-A +A
يوسف بن طراد السعدون
{الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز} صدق الله العظيم، الآية: 40، سورة الحج.

استرجعت هذه الآية، بعد الهجوم الإرهابي الذي استهدف ضحايا أبرياء كانوا يصلون ويذكرون الله بمسجدين في نيوزيلندا. ففي هذه الآية يحث الله جل جلاله على ضرورة تصدي أهل الحق لأعمال الشر وأصحابها، وإلا فسدت الأرض. وكثافة الإدانات التي صدرت من الدول والمنظمات بمختلف أرجاء العالم على أثر ذلك الهجوم دليل على أن أهل الحق متواجدون ولله الحمد ويرفضون الشرور، على الرغم من تردد بعض الدول ووسائل الإعلام من تسميته عملا إرهابيا مخالفا للتشريعات الدولية.


ولكن مما يؤلم، أن أصحاب الباطل أصبحت أعدادهم تتزايد بتنامي الفكر المتطرف الذي يحض على العنصرية ضد كل من لا ينتمي إلى العرق الأبيض. ويقود هذا الفكر أحزاب سياسية ودينية وثقافية وإعلامية تشارك بحكومات وبرلمانات الغرب، ببرامج انتخابية تدعو إلى الكراهية والعنف وازدراء الأديان خصوصا الإسلام. وساهم في انتشارها، كثافة الحملات الإعلامية من مقالات وأفلام مسيئة للإسلام والمسلمين، وتهاون الحكومات والمجتمع الدولي عن ردعها بحجة حرية الرأي والتعبير على الرغم من أن دساتيرهم الديموقراطية تؤكد أن الحريات مقيدة بعدم التعدي على حدود الغير ولا تشكل خطرا يهدد المجتمعات. وفي ظل هذا التهاون، تمادت الأحزاب الأوروبية المتطرفة في غيها، لتتحالف في ما بينها وتؤسس مجموعة «أوروبا الأمم والحريات» داخل البرلمان الأوروبي. كما اتفقت، عام 2008 بمدينة انفير البلجيكية، أحزاب من فرنسا وألمانيا وبريطانيا والنمسا وإيطاليا والدنمارك وسويسرا وبلجيكا وإسبانيا وهولندا واليونان على تأسيس منظمة (المدن ضد الأسلمة). وبنظرة سريعة على الساحة الأوروبية نجد أمثلة عديدة لقيادات التطرف، منهم: غيرت فيلدرز زعيم حزب الحرية الهولندي، مارين لوبان زعيمة الجبهة الوطنية الفرنسية، ماركوس بريستل (حزب البديل من أجل ألمانيا) ولوتس باخمان (حركة بيجيدا الألمانية)، فيليب دي وينتر (حزب فلامس بلانج البلجيكي)، يمي اوكيسون (حزب الديمقراطيون السويديون)، هاينز كريستيان ستراسي رئيس حزب (اف بي او) النمساوي.

وما يزيد الأمر خطورة، أن أصحاب الباطل يبررون علنا الأعمال الإرهابية بدون خوف من أي محاسبة قانونية تردعهم. فهذا السيناتور الأسترالي فرايزر انينغ، يبادر بإصدار بيان قال فيه إن (السبب الحقيقي لإراقة الدماء في شوارع نيوزيلندا اليوم هو برنامج الهجرة الذي سمح للمسلمين بالهجرة إليها. ربما يكون المسلمون ضحية اليوم ولكنهم في العادة هم المنفذون على مستوى العالم، حيث يقتلون الناس بدرجات عالية باسم دينهم. وإن الدين الإسلامي ببساطة يعد أصل أيديولوجية العنف من القرن السادس... والحقيقة أن الإسلام ليس مثل الأديان الأخرى، فهو يماثل الفاشية، ولا يعني أن أتباع هذا الدين الوحشي ليسوا القتلة في هذه الحالة، إنهم ليسوا مذنبين). بالإضافة إلى ترسخ العداء للإسلام بالوجدان الغربي ليصبح ظاهرة فكرية ممنهجة وفقا لرؤى قومية ودينية تسترجع وقائع تاريخية لتأجيج الصراع العقائدي مع المسلمين. فالسيناتور انينغ يشير في بيانه للقرن السادس تنويها بتاريخ بعثة الرسول محمد عليه الصلاة والسلام، تقريبا عام 610م. ومواطنه المجرم تارانت يستدعي، بكتابات على الأسلحة التي نفذ بها الجريمة، عام 1189 تاريخ الحملة الصليبية الثالثة التي شنها إمبراطور ألمانيا وملك فرنسا وريتشارد قلب الأسد ملك إنجلترا، ضد المسلمين.

