تشير سلسلة من الدراسات والتقارير الإحصائية الصادرة عن الجهات الرسمية والمختصة سواء في المملكة أو في الخارج، إلى أن لدينا عددا ليس بقليل من المؤشرات السلبية «غير المنطقية» والمتنامية بلا توقف خلال العقد الأخير، وباتت تشكل تحدياً خطيراً لعجلة التنمية في المملكة.
فبالرغم من أن المملكة تستورد نحو 80% من احتياجاتها الغذائية، إلا أن آخر التقارير الإحصائية الصادرة عن وزارة البيئة والمياه والزراعة تشير إلى أن المملكة تتصدر العالم في هدر الغذاء بنسبة 250 كيلوغراما للفرد سنوياً وهو ما يفوق ضعف المتوسط العالمي في هدر الفرد للطعام والبالغ 115 كيلوغراما سنوياً، وتبلغ تكلفة الطعام المهدر نحو 50 مليار ريال سنوياً، وذات الأمر ينطبق على المعدلات المفزعة لاستهلاك المياه في المملكة التي لم تتراجع إلى معدلات مقبولة بالرغم من خفض الدعم الحكومي، وبالرغم أيضاً من شح موارد المياه الطبيعية في المملكة، إلا أن متوسط استهلاك الفرد من المياه يبلغ حالياً 263 لترا يومياً، ويضعنا في المرتبة الثالثة عالمياً، وهذا المعدل يفوق ضعف متوسط الاستهلاك العالمي، كما تتجاوز نسب الاستهلاك الحالية المقدرات الطبيعية من المياه المتجددة وفقاً للكثير من التقارير التي تؤكد أن المدخرات المائية الراهنة من المياه الجوفية بالكاد توفر 76 مترا مكعبا للفرد سنوياً في السنة، بينما المعدل العالمي يقدر بحوالى 500 متر مكعب لكل فرد سنويا، في حين أكدت دراسة حكومية أن 86%، من المواطنين لا يعلمون أن هناك شحاً في مصادر المياه في المملكة، و82% لا يطبقون أي إجراءات لترشيد استهلاك المياه.
فيما تصنف المملكة الخامس عالمياً في استهلاك النفط بمقدار 4.5 مليون برميل يومياً، وضمن الدول الخمس الأكثر استهلاكاً للطاقة في المنازل، إذ يبلغ متوسط استهلاك الكهرباء للمنزل الواحد 24.400 كيلوواط ساعة سنويا، وهو أكثر من خمسة أضعاف الاستهلاك في فرنسا وألمانيا، ويتصاعد كذلك استهلاك البنزين والديزل في المملكة بالرغم من خفض الدعم عن المحروقات، حيث تبلغ معدلات الاستهلاك حالياً نحو 910 آلاف برميل يوميا، فيما يتوقّع استمرار نمو أعداد المركبات البالغ حاليا نحو 13 مليون مركبة ليصل بحلول عام 2030 إلى أكثر من 26 مليون مركبة، وهو ما سيؤدي إلى ارتفاع معدل الاستهلاك اليومي من البنزين والديزل إلى نحو مليون و860 ألف برميل يومياً إذا لم تطبق خطط فاعلة لخفض الاستهلاك.
ولا تتوقف السلبيات عند المعدلات «غير المنطقية» والمتزايدة في استهلاك المياه والغذاء وموارد الطاقة، فبالرغم من المليارات التي صرفت على نظام «ساهر» المخصص لضبط وإدارة حركة المرور والذي مضى على تطبيقه أكثر من ثماني سنوات إضافة إلى ارتفاع قيمة المخالفات المرورية، إلا أن حوادث السير هي ثاني مسببات الوفاة في المملكة، وبالرغم من الانخفاض النسبي في معدلات حوادث السير وما ينجم عنها من إصابات ووفيات بحسب تقارير صادرة عن الإدارة العامة للمرور إلا أن هذه النسب لا تزال مرتفعة جداً، حيث سجلت السعودية أعلى معدل وفيات ناجمة عن الحوادث المرورية من بين دول مجموعة العشرين بمعدل بلغ 28.8 لكل 100 ألف نسمة، وذلك وفقاً لتقرير «حالة السلامة على الطرق» الصادر عن منظمة الصحة العالمية أخيراً.
