أثار وزير التجارة والاستثمار تساؤلات عن سر نجاح ثقافة القصيم في العمل قبل أيام في مؤتمر مكة الاقتصادي. وهي ربما المرة الأولى حسب ظني والتي أسمع مسؤولا يتحدث عن أهمية الثقافة العامة في التأثير على العمل والعاملين. هو تصريح له دلالته وأسئلة تحمل الكثير من الرسائل المباشرة وغير المباشرة.
فهل كان الوزير يرمي إلى ما تحقق في منطقة القصيم من حديقة، أم أنه كان يرمي لنجاحات الفرد في القصيم على صعيد العمل والمشروعات الصغيرة؟ وهل عمم الوزير يا ترى تساؤلاته على كافة مجتمعات القصيم ومحافظاتها أم أنه كان يتحدث عن محافظة بعينها وفي مرحلة زمنية بعينها؟
لماذا نجحت ثقافة العمل في القصيم بأن تنتقل من جيل لجيل، بينما فشلت في أن تنتقل من مجتمع لمجتمع حتى داخل مجتمعات القصيم، ناهيك عن عدم اختراقها لمناطق ومجتمعات خارج منطقة القصيم؟
فبغض النظر عن حجم الظاهرة، فقد يكون سبب ثقافة العمل لدى أهل القصيم، ذا صلة بجغرافية القصيم والموقع الجغرافي، كما يعتقد البعض، أو متصلا بالسياق الاجتماعي التاريخي أو ربما كان نتيجة لظروف اقتصادية صِرفة حتمت على الناس، الانخراط بقوافل العقيلات ورحلاتهم التجارية إلى الشام والعراق ومصر كما يظن البعض الآخر، مما فرض قيما اقتصادية اجتماعية انعكست على أهل بريدة تحديدا وبعض المحافظات، فيما أصبح يعرف لاحقاً بثقافة العمل الجادة.
وقد يكون كل هذه الأسباب مجتمعةً بأبعادها الاجتماعية التاريخية والجغرافية والاقتصادية مجتمعةً متوفرة ومؤثرة في طرف زمني ومكاني وموضوعي واحد.
كانت القناعة لدى أغلب مؤسساتنا تقريبا بأن التعليم والتدريب والتمكين المالي هي أركان التغيير الكفيلة بخلق ثقافة العمل وتعزيزها، وبالتالي تحقيق النجاح المنشود في المجتمعات الصناعية.
أنا شخصيا كنت متأكداً أن المشكلة الحقيقية لدى شبابنا في المملكة في ما يتعلق بالعمل لا تتحقق بالتعليم لوحده ولا تتحقق بالتدريب لوحده ولا تتحقق بالتمكين المالي وحده، لكنها تكمن في تدني ثقافة العمل وتدني حب العمل وتكمن في الفجوة الكبيرة بين الثقافة الاجتماعية وثقافة العمل، وفي الفجوة الكبيرة بين المعرفة وثقافة العمل، الفجوة الكبيرة بين ثقافة المهنة وثقافة الوظيفة، ولذلك كتبتُ مرارا وتكرارا للمطالبة بفرض التجنيد الإجباري على خريجي الثانوية لمدة تتم دراستها، وربما تم فرضها على فئات غير منتجة وغير مكترثة بالعمل خلافا لفرضها على خريجي المرحلة الثانوية.
وقلت إن التجنيد ليس بالضرورة أن يصنع جيشا احتياطيا هذا ممكن كذلك، لكن الهدف من التجنيد الإجباري خلق ثقافة عمل تبني العقل والجسد والنفسية والمهنة، وتحول الكثير من شبابنا للبرامج التقنية والمهنية والفنية، بدلا من استنزاف موارد المجتمع بدراسة البكالوريوس المحنطة.
أنا سعيد أن يقف وزير التجارة والاستثمار ليستدعي ثقافة العمل من تحت أنقاض برامج خدرت الرأي العام طويلاً وكأنها من يزف الشباب السعودي لساحات العمل بالملايين، حتى تبين أن برامج السعودة أخذت كل شيء في الاعتبار إلا ثقافة العمل.
تختلف مجتمعات المملكة، من مجتمع لآخر، وتتشابه بالكثير من الخصائص والقيم والمعطيات.
ثقافة العمل ليست استثناءً بين سائر الثقافات المحلية، ومنطقة القصيم قدمت لنا مشكورة نموذجا عبر عدة أجيال من النجاحات في ثقافة العمل، وقدمت لنا نماذج عالمية من رجالات الأعمال مثلما قدمت لنا مجتمعات سعودية أخرى نماذج نجاح أخرى في مجالات مختلفة، وأظن أن السر الذي أتبرع بالإجابة به عن أسئلة معالي الوزير تكمن في «العيب». هذا العيب الذي يثقل كاهل الشباب والشابات في أغلب مجتمعاتنا المحلية السعودية والمجتمعات العربية.
هذا العيب الذي يتميز أهلنا في القصيم بمراعاته في حدود الضرورة، لكنهم لا يسمحون لثقافة العيب أن تقوض أطناب ثقافة العمل.
إنني أتمنى أن تنجح المؤسسة الرسمية والقطاع التجاري والمجتمع المدني أن يفك شفرة ثقافة العمل لدى أهلنا القصمان وأن تتوسع هذه القطاعات بنقل تلك الثقافة وترسيخها في كافة مجتمعاتنا، ومؤسساتنا وبين شبابنا وشاباتنا، للتغلب على ثقافة العيب لصناعة ثقافة المهنة بدلاً منها على أنقاض ثقافة الوظيفة وعلى حسابها.
