عندما يرتكب أحد الأشخاص المحسوبين على الإسلام جرماً ويقتل مجموعة من الأبرياء، تتسابق العديد من الحكومات والمنظمات الدولية الرسمية وغير الرسمية في نعت المسلمين بالإرهابيين وكيل التهم لهم جزافاً وإلصاق التطرف الفكري بهم، أما لو قام شخص آخر غير مسلم بارتكاب نفس الجريمة وبنفس الطريقة فنجدهم يصفون الحدث تارة بأنه حدث فردي، ويصفون المعتدي تارة أخرى بأنه مختل عقلياً، في انحياز واضح ومتعمد لتشويه صورة المسلمين أمام الرأي العام العالمي وعلى نحو يوحي بالتغافل عن سلمية الغالبية العظمى من المسلمين.
لا شك في أن الإرهاب في حقيقته هو سلاح سياسي يتزيا بزي أيديولوجي، وهو فكر قبل أن يكون أداة، تستخدمه جماعات منظمة ممنهجة لتحقيق أغراض بعينها، والإرهابي أو منفذ العمليات الإرهابية قد يكون أحد المنتمين لتلك الجماعات، ومن أشد المخلصين لفكرها، ممن يعتبرون إزهاق أرواح البشر شرفاً لهم وتعبيراً عن شدة انتمائهم وتجسيداً لولائهم غير المشروط لتنظيمهم، لكن في غالبية الأحوال يكون الإرهابي مأجوراً أو مرتزقاً يتلوَّن طبقاً لما يتقاضاه ممن يؤجره ويوظف له خدماته الإجرامية، ولعل الفصيل الأخير هو الأكثر انتشاراً وخطراً.
بقراءة موجزة للتاريخ يتبين لنا أن الكثير من الخلافات السياسية بين الدول غالباً ما تتحول لأدوات إرهابية هدفها التربح ومراكمة الثروات، وأذكر على سبيل المثال الإرهابي الشهير صبري البنا المعروف «بأبي نضال»، الذي يمثل نموذجاً صارخاً لهذه الانتهازية السياسية، فقد احتسب نفسه مجاهداً ومناضلاً مدافعاً عن القضية الفلسطينية، ثم تحول لاحقاً لمرتزق ينفذ العمليات الإرهابية لمن يدفع أكثر، وقد تنقل ما بين العراق وليبيا بهدف تنفيذ الأجندات المشبوهة لأكثر زعيمين عربيين دمويةً في ذلك الوقت وهما صدام حسين والقذافي.
التاريخ يعيد نفسه ولكن بزي آخر مختلف، فكما أن هناك بعض المنظمات المتطرفة المحسوبة على الإسلام -كداعش وغيرها- والتي قامت بقتل العديد من الأبرياء، هناك أيضاً منظمات غربية متطرفة تكن العداء للمسلمين، وتقوم بعمليات إرهابية كرد فعل أو انتقام لما قامت به هذه الجماعات الإسلامية المتطرفة، وبصفة شخصية أشك كثيراً في أن مرتكب مجزرة نيوزيلندا مؤخراً مجرد شخص متطرف معاد للإسلام من تلقاء نفسه، وأشك أن هذا الحادث هو مجرد عمل فردي حتى لو أصر الجاني نفسه على ادعاء ذلك، فهذا الشخص من المؤكد أنه مجرد أداة في أيدي منظمة إرهابية لها أهدافها رغم عدم الإعلان عن ذلك في وسائل الإعلام.