أما على صعيد الصحة، فتشير الإحصائيات إلى أن المملكة سجلت ثلاثة ملايين و850 ألف إصابة بمرض السكري خلال عام 2017، لتضع المملكة ضمن الدول العشر الأولى عالمياً التي تواجه سرعة انتشار المرض بين مواطنيها. وأكد رئيس الجمعية السعودية للسكري الدكتور عبدالرحمن الشيخ أن 20% من سكان المملكة مصابون بالسكري، في حين كشف رئيس مجلس إدارة الجمعية السعودية للسكري في المنطقة الشرقية، عبدالعزيز التركي، أن علاج السكري يكلف وزارة الصحة نحو 40% من ميزانيتها سنوياً، أما على صعيد مؤشرات التدخين، فقالت وزارة الصحة خلال مسح أجرته على المدارس في أكتوبر الماضي أن التدخين يودي بحياة 71 من الرجال و21 من النساء في المملكة أسبوعياً، أي بما يعادل 4784 شخصاً كل عام، كما أكدت التقارير ارتفاع نسبة المدخنين، حيث تحتل السعودية المركز الرابع عالميا في استيراد الدخان، والمرتبة 19 من حيث ارتفاع معدلات نمو سوق التبغ، في حين ينفق أكثر من 6 ملايين مدخن في المملكة نحو 30 مليون ريال على منتجات التبغ يومياً، وبلغت آخر إحصائيات واردات الدخان أكثر من 1.4 مليار ريال سنوياً.
أتوقف عند هذا القدر المرهق من الأرقام والمؤشرات المزعجة، وأؤكد أن ما طرح في حيز هذا المقال ليس انتقاء للسلبيات أو مجرد نظرة ضيقة ومحدودة في الجزء الفارغ من الكوب الممتلئ، بل هو إشارة سريعة إلى هذا الهدر الكبير والمستمر في مواردنا البشرية والطبيعية، وكل ما تطرقت إليه هو عن تحديث لبيانات وأرقام وإحصائيات طرحتها في مقال سابق قبل خمس سنوات وظلت على ذات السياق، وهو ما ينذر بوجود خلل كبير في التوعية المجتمعية، وما يدل على ذلك هو أن هذه المعدلات التي تتسارع في النمو سنويا لا ترتبط بشكل أساسي بنسبة تزايد النمو السكاني ولا بارتفاع مستوى دخل الفرد.
ولا شك أن الجهات الرسمية والمعنية تبذل جهوداً كبيرة لتقليص هذه المعدلات السلبية، ولكن المؤشرات تدل على أن الحلول التي قدمت لم تكن ناجعة بالقدر الكافي لكبح الارتفاع القياسي لهذه المعدلات التي تعرقل عجلة التنمية وتقضي تدريجيا على البيئة والبشر، وأرى أنها تستوجب أن يخصص لها كيان رسمي ومركزي لمعالجة هذه المؤشرات ومعوقات التنمية وتقليص أعبائها وتبعاتها بشكل أكثر فاعلية.
* كاتب سعودي
ktashkandi@okaz.com.sa
@khalid_tashkndi
فبالرغم من أن المملكة تستورد نحو 80% من احتياجاتها الغذائية، إلا أن آخر التقارير الإحصائية الصادرة عن وزارة البيئة والمياه والزراعة تشير إلى أن المملكة تتصدر العالم في هدر الغذاء بنسبة 250 كيلوغراما للفرد سنوياً وهو ما يفوق ضعف المتوسط العالمي في هدر الفرد للطعام والبالغ 115 كيلوغراما سنوياً، وتبلغ تكلفة الطعام المهدر نحو 50 مليار ريال سنوياً، وذات الأمر ينطبق على المعدلات المفزعة لاستهلاك المياه في المملكة التي لم تتراجع إلى معدلات مقبولة بالرغم من خفض الدعم الحكومي، وبالرغم أيضاً من شح موارد المياه الطبيعية في المملكة، إلا أن متوسط استهلاك الفرد من المياه يبلغ حالياً 263 لترا يومياً، ويضعنا في المرتبة الثالثة عالمياً، وهذا المعدل يفوق ضعف متوسط الاستهلاك العالمي، كما تتجاوز نسب الاستهلاك الحالية المقدرات الطبيعية من المياه المتجددة وفقاً للكثير من التقارير التي تؤكد أن المدخرات المائية الراهنة من المياه الجوفية بالكاد توفر 76 مترا مكعبا للفرد سنوياً في السنة، بينما المعدل العالمي يقدر بحوالى 500 متر مكعب لكل فرد سنويا، في حين أكدت دراسة حكومية أن 86%، من المواطنين لا يعلمون أن هناك شحاً في مصادر المياه في المملكة، و82% لا يطبقون أي إجراءات لترشيد استهلاك المياه.
