دول الخليج العربية. وهذا أمر يسهل تحققه بعد أن تخلت روسيا عن البعد الأيديولوجي (العقائدي) في سياساتها. كما تريد روسيا سوقا لمبيعات أسلحتها التقليدية، وما تصدره من تقنية متوسطة. ومن الناحية الأخرى، تحرص كل دول مجلس التعاون الخليجي على دعم علاقاتها بالاتحاد الروسي، باعتباره دولة عظمى قادمة، تمكن من الاستفادة من مواقفها السياسية، وصادراتها من الأسلحة. كما تسهل تعاون روسيا مع هذه الدول في مجال النفط (إنتاجا وأسعارا) باعتبار روسيا منتجا ومصدرا مستقلا كبيرا للنفط، وأيضا التعاون في مجال ما يعرف بـ«مكافحة الإرهاب»، وغيره.
ومعروف أن روسيا تحتفظ الآن بعلاقات وطيدة مع بقية دول الإقليم، وبخاصة تركيا وإيران وإسرائيل. ويبدو أن هذه العلاقات الروسية الحميمة مع هذه الدول لن تنعكس بالسلب على العلاقات الخليجية - الروسية، إلا في حالة الانحياز الروسي التام تجاه إيران. وهذا أمر مستبعد في هذه المرحلة، على الأقل. وما زال نفوذ أمريكا بالمنطقة هو الأكبر، وبمراحل عن أقرب المنافسين من الدول الكبرى. ولكن التنافس العالمي على المنطقة أخذ يشتد بعد التحرك الروسي الأخير، وقدوم الصين وغيرها.
* كاتب سعودي
sfadil50@hotmail.com
أظهرت روسيا أنها ما زالت تريد علاقات اقتصادية طبيعية مع الغرب بعامة، ولكنها ترفض التبعية السياسية لأمريكا. كما أن الروس قلقون من أهداف التحالف الأمني الأوروبي الأمريكي، ويشيرون دائما إلى وجود «عداء تقليدي» أوروبي متأصل ضد روسيا. وهذا ما يصعد من سياساتهم المستقلة الجديدة نسبيا، ويدفعهم لمقاومة حلف الناتو، الذي ينظرون إليه بعيون ملؤها الشك والريبة. وتزيد العقوبات الاقتصادية الغربية المفروضة على روسيا الآن من احتمالات قيام «حرب باردة» جديدة. بل إن البعض يرى أن هذه الحرب قد اندلعت بالفعل. ويرى البعض أن إلغاء أمريكا اتفاق ضبط الصواريخ النووية قصيرة ومتوسطة المدى، ورد الفعل الروسي الغاضب على ذلك، نذير ببدء سباق تسلح جديد بين أكبر عملاقين نوويين.
***
في هذا الإطار، وانطلاقا من هذه الحقائق عن الدب الروسي العتيد وعلاقاته مع الغرب المتنفذ، يجب أن ننظر إلى العلاقات الحالية والمستقبلية بين دول الخليج العربية والاتحاد الفيدرالي الروسي، أو بين روسيا وأي طرف دولي آخر. إن العلاقات بين الجانبين الخليجي والروسي قديمة جدا، خاصة إذا أخذنا في الاعتبار أن هناك حوالى 20 مليونا من سكان الاتحاد الروسي يعتنقون الدين الإسلامي، منذ عهد بعيد، وإن بعضا منهم يأتون للحج والعمرة إلى السعودية، وغيرها. والآن هناك جالية روسية كبيرة نسبيا تقيم في الإمارات ومنطقة الخليج. ويقدر العرب، بصفة عامة، كثيرا من مواقف روسيا المؤيدة للقضايا العربية، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية. وقد خف هذا التقدير قليلا بعد التدخل العسكري الروسي المكثف في سورية. ويلاحظ أن هناك حرصا شديدا من روسيا على إقامة علاقات أوثق مع كل دول مجلس التعاون الخليجي، التي يبدو أن لديها نفس الرغبة. وكل طرف في هذه العلاقات يسعى - بالطبع- لخدمة مصالحه، وينطلق من حاجاته، وأهداف سياساته.
ولندرك كنه العلاقات الخليجية - الروسية، لا بد أن نعرف ماذا تريد روسيا من منطقة الخليج العربية، وماذا تريد دول مجلس التعاون الخليجي من روسيا، وما مدى قدرة كل طرف من هؤلاء على تحقيق ما يريده من الطرف الآخر؟! روسيا تريد ترسيخ قدميها في هذه المنطقة، التي تعتبر أقرب «المياه الدافئة» لها، فكم سرت وابتهجت بترسيخ وجودها في سورية، وبوجود قاعدة عسكرية كبرى لها على الساحل الشرقي للبحر الأبيض المتوسط، وتريد الحفاظ على هذا الوجود، وتنميته، وتوسعه. وذلك عبر: إقامة علاقات وثيقة (نسبيا) مع كافة دول المنطقة، وخاصة دول الخليج العربية.
