في حين تعمل التيارات السياسية حول العالم للحراك وتغيير الأنظمة السياسية في محيطها، تختلف الاتجاهات الفكرية في المملكة العربية السعودية فيما بينها، لكنها تتفق في حب الوطن، هذا ما يحدث عندما تجد أنك أمام عقول مهمتها بناء الوطن وصناعة مستقبله ورعاية حاضره وحفظ ماضيه، لقد بقيت المسميات السياسية لسنوات حكراً على فئات معينة ورغم التشنيع المتعمد من قبل المؤدلجين لتشويه مفاهيم فكرية عميقة جاءت الرؤية لتضع قالباً أكثر اتساعاً وخطوطاً أوضح في مفاهيم الوطن وفجر جديد.
إن صناعة التيارات السياسية داخل المجتمعات المدنية عبر التاريخ ليست بالأمر الجديد، المختلف في النموذج السعودي هو الحضور العاطفي في ذهن الفرد المنتمي لأي تيار فكري، من هنا أطرح تساؤلات عدة للتفكير، هل نجحت المدارس الفكرية في صناعة أيديولوجيا سعودية تجمع بين الحداثة والأصالة والمعاصرة؟ هل تستطيع بيوت الفكر في المجتمع أن تقدم أبحاثاً ودراسات تقرأ وتعالج الانتماءات الفكرية للمجتمع؟ هل يعي المثقف السعودي دوره في أهمية التوقف عن الاقتراض الثقافي وصناعة هوية وطنية للخمسين عاماً القادمة؟
سيقود أبناء هذا الشعب العالم، هذه حقيقة وليست رأياً، إذا قمنا من الآن بصناعة تيارات فكرية تتقاطع فيما بينها واتجاهات تختلف في الرؤى لكن تتفق في أن محبة الوطن عقيدة، وأمنه وسلامته مسألة وجود «نكون أو لا نكون»، هل نحن نتعاطى بجدية مع ما يطرح في الفضاء العام، ونعيد معالجته، أم أننا ما زلنا في مدرج الجماهير؟
يقول خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز حفظه الله: «إن من يعتقد أن الكتاب والسنة عائق للتطور أو التقدم فهو لم يقرأ القرآن ولم يفهمه»، من هنا فإن جوهر الهوية والفكر في المملكة هو البناء الشرعي الذي يدعو للفكر وإعمال العقل، المهمة الحقيقية الآن هي صناعة الوعي على هذا الأساس الرصين، فالمواطن السعودي بجانب أصالته التاريخية يسكن وجدانه الشرع والدين، والنموذج الذي يعين هذه الرؤية هو هذا الخطاب المعتدل والوسطية التي نعرفها ونعيشها في حياتنا.
يأتي بعد هذا أن نفهم جيداً أن المجتمعات المدنية تنتعش وتنهض بالتنوع، وهذا بالتأكيد لا يتعارض مع ما سبق، لكنّ هناك أصواتاً لا تريد أن نفهم هذا الواقع، بل تجعل من يخالفها خارج نطاق التقدير والاستيعاب، فالبعض يخيفهم أن تناقش قضايا فكرية عميقة رغم عدم تعارضها مع إعمال العقل، والبعض الآخر يعيش في قالب شعبوي ويقتات على مبدأ «إن مال الناس فقد ملنا»، لهذا وجود المفكر الحر والصوت الوطني الغيور ضرورة أمام باعة الوهم وقليلي الضمير.
حتى نعيد هيكلة المناخ الفكري ونتخلص من التشنج والشحن الواضح بين عدد من الأطراف، علينا أن نتبنى فكرة «تيار الوطن»، وهو أن ندرك الاختلاف وأن نتصالح معه، أن نعمل في اتجاه وطني واحد، لهذا أقول «لا تسبح مع التيار كن أنت التيار»، اجعل لعقلك المهمة الكبرى في التنبه من الأصوات المزيفة، وأكثر ما أخشاه أن نستمر في ثياب الضحية، فقد سئمنا من تلك الخطابات التي تحمل أي تيارات مختلفة مغبة التأخر المجتمعي في بعض الجوانب، اليوم لا عذر لأحد طالما أنك تحمل عقلك في رأسك ووطنك في قلبك فلا تخيفك الأصوات الغائرة والأعين الحاسدة.
العالم ينظر لنا بشراسة، والأمم تنهار من حولنا والرهان اليوم ليس على الخارج، بل النهوض والمستقبل كله في الشأن الداخلي، علينا -مجتمعاً وأفراداً- أن نستحضر هذا جيداً في قلوبنا وصلواتنا ودعائنا، وأن نعلم أن لنا وطناً عظيماً، كل فرد فيه ثروة وكل ما تقوم به من عمل ونشاط يعود عليك وعلى وطنك بالخير والرفاه، مهما كان حجم الضغوط ومهما تعالت الادعاءات، الثبات في خط الإنتاج والتقدم هو مهمة كل مواطن بحسب موقعه، هكذا تكون التيارات الإصلاحية بعقول إصلاحية وأصوات مخلصة وأيدٍ منتجة، لا بالتحزب والفرقة والإقصاء ولا بالتخوين ولا التبعية العمياء، أحبوا وطنكم على بصيرة لتحققوا رؤيته.