فيما تصنف المملكة الخامس عالمياً في استهلاك النفط بمقدار 4.5 مليون برميل يومياً، وضمن الدول الخمس الأكثر استهلاكاً للطاقة في المنازل، إذ يبلغ متوسط استهلاك الكهرباء للمنزل الواحد 24.400 كيلوواط ساعة سنويا، وهو أكثر من خمسة أضعاف الاستهلاك في فرنسا وألمانيا، ويتصاعد كذلك استهلاك البنزين والديزل في المملكة بالرغم من خفض الدعم عن المحروقات، حيث تبلغ معدلات الاستهلاك حالياً نحو 910 آلاف برميل يوميا، فيما يتوقّع استمرار نمو أعداد المركبات البالغ حاليا نحو 13 مليون مركبة ليصل بحلول عام 2030 إلى أكثر من 26 مليون مركبة، وهو ما سيؤدي إلى ارتفاع معدل الاستهلاك اليومي من البنزين والديزل إلى نحو مليون و860 ألف برميل يومياً إذا لم تطبق خطط فاعلة لخفض الاستهلاك.
ولا تتوقف السلبيات عند المعدلات «غير المنطقية» والمتزايدة في استهلاك المياه والغذاء وموارد الطاقة، فبالرغم من المليارات التي صرفت على نظام «ساهر» المخصص لضبط وإدارة حركة المرور والذي مضى على تطبيقه أكثر من ثماني سنوات إضافة إلى ارتفاع قيمة المخالفات المرورية، إلا أن حوادث السير هي ثاني مسببات الوفاة في المملكة، وبالرغم من الانخفاض النسبي في معدلات حوادث السير وما ينجم عنها من إصابات ووفيات بحسب تقارير صادرة عن الإدارة العامة للمرور إلا أن هذه النسب لا تزال مرتفعة جداً، حيث سجلت السعودية أعلى معدل وفيات ناجمة عن الحوادث المرورية من بين دول مجموعة العشرين بمعدل بلغ 28.8 لكل 100 ألف نسمة، وذلك وفقاً لتقرير «حالة السلامة على الطرق» الصادر عن منظمة الصحة العالمية أخيراً.
أما على صعيد الصحة، فتشير الإحصائيات إلى أن المملكة سجلت ثلاثة ملايين و850 ألف إصابة بمرض السكري خلال عام 2017، لتضع المملكة ضمن الدول العشر الأولى عالمياً التي تواجه سرعة انتشار المرض بين مواطنيها. وأكد رئيس الجمعية السعودية للسكري الدكتور عبدالرحمن الشيخ أن 20% من سكان المملكة مصابون بالسكري، في حين كشف رئيس مجلس إدارة الجمعية السعودية للسكري في المنطقة الشرقية، عبدالعزيز التركي، أن علاج السكري يكلف وزارة الصحة نحو 40% من ميزانيتها سنوياً، أما على صعيد مؤشرات التدخين، فقالت وزارة الصحة خلال مسح أجرته على المدارس في أكتوبر الماضي أن التدخين يودي بحياة 71 من الرجال و21 من النساء في المملكة أسبوعياً، أي بما يعادل 4784 شخصاً كل عام، كما أكدت التقارير ارتفاع نسبة المدخنين، حيث تحتل السعودية المركز الرابع عالميا في استيراد الدخان، والمرتبة 19 من حيث ارتفاع معدلات نمو سوق التبغ، في حين ينفق أكثر من 6 ملايين مدخن في المملكة نحو 30 مليون ريال على منتجات التبغ يومياً، وبلغت آخر إحصائيات واردات الدخان أكثر من 1.4 مليار ريال سنوياً.
أتوقف عند هذا القدر المرهق من الأرقام والمؤشرات المزعجة، وأؤكد أن ما طرح في حيز هذا المقال ليس انتقاء للسلبيات أو مجرد نظرة ضيقة ومحدودة في الجزء الفارغ من الكوب الممتلئ، بل هو إشارة سريعة إلى هذا الهدر الكبير والمستمر في مواردنا البشرية والطبيعية، وكل ما تطرقت إليه هو عن تحديث لبيانات وأرقام وإحصائيات طرحتها في مقال سابق قبل خمس سنوات وظلت على ذات السياق، وهو ما ينذر بوجود خلل كبير في التوعية المجتمعية، وما يدل على ذلك هو أن هذه المعدلات التي تتسارع في النمو سنويا لا ترتبط بشكل أساسي بنسبة تزايد النمو السكاني ولا بارتفاع مستوى دخل الفرد.
ولا شك أن الجهات الرسمية والمعنية تبذل جهوداً كبيرة لتقليص هذه المعدلات السلبية، ولكن المؤشرات تدل على أن الحلول التي قدمت لم تكن ناجعة بالقدر الكافي لكبح الارتفاع القياسي لهذه المعدلات التي تعرقل عجلة التنمية وتقضي تدريجيا على البيئة والبشر، وأرى أنها تستوجب أن يخصص لها كيان رسمي ومركزي لمعالجة هذه المؤشرات ومعوقات التنمية وتقليص أعبائها وتبعاتها بشكل أكثر فاعلية.
* كاتب سعودي
ktashkandi@okaz.com.sa
@khalid_tashkndi