إن تتبع مسيرة هذا الإرهابي خلال فترة الشهور الأخيرة قبيل ارتكابه جريمته المروعة، أفضت إلى أنه تردد على تركيا ومكث بها لبعض الوقت، ولقد قادتنا تلك المعلومة لتذكر الحادث الإرهابي الذي وقع قبل سنتين في مطعم رينا بإسطنبول، والذي قام بارتكابه أحد المجرمين القادمين من إحدى دول القوقاز الفقيرة، والذي كان ينتمي لداعش، وقد انحصر دوره في تنفيذ ما أملي عليه مقابل حصوله على بضعة آلاف من الدولارات، فأين أجهزة الأمن التركية من تعقب مثل هؤلاء الإرهابيين قبل حدوث هذه العمليات الإرهابية، إن ما حدث في نيوزيلندا مؤخراً لا يعني أن التخطيط للعملية الإرهابية بدأ وانتهى بانتهاء المذبحة، فربما انتهى بالفعل في نيوزيلندا لكن ربما بدأ الإعداد لحوادث مشابهة من أماكن أخرى، وعبر دول أخرى لا تتصف أجهزتها الأمنية بالجاهزية والانتباه الكافيين.
ضحايا مجزرة نيوزيلندا ينتمون لدول كثيرة، جميع هذه الدول التزمت الحياد في تصريحاتها لحماية حقوق رعاياها من الضحايا، حتى تظهر نتائج التحقيق والمحاكمة، لكن ما أثار استغرابنا هو تصريحات الرئيس التركي وتوعده القاتل بمحاسبته إن لم تتم محاسبته على النحو المناسب، خارقاً كافة القواعد الدبلوماسية والأعراف الدولية، ربما يقول قائل إن هذا التصريح لتحسين شعبيته المتآكلة، غير أن سعي الرئيس التركي للعب دور حامي حمى المسلمين وخليفتهم المرتقب والمنتظر بات أمراً مستهجناً ومرفوضاً، فاستدعاء أمجاد الإمبراطورية العثمانية أصبح أمراً من الماضي عفا عليه الزمن، وخيالات وطموحات الدولة الإسلامية بقيادة تركيا غدت نوعاً من الدعاية المفضوحة والتعبئة الشعبية المكشوفة التي تستغل الأحداث لصالحها أسوأ وأمر استغلال، وتتحين الفرصة تلو الأخرى لتعظيم استفادتها من أي مصيبة أو فاجعة تحدث في أي مكان، في استهانة وعدم احترام واضح لمشاعر ذوي الضحايا، وعدم اكتراث أو مبالاة بقواعد البروتوكول الدولي في تعامله مع مثل هذه القضايا الإنسانية بالغة الحساسة.
* كاتب سعودي
mohammed@dr-mufti.com
لا شك في أن الإرهاب في حقيقته هو سلاح سياسي يتزيا بزي أيديولوجي، وهو فكر قبل أن يكون أداة، تستخدمه جماعات منظمة ممنهجة لتحقيق أغراض بعينها، والإرهابي أو منفذ العمليات الإرهابية قد يكون أحد المنتمين لتلك الجماعات، ومن أشد المخلصين لفكرها، ممن يعتبرون إزهاق أرواح البشر شرفاً لهم وتعبيراً عن شدة انتمائهم وتجسيداً لولائهم غير المشروط لتنظيمهم، لكن في غالبية الأحوال يكون الإرهابي مأجوراً أو مرتزقاً يتلوَّن طبقاً لما يتقاضاه ممن يؤجره ويوظف له خدماته الإجرامية، ولعل الفصيل الأخير هو الأكثر انتشاراً وخطراً.
بقراءة موجزة للتاريخ يتبين لنا أن الكثير من الخلافات السياسية بين الدول غالباً ما تتحول لأدوات إرهابية هدفها التربح ومراكمة الثروات، وأذكر على سبيل المثال الإرهابي الشهير صبري البنا المعروف «بأبي نضال»، الذي يمثل نموذجاً صارخاً لهذه الانتهازية السياسية، فقد احتسب نفسه مجاهداً ومناضلاً مدافعاً عن القضية الفلسطينية، ثم تحول لاحقاً لمرتزق ينفذ العمليات الإرهابية لمن يدفع أكثر، وقد تنقل ما بين العراق وليبيا بهدف تنفيذ الأجندات المشبوهة لأكثر زعيمين عربيين دمويةً في ذلك الوقت وهما صدام حسين والقذافي.
