تستضيف العاصمة السعودية الرياض هذه الأيام معرضها السنوي الدولي للكتاب، في تظاهرة ثقافية تعود عليها الناس كل عام. وتحل دولة البحرين ضيف شرف على المعرض هذه السنة، وهو اختيار موفق جدا يجسد العلاقات الخاصة والقوية والعميقة بين البلدين ومكانة البحرين كمركز للثقافة والتسامح والتعايش السلمي. وكالعادة جاء المعرض هذه السنة غنيا بالمشاركة العريضة من دور نشر مختلفة وعناوين متفرقة، يصاحب كل ذلك برنامج ثقافي لافت وتغطية إعلامية قوية ومن قلب الحدث. المتابع الموضوعي والأمين للمشهد الثقافي السعودي عموما والمتمثل في معرض الرياض الدولي للكتاب لا بد له أن يقارن بتطور الأمور، والمقارنة بما كانت عليه الأوضاع في السابق، الهدر في الوقت والأعصاب في دخول معارك عبثية عن دور المرأة والمسموح به من الكتب وتكفير المخالف والاختلاط وغير ذلك من الأمور التي تجاوزها المجتمع السعودي بكل ثقة وسوية، لم تنتقص منه أي قيمة أو شرف أو دين. ولكن هناك أمل في المزيد من الخطوات التي تمنح معرض الكتاب المكانة التي يستحقها، مكانة تعكس قيمة السعودية الجديدة نفسها، مكانة تجعل من المعرض الأهم بالمطلق وليس فقط أنه المعرض الأكبر من ناحية قوة المبيعات في مقارنة بغيره من المعارض. من الواضح أن المعرض يعاني من ازدواجية الولاية عليه، بين وزارة الثقافة (وهي الوزارة التي من المفروض أن ترعى معارض الكتب باعتبار ذلك مسارا ثقافيا بحتا)، ووزارة الإعلام التي تمارس دور الفسح والمنع على ما يطبع ويعرض. خط وزارة الثقافة خط إيجابي ومبشر ومنفتح، وهناك توجيه صريح بقبول الثقافات الأخرى، ولكن نفس الشيء لا يمكن أن يقال في حق وزارة الإعلام التي لا تزال تمارس دور الرقيب المنتمي إلى العصر الحجري وليس العصر الرقمي. هل يعقل أن يتم حظر ومنع كتاب للروائية السعودية المعروفة نور عبدالمجيد وهو الرواية الأخيرة لها بعنوان «أنت مني» الصادر من الدار المصرية اللبنانية، وهي المؤلفة التي حققت رواياتها الثلاث الأخيرة النسبة الأعلى في المبيعات في مصر ولبنان والأردن، وتحولت إحدى رواياتها إلى مسلسل تلفزيوني ناجح أذاعته عدة فضائيات! وأيضا يتم «استمرار» منع مشاركة دار الجمل للنشر الألمانية المتخصصة في نشر الكتب العربية المختلفة عن غيرها وهي «ممنوعة» من المشاركة منذ عام 2011 بسبب نشرها رواية الروائي السعودي «عبده خال» «ترمي بشرر» التي أثارت جدلا واسعا، وهي نفس الرواية التي فازت للكاتب بجائزة «بوكر» في نفس العام و«احتفينا» بالجائزة رغم منعنا للدار التي نشرته (وهي من أهم دور النشر العربية ولا شك). هذا الدور الرقابي العتيق، عفى عليه الزمن ومضى ولا مكان له في عصر تحميل كل النصوص «المحظورة» على الهاتف الجوال في لمح البصر، ولا يتناسب أبدا مع توجه السعودية ورؤيتها الجديدة. معرض الرياض الدولي للكتاب يواصل نجاحاته وإثراء للعقلية والثقافة، كل الأمل أن تتم إزالة المتناقضات والتعقيدات من طريقه.
* كاتب سعودي
* كاتب سعودي