من منكم ضد استعانة الحكومات بالبنك الدولي؟ ومن منا يعرف كم الدمار الذي لحق بالعلاقات الدولية بسبب منظمات استعبدت الدول؟ فنحن رأينا عبر التاريخ البسيط بأن البنك الدولي لا يدخل في دولة إلا دمرها... وهناك أمثلة كثيرة تشهد بنجاح دول لم تستعن بالبنك الدولي! تماماً مثل ماليزيا وسنغافورة وكوريا ودبي، حيث سعت تلك الدول للاستعانة بالدراية الحقيقية لاحتياج الداخل وعقولها وترفعت عن تقارير القص واللزق... وترفعت عن إحضار طرف ثالث ليرشدها كيف تدار الأوطان وكيف ترسم السياسات! فهم أهل مكة وأدرى بشعابها، وهم بكل بساطة أسسوا خزانات تفكير (Think Tanks) من نخبة بني جلدتهم كانت تحيط بقادتهم تفكر وتخطط مع حكوماتها.
أتعلمون أن الولايات المتحدة وحدها تملك اليوم 1872 خزان تفكير مستقلاً، والصين بعدها تملك 512، ثم بريطانيا 444، ثم الهند بـ293، وألمانيا 225، وفرنسا 197... هذه الأرقام حمستني لأن أسأل أحد أبرز مثقفينا عن رأيه بخزانات تفكير العرب، وكان جوابه (قصدك تانكي التفكير وليس تانك) مما جعلني أتأكد بأنه لا يوجد خزان تفكير واحد في الدول العربية حقيقي ومستقل.
فإذا أخذنا قصة ماليزيا ومهاتير محمد، التي أدمن عليها عالمنا العربي، وتمعنا بتجربته السياسية وتأسيسه للعديد من خزانات التفكير المستقلة التي كانت تقوم بتوليد أفكار وخيارات مبتكرة لأي مشكلة مطروحة عليه حيث تولت خزانات التفكير هذه تفصيل القضايا بجذورها التاريخية وأبعادها وتداعياتها ووسائل التعامل معها مستعينين بالمراجع المختلفة والتقارير الاستخباراتية والتحاليل الصحفية والتجارب الشخصية، فيكون الباحثون بالأغلب عاشوا أو زاروا تلك المناطق بحكم العمل كسفراء أو أعضاء في وفود أو ممن ولدوا وعاشوا في دول بحكم أنهم من أبنائها المهاجرين أو من العملاء المجندين.
والأهم من هذا كله أن خزانات العقول هذه تتحول على المدى الطويل، أولاً: إلى مرجع للتوظيف ولرسم سياسات الحكومة الخارجية، بحيث تقوم الحكومات باختيار أشخاص من خزانات التفكير المحلية المستقلة للعمل في وزارة الخارجية أو الدفاع أو وكالة المخابرات المركزية أو غيرها من القطاعات الحكومية كقياديين. وقد يحدث العكس ويتجه الوزير أو الرئيس الذي انتهت فترة عمله في الدولة للعمل في أحد خزانات التفكير أو إنشاء خزان تفكير أو مركز دراسات استشارية واستراتيجية، وذلك مثل ما فعل الرؤساء كارتر وفورد وكلينتون وكذلك جيمس بيكر وأوباما، كما يمكن أن توكل لهم بعض المهام عند الحاجة.
وثانياً: بالممارسة، تتحول خزانات التفكير (Think Tanks) هذه إلى منظومة من التفكير الجماعي، من خلال عقد اجتماعات وورش عمل يحضرها طرفا المعادلة المستفيد والمستفاد منه حيث تتم مناقشة القضية المطروحة للوصول لأنجح السبل للتعامل... فالدرس كان كبيراً للعالم بعد الحرب العالمية الأولى، فتأسست 90% من أهم خزانات التفكير الدولية بعد 1951م وظهر أول مركز أبحاث بشكله الحديث في الولايات المتحدة بتأسيس معهد «كارنيغي» للسلام في عام 1910. وتلا ذلك إنشاء معهد «بروكينغز» في عام 1916، ثم معهد «هوفر» في عام 1918، ومؤسسة «القرن» في عام 1919 للتتوسع بعد الحرب الباردة وتصبح هي المراكز التي تقود سياسات الدول الناضجة والعالم بأسره.
