بعد أن أتمت الثورة الإيرانية عقدها الرابع، بدت أنها بعيدة عن النضح السياسي، وعن التحول لدولة مؤسسات تحترم القانون الدولي، وبالتالي البعد عن الاستفادة من ثرواتها الكبيرة من النفط والغاز، لبناء بنية تحتية وسبل عيش كريمة للمواطنين الإيرانيين.
وعلى العكس كانت هذه الثروات متى ما تيسر بيعها بسبل قانونية، أو بالالتفاف على العقوبات الممتدة عبر السنوات، يكون نصيب الحرس الثوري منها نصيب الأسد، ليستثمر من خلال فيلق القدس في أذرعه الخارجية، لنشر العمليات الإرهابية والاتجار بالمخدرات، بزعم استمرار لهيب الثورة مشتعلا.
بدأ عهد الثورة بحرب امتدت لثماني سنوات مع العراق، حصد البلدان جراءها آلاف القتلى دون منفعة حقيقية، إلا أنها أفادت النظام في استهلاك الجيش على الحدود، لتعطي فرصة للنظام للتخلص من كل شركاء الثورة، وليستأثر بها الخميني، مما يعني استغلال معركة خارجية لخدمة مصلحة داخلية للنظام، لكن ضحيتها الأولى في الحقيقة كان الشعب الإيراني.
واستمرت إيران في هذه الأعمال العدائية خارج أراضيها، حيث شهدت السعودية عمليات إرهابية إيرانية في الحج، وشهدت الكويت والبحرين ولبنان، عمليات أخرى من خطف طائرة وتفجير مقرات عسكرية غربية، كرسالة إيرانية للغرب على قدرتها للإيذاء، مما يستهدف دوراً أكبر لطهران في المنطقة، بحيث يمنحها الغرب الشرعية خشية من عملياتها الإرهابية.
وقد كانت تراهن دوماً على استقرار الداخل، طالما بقي المكون الفارسي مواليا للنظام، وطالما بقيت الأثنيات الأخرى من أكراد وعرب وتركمان وغيرهم تحت القمع، ويتعرضون للتمييز على اعتبارهم مواطنين من الدرجة الثانية، كل هذا تغير في يوم الثورة الخضراء في 2009.
رفض الشعب الإيراني التزوير في الانتخابات، وإقحام أحمدي نجاد رئيساً، ونزل الشعب للشوارع مستعينا بتويتر للتعبير عن احتجاجاته ولكي يخبر العالم بما يحصل على الأرض، ولما سارع النظام الإيراني لقطع الإنترنت، وفرت تويتر خدمة التغريدات عبر الرسائل النصية، خاصة أن فكرة التغريدة في تويتر أن تكون رسالة رقمية بنفس عدد الأحرف.
لكن هذا العام تزامن أيضا مع إنشاء النظام الإيراني لعدة حسابات على تويتر وصفحات على فيسبوك، كما يشير البحث المنشور قبل أيام حول «التدخل الرقمي الإيراني في العالم العربي»، والذي قام به باحثون في جامعة أكسفورد، حللوا محتوى الحسابات بشكل عام، والمحتوى العربي على وجه الخصوص.
وهو عمل يسير بالتوازي مع إستراتيجيات إيران في التغلغل بمراكز الأبحاث الغربية، وبوسائل الإعلام المكتوبة والمرئية، والذي يتم بشكل مباشر أحيانا، وعبر عناصر الإخوان المسلمين في هذه الدول أيضا، والذي يتم بتوجيه وتمويل من النظام القطري، وقبلها بعامين (2007) كانت الدوحة استضافت الرئيس أحمدي نجاد على طاولة مجلس التعاون الخليجي.
في العام 2011 زادت هذه الحسابات من نشاطها، محاولة تحقيق نفوذ إيراني في المحيط العربي، مستفيدة من عاصفة الربيع العربي، ولكن دون إظهار انتماء هذه الحسابات للنظام الإيراني، بعكس وسائل الإعلام المرئية مثل قناة العالم، والتي كانت تعبر بوضوح عن كونها قناة للنظام ناطقة بالعربية.
وكانت الحسابات الرئيسية منها، تتظلل في كونها حسابات إخبارية، تهدف لنشر محتوى يستهدف استقرار البحرين، ويدعم الرئيس بشار الأسد وتشويه المعارضة السورية، وتهاجم المملكة تحت وسم #اليمن، وكانت تستخدم في ذلك اللغة الفصحى، باحثة عن تحقيق انتشار عربي.