* كاتبة سعودية
areejaljahani@gmail.com
إن صناعة التيارات السياسية داخل المجتمعات المدنية عبر التاريخ ليست بالأمر الجديد، المختلف في النموذج السعودي هو الحضور العاطفي في ذهن الفرد المنتمي لأي تيار فكري، من هنا أطرح تساؤلات عدة للتفكير، هل نجحت المدارس الفكرية في صناعة أيديولوجيا سعودية تجمع بين الحداثة والأصالة والمعاصرة؟ هل تستطيع بيوت الفكر في المجتمع أن تقدم أبحاثاً ودراسات تقرأ وتعالج الانتماءات الفكرية للمجتمع؟ هل يعي المثقف السعودي دوره في أهمية التوقف عن الاقتراض الثقافي وصناعة هوية وطنية للخمسين عاماً القادمة؟
سيقود أبناء هذا الشعب العالم، هذه حقيقة وليست رأياً، إذا قمنا من الآن بصناعة تيارات فكرية تتقاطع فيما بينها واتجاهات تختلف في الرؤى لكن تتفق في أن محبة الوطن عقيدة، وأمنه وسلامته مسألة وجود «نكون أو لا نكون»، هل نحن نتعاطى بجدية مع ما يطرح في الفضاء العام، ونعيد معالجته، أم أننا ما زلنا في مدرج الجماهير؟
يقول خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز حفظه الله: «إن من يعتقد أن الكتاب والسنة عائق للتطور أو التقدم فهو لم يقرأ القرآن ولم يفهمه»، من هنا فإن جوهر الهوية والفكر في المملكة هو البناء الشرعي الذي يدعو للفكر وإعمال العقل، المهمة الحقيقية الآن هي صناعة الوعي على هذا الأساس الرصين، فالمواطن السعودي بجانب أصالته التاريخية يسكن وجدانه الشرع والدين، والنموذج الذي يعين هذه الرؤية هو هذا الخطاب المعتدل والوسطية التي نعرفها ونعيشها في حياتنا.
يأتي بعد هذا أن نفهم جيداً أن المجتمعات المدنية تنتعش وتنهض بالتنوع، وهذا بالتأكيد لا يتعارض مع ما سبق، لكنّ هناك أصواتاً لا تريد أن نفهم هذا الواقع، بل تجعل من يخالفها خارج نطاق التقدير والاستيعاب، فالبعض يخيفهم أن تناقش قضايا فكرية عميقة رغم عدم تعارضها مع إعمال العقل، والبعض الآخر يعيش في قالب شعبوي ويقتات على مبدأ «إن مال الناس فقد ملنا»، لهذا وجود المفكر الحر والصوت الوطني الغيور ضرورة أمام باعة الوهم وقليلي الضمير.
حتى نعيد هيكلة المناخ الفكري ونتخلص من التشنج والشحن الواضح بين عدد من الأطراف، علينا أن نتبنى فكرة «تيار الوطن»، وهو أن ندرك الاختلاف وأن نتصالح معه، أن نعمل في اتجاه وطني واحد، لهذا أقول «لا تسبح مع التيار كن أنت التيار»، اجعل لعقلك المهمة الكبرى في التنبه من الأصوات المزيفة، وأكثر ما أخشاه أن نستمر في ثياب الضحية، فقد سئمنا من تلك الخطابات التي تحمل أي تيارات مختلفة مغبة التأخر المجتمعي في بعض الجوانب، اليوم لا عذر لأحد طالما أنك تحمل عقلك في رأسك ووطنك في قلبك فلا تخيفك الأصوات الغائرة والأعين الحاسدة.
العالم ينظر لنا بشراسة، والأمم تنهار من حولنا والرهان اليوم ليس على الخارج، بل النهوض والمستقبل كله في الشأن الداخلي، علينا -مجتمعاً وأفراداً- أن نستحضر هذا جيداً في قلوبنا وصلواتنا ودعائنا، وأن نعلم أن لنا وطناً عظيماً، كل فرد فيه ثروة وكل ما تقوم به من عمل ونشاط يعود عليك وعلى وطنك بالخير والرفاه، مهما كان حجم الضغوط ومهما تعالت الادعاءات، الثبات في خط الإنتاج والتقدم هو مهمة كل مواطن بحسب موقعه، هكذا تكون التيارات الإصلاحية بعقول إصلاحية وأصوات مخلصة وأيدٍ منتجة، لا بالتحزب والفرقة والإقصاء ولا بالتخوين ولا التبعية العمياء، أحبوا وطنكم على بصيرة لتحققوا رؤيته.
* كاتبة سعودية
areejaljahani@gmail.com