لن أطيل عليكم، ولكن أصبح من الملح على الحكومات الشابة اليوم البحث عن أولويات التنمية في مجتمعاتها، ولَفْت انتباه صانع القرار إليها، وإعطاء تصور لسُبل حلها وتوجيه الأنظار إلى المعضلات المجتمعية، تلك التي تواجهها التنمية المحلية والدولية من بني جلدتها، فخزانات التفكير في الدول الناجحة هي قناة اتصال بين صانع القرار والشعب، ولن يتحقق كل ما ذكرت أعلاه دونها..
فإن أردتم الرأي السديد الذي يشبهنا فاستشيروا واستثمروا بخزانات (لا تانكيات) تفكير، كما قال لكم صديقي...
* كاتبة سعودية
WwaaffaaA@
أتعلمون أن الولايات المتحدة وحدها تملك اليوم 1872 خزان تفكير مستقلاً، والصين بعدها تملك 512، ثم بريطانيا 444، ثم الهند بـ293، وألمانيا 225، وفرنسا 197... هذه الأرقام حمستني لأن أسأل أحد أبرز مثقفينا عن رأيه بخزانات تفكير العرب، وكان جوابه (قصدك تانكي التفكير وليس تانك) مما جعلني أتأكد بأنه لا يوجد خزان تفكير واحد في الدول العربية حقيقي ومستقل.
فإذا أخذنا قصة ماليزيا ومهاتير محمد، التي أدمن عليها عالمنا العربي، وتمعنا بتجربته السياسية وتأسيسه للعديد من خزانات التفكير المستقلة التي كانت تقوم بتوليد أفكار وخيارات مبتكرة لأي مشكلة مطروحة عليه حيث تولت خزانات التفكير هذه تفصيل القضايا بجذورها التاريخية وأبعادها وتداعياتها ووسائل التعامل معها مستعينين بالمراجع المختلفة والتقارير الاستخباراتية والتحاليل الصحفية والتجارب الشخصية، فيكون الباحثون بالأغلب عاشوا أو زاروا تلك المناطق بحكم العمل كسفراء أو أعضاء في وفود أو ممن ولدوا وعاشوا في دول بحكم أنهم من أبنائها المهاجرين أو من العملاء المجندين.
والأهم من هذا كله أن خزانات العقول هذه تتحول على المدى الطويل، أولاً: إلى مرجع للتوظيف ولرسم سياسات الحكومة الخارجية، بحيث تقوم الحكومات باختيار أشخاص من خزانات التفكير المحلية المستقلة للعمل في وزارة الخارجية أو الدفاع أو وكالة المخابرات المركزية أو غيرها من القطاعات الحكومية كقياديين. وقد يحدث العكس ويتجه الوزير أو الرئيس الذي انتهت فترة عمله في الدولة للعمل في أحد خزانات التفكير أو إنشاء خزان تفكير أو مركز دراسات استشارية واستراتيجية، وذلك مثل ما فعل الرؤساء كارتر وفورد وكلينتون وكذلك جيمس بيكر وأوباما، كما يمكن أن توكل لهم بعض المهام عند الحاجة.
وثانياً: بالممارسة، تتحول خزانات التفكير (Think Tanks) هذه إلى منظومة من التفكير الجماعي، من خلال عقد اجتماعات وورش عمل يحضرها طرفا المعادلة المستفيد والمستفاد منه حيث تتم مناقشة القضية المطروحة للوصول لأنجح السبل للتعامل... فالدرس كان كبيراً للعالم بعد الحرب العالمية الأولى، فتأسست 90% من أهم خزانات التفكير الدولية بعد 1951م وظهر أول مركز أبحاث بشكله الحديث في الولايات المتحدة بتأسيس معهد «كارنيغي» للسلام في عام 1910. وتلا ذلك إنشاء معهد «بروكينغز» في عام 1916، ثم معهد «هوفر» في عام 1918، ومؤسسة «القرن» في عام 1919 للتتوسع بعد الحرب الباردة وتصبح هي المراكز التي تقود سياسات الدول الناضجة والعالم بأسره.
لن أطيل عليكم، ولكن أصبح من الملح على الحكومات الشابة اليوم البحث عن أولويات التنمية في مجتمعاتها، ولَفْت انتباه صانع القرار إليها، وإعطاء تصور لسُبل حلها وتوجيه الأنظار إلى المعضلات المجتمعية، تلك التي تواجهها التنمية المحلية والدولية من بني جلدتها، فخزانات التفكير في الدول الناجحة هي قناة اتصال بين صانع القرار والشعب، ولن يتحقق كل ما ذكرت أعلاه دونها..
فإن أردتم الرأي السديد الذي يشبهنا فاستشيروا واستثمروا بخزانات (لا تانكيات) تفكير، كما قال لكم صديقي...
* كاتبة سعودية
WwaaffaaA@