وقد كان استهداف السعودية خطا رئيسا في محتوى تلك الحسابات، لعدة اعتبارات منها الحنق من موقف المملكة في التصدي للمشاريع التي أرادت تدمير المنطقة، حيث تحرك الدرع الخليجي في 2011 لحماية البحرين من المخطط الإيراني.
كما كانت المملكة أول الداعمين لثورة الشعب المصري في 30 يونيو 2013، ضد التنظيم الإرهابي لجماعة الإخوان المسلمين، وهو بالمناسبة أول نظام مصري يسمح لرئيس إيراني بدخول المحروسة، ونذكر مشهد الرئيس نجاد وهو يرفع علامة النصر مبتسماً من القاهرة، بعد أن كانت القاهرة قبل الربيع العربي، لا تتساهل مع طهران التي تضع شارعا رئيسيا باسم قاتل الرئيس السادات «خالد الإسلامبولي».
أما الصفعة الأكبر فقد قدمتها المملكة لإيران عبر تشكيل تحالف عربي في اليمن، لحماية الشرعية ضد ميليشيا الحوثيين الانقلابية والمدعومة من قبل إيران وحزب الله، وذلك في مارس من العام 2015، مما كدر مراسم الابتهاج برفع العقوبات عقب التوقيع على الاتفاق النووي، والذي كان يعني في الذهنية الإيرانية ضوءا أخضر للتمدد أكثر في الدول العربية.
ولأن أكثر ما يزعج أعداء السعودية هو العلاقة بين الشعب السعودي وقيادته، فقد حاولت خلق رأي عام وهمي في المملكة، بحيث يتم السعي للتأجيج في قضايا محلية، وخلق حوار حول مواضيع ليست موضع حوار مجتمعي من الأساس، تحت عناوين اقتصادية وحقوقية ودينية، وتسعى أحيانا لتشويه المواقف السعودية عربيا، محاولة للحد من الدور السعودي.
هذا التقرير مفرح على مستوى الوعي العام، وهو يؤكد على أن إيران بالفعل تشبه ألمانيا النازية، حيث يحكمها نظام يشابه ذهنية هتلر، كما شبهه سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان.
حاول النظام الإيراني استغلال الشبكة العنكبوتية لبث سمومه، ومهاجمة المملكة العربية السعودية، ولكنه نسي وهو يحجب المواقع ويقمع مواطنيه ويرهقهم اقتصاديا بمغامراته الصاروخية والنووية، بأن الوضع الاقتصادي المتدهور والمظاهرات المستمرة تؤكد بأن بيته أوهن من بيت العنكبوت.
* كاتب سعودي
Twitter: @aAltrairi
Email: me@aaltrairi.com
وعلى العكس كانت هذه الثروات متى ما تيسر بيعها بسبل قانونية، أو بالالتفاف على العقوبات الممتدة عبر السنوات، يكون نصيب الحرس الثوري منها نصيب الأسد، ليستثمر من خلال فيلق القدس في أذرعه الخارجية، لنشر العمليات الإرهابية والاتجار بالمخدرات، بزعم استمرار لهيب الثورة مشتعلا.
بدأ عهد الثورة بحرب امتدت لثماني سنوات مع العراق، حصد البلدان جراءها آلاف القتلى دون منفعة حقيقية، إلا أنها أفادت النظام في استهلاك الجيش على الحدود، لتعطي فرصة للنظام للتخلص من كل شركاء الثورة، وليستأثر بها الخميني، مما يعني استغلال معركة خارجية لخدمة مصلحة داخلية للنظام، لكن ضحيتها الأولى في الحقيقة كان الشعب الإيراني.
واستمرت إيران في هذه الأعمال العدائية خارج أراضيها، حيث شهدت السعودية عمليات إرهابية إيرانية في الحج، وشهدت الكويت والبحرين ولبنان، عمليات أخرى من خطف طائرة وتفجير مقرات عسكرية غربية، كرسالة إيرانية للغرب على قدرتها للإيذاء، مما يستهدف دوراً أكبر لطهران في المنطقة، بحيث يمنحها الغرب الشرعية خشية من عملياتها الإرهابية.
وقد كانت تراهن دوماً على استقرار الداخل، طالما بقي المكون الفارسي مواليا للنظام، وطالما بقيت الأثنيات الأخرى من أكراد وعرب وتركمان وغيرهم تحت القمع، ويتعرضون للتمييز على اعتبارهم مواطنين من الدرجة الثانية، كل هذا تغير في يوم الثورة الخضراء في 2009.
رفض الشعب الإيراني التزوير في الانتخابات، وإقحام أحمدي نجاد رئيساً، ونزل الشعب للشوارع مستعينا بتويتر للتعبير عن احتجاجاته ولكي يخبر العالم بما يحصل على الأرض، ولما سارع النظام الإيراني لقطع الإنترنت، وفرت تويتر خدمة التغريدات عبر الرسائل النصية، خاصة أن فكرة التغريدة في تويتر أن تكون رسالة رقمية بنفس عدد الأحرف.