ولمواجهة هذا الباطل، فقد تحالف أصحاب الحق بالمجتمع الدولي على تجريم وإدانة جرائم الإرهاب لأنها من أخطر الجرائم التي تهدد الإنسانية والسلم، واتفقوا على:

• ميثاق الأمم المتحدة الذي نص على إنقاذ الأجيال المقبلة من ويلات الحرب، والإيمان بالحقوق الأساسية للإنسان وبكرامة الفرد وقدره وبما للرجال والنساء والأمم كبيرها وصغيرها من حقوق متساوية.

• إعلان الأمم المتحدة عام 1981، بالقضاء على جميع أشكال التعصب والتمييز القائمين على أساس الدين أو المعتقد.

• مبادئ أقرها زعماء العالم بمؤتمر القمة العالمي عام 2005 تدعو إلى: احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية والمساواة بالحقوق دون تمييز على أساس العرق أو الجنس أو اللغة أو الدين، والتأكيد بأنه لا يجوز ولا ينبغي ربط الإرهاب بأي دين أو جنسية أو حضارة أو جماعة عرقية.

• إستراتيجية الأمم المتحدة العالمية لمكافحة الإرهاب التي اعتمدتها الدول الأعضاء عام 2006، والتدابير الرامية للقضاء على الإرهاب الدولي المعتمدة عام 2012.

• قرار مجلس حقوق الإنسان عام 2015، الذي أشار إلى تصاعد التطرف الديني في مناطق شتى من العالم وتأثيره على حقوق الأفراد، وأكد أن الاعتداءات على الأماكن والمواقع والمزارات الدينية تشكل انتهاكا للقانون الدولي لاسيما القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني، وأدان جميع أشكال العنف والتعصب والتمييز على أساس الدين أو المعتقد أو باسمهما، وأي دعوة إلى الكراهية الدينية تشكل تحريضا على التمييز أو العداء أو العنف سواء باستخدام الوسائل المطبوعة أو السمعية-البصرية أو الإلكترونية أو أي وسائل أخرى.

ولضمان استئصال مساعي الباطل الرامية إلى كراهية الإسلام والمسلمين، فمن المناسب على العالم الإسلامي البناء على ما اتفق عليه المجتمع الدولي في هذا الصدد، والعمل على:

1- الالتزام بتعاليم الدين الحنيف وعدم تنفيذ عمليات انتقامية ضد أي دور عبادة لأي دين.

2- تكثيف النشاط الإعلامي الإسلامي في الدول الغربية لتوضيح الصورة الصادقة للدين، وعدم إتاحة الفرصة للمتطرفين بخلق هوة بين المجتمعات الإسلامية والغرب.

3- الشفافية وتسمية الأمور بأسمائها بدون مواربة من كافة الدول الإسلامية، على غرار ما نشرته المملكة العربية السعودية بتاريخ 15 مارس 2019، من تحذير لخطابات الكراهية في: أستراليا، أيسلندا، نيوزيلندا، كندا، هولندا، بلجيكا، ألمانيا، فرنسا، بريطانيا، النرويج، الدنمارك، السويد، ومطالبتها بإصدار قوانين تحد من العنصرية ضد المسلمين.

4- إصدار منظمة التعاون الإسلامي تقريرا دوريا عن التجاوزات التي ترتكب ضد المسلمين تتضمن قوائم بأسماء الأفراد والمنظمات التي تحرض على كراهية المسلمين والشركات التي تمولها لتتم مقاطعتها تجاريا من قبل العالم الإسلامي.

5- السعي من خلال مجلس الأمن لاستصدار قرار، وفقا للفصل السابع، ينص على: إلزام الدول المختلفة بإصدار عقوبات رادعة تجرم الكراهية ضد الإسلام والمسلمين، وإدراج كافة المنظمات والأفراد المحرضين والمنفذين والممولين للعمليات والأفكار الداعية لكراهية الإسلام ضمن المجموعات الإرهابية وتجفيف منابع تمويلهم. والله ولي التوفيق.

* كاتب سعودي - عضو مجلس الشورى