* كاتب سعودي
Dwaihi@agfund.org
فهل كان الوزير يرمي إلى ما تحقق في منطقة القصيم من حديقة، أم أنه كان يرمي لنجاحات الفرد في القصيم على صعيد العمل والمشروعات الصغيرة؟ وهل عمم الوزير يا ترى تساؤلاته على كافة مجتمعات القصيم ومحافظاتها أم أنه كان يتحدث عن محافظة بعينها وفي مرحلة زمنية بعينها؟
لماذا نجحت ثقافة العمل في القصيم بأن تنتقل من جيل لجيل، بينما فشلت في أن تنتقل من مجتمع لمجتمع حتى داخل مجتمعات القصيم، ناهيك عن عدم اختراقها لمناطق ومجتمعات خارج منطقة القصيم؟
فبغض النظر عن حجم الظاهرة، فقد يكون سبب ثقافة العمل لدى أهل القصيم، ذا صلة بجغرافية القصيم والموقع الجغرافي، كما يعتقد البعض، أو متصلا بالسياق الاجتماعي التاريخي أو ربما كان نتيجة لظروف اقتصادية صِرفة حتمت على الناس، الانخراط بقوافل العقيلات ورحلاتهم التجارية إلى الشام والعراق ومصر كما يظن البعض الآخر، مما فرض قيما اقتصادية اجتماعية انعكست على أهل بريدة تحديدا وبعض المحافظات، فيما أصبح يعرف لاحقاً بثقافة العمل الجادة.
وقد يكون كل هذه الأسباب مجتمعةً بأبعادها الاجتماعية التاريخية والجغرافية والاقتصادية مجتمعةً متوفرة ومؤثرة في طرف زمني ومكاني وموضوعي واحد.
كانت القناعة لدى أغلب مؤسساتنا تقريبا بأن التعليم والتدريب والتمكين المالي هي أركان التغيير الكفيلة بخلق ثقافة العمل وتعزيزها، وبالتالي تحقيق النجاح المنشود في المجتمعات الصناعية.
أنا شخصيا كنت متأكداً أن المشكلة الحقيقية لدى شبابنا في المملكة في ما يتعلق بالعمل لا تتحقق بالتعليم لوحده ولا تتحقق بالتدريب لوحده ولا تتحقق بالتمكين المالي وحده، لكنها تكمن في تدني ثقافة العمل وتدني حب العمل وتكمن في الفجوة الكبيرة بين الثقافة الاجتماعية وثقافة العمل، وفي الفجوة الكبيرة بين المعرفة وثقافة العمل، الفجوة الكبيرة بين ثقافة المهنة وثقافة الوظيفة، ولذلك كتبتُ مرارا وتكرارا للمطالبة بفرض التجنيد الإجباري على خريجي الثانوية لمدة تتم دراستها، وربما تم فرضها على فئات غير منتجة وغير مكترثة بالعمل خلافا لفرضها على خريجي المرحلة الثانوية.
وقلت إن التجنيد ليس بالضرورة أن يصنع جيشا احتياطيا هذا ممكن كذلك، لكن الهدف من التجنيد الإجباري خلق ثقافة عمل تبني العقل والجسد والنفسية والمهنة، وتحول الكثير من شبابنا للبرامج التقنية والمهنية والفنية، بدلا من استنزاف موارد المجتمع بدراسة البكالوريوس المحنطة.
أنا سعيد أن يقف وزير التجارة والاستثمار ليستدعي ثقافة العمل من تحت أنقاض برامج خدرت الرأي العام طويلاً وكأنها من يزف الشباب السعودي لساحات العمل بالملايين، حتى تبين أن برامج السعودة أخذت كل شيء في الاعتبار إلا ثقافة العمل.
تختلف مجتمعات المملكة، من مجتمع لآخر، وتتشابه بالكثير من الخصائص والقيم والمعطيات.
ثقافة العمل ليست استثناءً بين سائر الثقافات المحلية، ومنطقة القصيم قدمت لنا مشكورة نموذجا عبر عدة أجيال من النجاحات في ثقافة العمل، وقدمت لنا نماذج عالمية من رجالات الأعمال مثلما قدمت لنا مجتمعات سعودية أخرى نماذج نجاح أخرى في مجالات مختلفة، وأظن أن السر الذي أتبرع بالإجابة به عن أسئلة معالي الوزير تكمن في «العيب». هذا العيب الذي يثقل كاهل الشباب والشابات في أغلب مجتمعاتنا المحلية السعودية والمجتمعات العربية.
هذا العيب الذي يتميز أهلنا في القصيم بمراعاته في حدود الضرورة، لكنهم لا يسمحون لثقافة العيب أن تقوض أطناب ثقافة العمل.
إنني أتمنى أن تنجح المؤسسة الرسمية والقطاع التجاري والمجتمع المدني أن يفك شفرة ثقافة العمل لدى أهلنا القصمان وأن تتوسع هذه القطاعات بنقل تلك الثقافة وترسيخها في كافة مجتمعاتنا، ومؤسساتنا وبين شبابنا وشاباتنا، للتغلب على ثقافة العيب لصناعة ثقافة المهنة بدلاً منها على أنقاض ثقافة الوظيفة وعلى حسابها.
* كاتب سعودي
Dwaihi@agfund.org