لكن هذا العام تزامن أيضا مع إنشاء النظام الإيراني لعدة حسابات على تويتر وصفحات على فيسبوك، كما يشير البحث المنشور قبل أيام حول «التدخل الرقمي الإيراني في العالم العربي»، والذي قام به باحثون في جامعة أكسفورد، حللوا محتوى الحسابات بشكل عام، والمحتوى العربي على وجه الخصوص.
وهو عمل يسير بالتوازي مع إستراتيجيات إيران في التغلغل بمراكز الأبحاث الغربية، وبوسائل الإعلام المكتوبة والمرئية، والذي يتم بشكل مباشر أحيانا، وعبر عناصر الإخوان المسلمين في هذه الدول أيضا، والذي يتم بتوجيه وتمويل من النظام القطري، وقبلها بعامين (2007) كانت الدوحة استضافت الرئيس أحمدي نجاد على طاولة مجلس التعاون الخليجي.
في العام 2011 زادت هذه الحسابات من نشاطها، محاولة تحقيق نفوذ إيراني في المحيط العربي، مستفيدة من عاصفة الربيع العربي، ولكن دون إظهار انتماء هذه الحسابات للنظام الإيراني، بعكس وسائل الإعلام المرئية مثل قناة العالم، والتي كانت تعبر بوضوح عن كونها قناة للنظام ناطقة بالعربية.
وكانت الحسابات الرئيسية منها، تتظلل في كونها حسابات إخبارية، تهدف لنشر محتوى يستهدف استقرار البحرين، ويدعم الرئيس بشار الأسد وتشويه المعارضة السورية، وتهاجم المملكة تحت وسم #اليمن، وكانت تستخدم في ذلك اللغة الفصحى، باحثة عن تحقيق انتشار عربي.
وقد كان استهداف السعودية خطا رئيسا في محتوى تلك الحسابات، لعدة اعتبارات منها الحنق من موقف المملكة في التصدي للمشاريع التي أرادت تدمير المنطقة، حيث تحرك الدرع الخليجي في 2011 لحماية البحرين من المخطط الإيراني.
كما كانت المملكة أول الداعمين لثورة الشعب المصري في 30 يونيو 2013، ضد التنظيم الإرهابي لجماعة الإخوان المسلمين، وهو بالمناسبة أول نظام مصري يسمح لرئيس إيراني بدخول المحروسة، ونذكر مشهد الرئيس نجاد وهو يرفع علامة النصر مبتسماً من القاهرة، بعد أن كانت القاهرة قبل الربيع العربي، لا تتساهل مع طهران التي تضع شارعا رئيسيا باسم قاتل الرئيس السادات «خالد الإسلامبولي».
أما الصفعة الأكبر فقد قدمتها المملكة لإيران عبر تشكيل تحالف عربي في اليمن، لحماية الشرعية ضد ميليشيا الحوثيين الانقلابية والمدعومة من قبل إيران وحزب الله، وذلك في مارس من العام 2015، مما كدر مراسم الابتهاج برفع العقوبات عقب التوقيع على الاتفاق النووي، والذي كان يعني في الذهنية الإيرانية ضوءا أخضر للتمدد أكثر في الدول العربية.
ولأن أكثر ما يزعج أعداء السعودية هو العلاقة بين الشعب السعودي وقيادته، فقد حاولت خلق رأي عام وهمي في المملكة، بحيث يتم السعي للتأجيج في قضايا محلية، وخلق حوار حول مواضيع ليست موضع حوار مجتمعي من الأساس، تحت عناوين اقتصادية وحقوقية ودينية، وتسعى أحيانا لتشويه المواقف السعودية عربيا، محاولة للحد من الدور السعودي.
هذا التقرير مفرح على مستوى الوعي العام، وهو يؤكد على أن إيران بالفعل تشبه ألمانيا النازية، حيث يحكمها نظام يشابه ذهنية هتلر، كما شبهه سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان.
حاول النظام الإيراني استغلال الشبكة العنكبوتية لبث سمومه، ومهاجمة المملكة العربية السعودية، ولكنه نسي وهو يحجب المواقع ويقمع مواطنيه ويرهقهم اقتصاديا بمغامراته الصاروخية والنووية، بأن الوضع الاقتصادي المتدهور والمظاهرات المستمرة تؤكد بأن بيته أوهن من بيت العنكبوت.
* كاتب سعودي
Twitter: @aAltrairi
Email: me@aaltrairi.com