التاريخ يعيد نفسه ولكن بزي آخر مختلف، فكما أن هناك بعض المنظمات المتطرفة المحسوبة على الإسلام -كداعش وغيرها- والتي قامت بقتل العديد من الأبرياء، هناك أيضاً منظمات غربية متطرفة تكن العداء للمسلمين، وتقوم بعمليات إرهابية كرد فعل أو انتقام لما قامت به هذه الجماعات الإسلامية المتطرفة، وبصفة شخصية أشك كثيراً في أن مرتكب مجزرة نيوزيلندا مؤخراً مجرد شخص متطرف معاد للإسلام من تلقاء نفسه، وأشك أن هذا الحادث هو مجرد عمل فردي حتى لو أصر الجاني نفسه على ادعاء ذلك، فهذا الشخص من المؤكد أنه مجرد أداة في أيدي منظمة إرهابية لها أهدافها رغم عدم الإعلان عن ذلك في وسائل الإعلام.
إن تتبع مسيرة هذا الإرهابي خلال فترة الشهور الأخيرة قبيل ارتكابه جريمته المروعة، أفضت إلى أنه تردد على تركيا ومكث بها لبعض الوقت، ولقد قادتنا تلك المعلومة لتذكر الحادث الإرهابي الذي وقع قبل سنتين في مطعم رينا بإسطنبول، والذي قام بارتكابه أحد المجرمين القادمين من إحدى دول القوقاز الفقيرة، والذي كان ينتمي لداعش، وقد انحصر دوره في تنفيذ ما أملي عليه مقابل حصوله على بضعة آلاف من الدولارات، فأين أجهزة الأمن التركية من تعقب مثل هؤلاء الإرهابيين قبل حدوث هذه العمليات الإرهابية، إن ما حدث في نيوزيلندا مؤخراً لا يعني أن التخطيط للعملية الإرهابية بدأ وانتهى بانتهاء المذبحة، فربما انتهى بالفعل في نيوزيلندا لكن ربما بدأ الإعداد لحوادث مشابهة من أماكن أخرى، وعبر دول أخرى لا تتصف أجهزتها الأمنية بالجاهزية والانتباه الكافيين.
ضحايا مجزرة نيوزيلندا ينتمون لدول كثيرة، جميع هذه الدول التزمت الحياد في تصريحاتها لحماية حقوق رعاياها من الضحايا، حتى تظهر نتائج التحقيق والمحاكمة، لكن ما أثار استغرابنا هو تصريحات الرئيس التركي وتوعده القاتل بمحاسبته إن لم تتم محاسبته على النحو المناسب، خارقاً كافة القواعد الدبلوماسية والأعراف الدولية، ربما يقول قائل إن هذا التصريح لتحسين شعبيته المتآكلة، غير أن سعي الرئيس التركي للعب دور حامي حمى المسلمين وخليفتهم المرتقب والمنتظر بات أمراً مستهجناً ومرفوضاً، فاستدعاء أمجاد الإمبراطورية العثمانية أصبح أمراً من الماضي عفا عليه الزمن، وخيالات وطموحات الدولة الإسلامية بقيادة تركيا غدت نوعاً من الدعاية المفضوحة والتعبئة الشعبية المكشوفة التي تستغل الأحداث لصالحها أسوأ وأمر استغلال، وتتحين الفرصة تلو الأخرى لتعظيم استفادتها من أي مصيبة أو فاجعة تحدث في أي مكان، في استهانة وعدم احترام واضح لمشاعر ذوي الضحايا، وعدم اكتراث أو مبالاة بقواعد البروتوكول الدولي في تعامله مع مثل هذه القضايا الإنسانية بالغة الحساسة.
* كاتب سعودي
mohammed@dr-mufti.com