***
ويدرك الروس أهمية هذه المنطقة للقوى الدولية الكبرى الأخرى، وفي مقدمتها غريمهم الأكبر الولايات المتحدة والغرب، وخاصة الأهمية الإستراتيجية الكبرى الحالية لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وسعي أمريكا المحموم على إبعاد روسيا، وأي دولة كبرى أخرى، عن هذه المنطقة... للحيلولة دون تهديد ما تسميه أمريكا مصالحها بالمنطقة... أي مكانتها وسيطرتها ونفوذها المشهود المستتب بالمنطقة، والذي يعطي أمريكا قوة على قوتها، ويدعم هيمنتها الكونية، خاصة تجاه الدول الكبرى.
فهذه المنطقة العربية، التي يشار إليها عالميا بـ«الشرق الأوسط»، تحظى بأهمية إستراتيجية بالغة معروفة. إذ يربط موقعها الهام بين 3 قارات، وتمر فيها وعبرها أكثر القنوات والممرات المائية الدولية أهمية (هرمز، باب المندب، السويس، جبل طارق) ناهيك عن ما يوجد بها من ثروات طبيعية هائلة، أبرزها النفط والغاز. ففيها أكبر الاحتياطيات في العالم من هذين الموردين الهامين. ولا يمكن لدولة كبرى أو عظمى أن تكون كذلك ما لم يكن لها وجود ونفوذ بهذه المنطقة. لذلك، نرى تصارع كل الدول الكبرى والعظمى على المنطقة، هادفين أن يكون لهم نفوذ دائم فيها... للاستفادة من إمكاناتها، وتقليص استفادة منافسيها من هذه الإمكانات.
***
الشاهد، تحرص القيادة الروسية الحالية على إقامة علاقات روسية - خليجية وثيقة ومثمرة. كما يحرص الجانب الخليجي - العربي على التقارب مع روسيا، مع عدم تأثير ذلك بالسلب على العلاقات الإستراتيجية التي تربطهم جميعا بالولايات المتحدة. وهي معادلة ليس من السهل تحققها في المرحلة السياسية الحالية، التي تشهدها المنطقة، وما يدور فيها من خلافات وصراعات وحروب. تريد دول مجلس التعاون الخليجي علاقات وثيقة مع روسيا تضمن دعم روسيا لهذه الدول على الساحتين الإقليمية والعالمية، في شتى المجالات، وتسهم في خدمة المصالح المشتركة.
روسيا، إذاً، تريد تثبيت تواجدها العسكري والسياسي بالمنطقة، عبر عدة وسائل، في مقدمتها: إقامة علاقات وثيقة مع كل دول المنطقة، وخاصة دول الخليج العربية. وهذا أمر يسهل تحققه بعد أن تخلت روسيا عن البعد الأيديولوجي (العقائدي) في سياساتها. كما تريد روسيا سوقا لمبيعات أسلحتها التقليدية، وما تصدره من تقنية متوسطة. ومن الناحية الأخرى، تحرص كل دول مجلس التعاون الخليجي على دعم علاقاتها بالاتحاد الروسي، باعتباره دولة عظمى قادمة، تمكن من الاستفادة من مواقفها السياسية، وصادراتها من الأسلحة. كما تسهل تعاون روسيا مع هذه الدول في مجال النفط (إنتاجا وأسعارا) باعتبار روسيا منتجا ومصدرا مستقلا كبيرا للنفط، وأيضا التعاون في مجال ما يعرف بـ«مكافحة الإرهاب»، وغيره.
ومعروف أن روسيا تحتفظ الآن بعلاقات وطيدة مع بقية دول الإقليم، وبخاصة تركيا وإيران وإسرائيل. ويبدو أن هذه العلاقات الروسية الحميمة مع هذه الدول لن تنعكس بالسلب على العلاقات الخليجية - الروسية، إلا في حالة الانحياز الروسي التام تجاه إيران. وهذا أمر مستبعد في هذه المرحلة، على الأقل. وما زال نفوذ أمريكا بالمنطقة هو الأكبر، وبمراحل عن أقرب المنافسين من الدول الكبرى. ولكن التنافس العالمي على المنطقة أخذ يشتد بعد التحرك الروسي الأخير، وقدوم الصين وغيرها.
* كاتب سعودي
sfadil50@hotmail.com