طوال السبعينات والثمانينات وحتى نهاية التسعينات الميلادية لم يكن هناك من قضية تؤرق الدراما المصرية أكثر من «السكن» بالدرجة الأولى، كانت السينما والتلفزيون والصحافة تدفع نحو ابتكار حلول عاجلة لأزمة طاحنة، ولطالما سمعنا تلك الحوارات التي عبرت بصدق عن معاناة المصريين وتوقهم للحصول على «شقة» صغيرة يكملون بها حياتهم.
ربما كنا نتندر منها لأننا في تلك الأيام لم نكن نعاني من استحقاق السكن كما اليوم، فتعدادنا كان قليلاً وظروف حياتنا بسيطة والحصول على السكن سهل جداً والإيجارات منخفضة والمدن صغيرة والسكن مع العائلة الكبيرة خيار أساسي في تلك الأيام وتختفي في تفاصيلها حاجتنا المستقلة لمنزل خاص.
لكن مع زيادة أعداد السعوديين وتغير أساليب حياتهم وتنقلهم في مدن ومناطق بعيدة عن جذورهم الأساسية، أصبح من الملح إيجاد سكن يلائم العائلات التي كبرت وطريقة حياتها المستقلة التي يعيشونها.
في مصر كل تلك الأزمة تراجعت منذ العام 2000 وما بعدها، فقد حصلت في مصر ثورة عمرانية هائلة وطفرة قل نظيرها في العالم العربي، كان قوامها «البيع على الخريطة - المستثمر الجاد - التسويق والإعلان - ابتكار المنتجات - القوانين الصارمة - الحافظة على حقوق الأطراف جميعا - التمويل البنكي السهل».
وللأمانة لم تتدخل أو تمول الدولة المصرية إلا القليل من تلك المشاريع، فقد كان القطاع الخاص المستثمر الأكبر وهو المبادر والمغامر، وجل ما فعلته الدولة كان التشريع والدعم والحماية وتقديم الخدمات والبنية التحتية للمشاريع الجديدة.
لقد انفتح المستثمرون بشكل غير مسبوق على تلك الفرص الإسكانية واستطاعت العبقرية المصرية أن تبتكر عشرات المنتجات العقارية منخفضة التكاليف التي ساهمت في إنشاء مدن جديدة وملايين من الوحدات لبت حاجة المواطن المصري بكافة شرائحه في الحصول على سكن.
أيضا هناك عامل مهم يجب ألا نغفله، وهو أن سقف المصريين لم يكن عالياً، كانوا واقعيين جداً مع ظروفهم، فكما يقال «لكل حجرة أجرة»، بمعنى لم يتشرطوا ولم يرفضوا السكن في المدن الجديدة ولا العيش في الضواحي البعيدة، لأنهم يعلمون أن انخفاض سعر العقار يعني القبول بأن تكون تلك المنتجات خارج المدن.
أتذكر عندما قال وزير الإسكان السعودي ماجد الحقيل، إنه ينظر بإعجاب شديد للتجربة المصرية ويتمنى نقلها للسعودية، كان الحقيل محقاً لأنه وبكل بساطة لا يستطيع أن يبني ملايين الوحدات، فلكل منّا ذوقه وحاجته المختلفة عن الآخرين، كما أن المشاريع المشتركة تستهلك الميزانيات، وهي آلية معقدة ومكلفة وبطيئة جداً، لكن الحل الأمثل هو أن تكون الوزارة وسيطة بين المطور والمشتري، كما حصل في مصر تضمن حقوق الطرفين وتساهم في تخفيف العبء عن المستهلك، مع دفع المطورين السعوديين إما للاستفادة من التجارب المتاحة، أو فتح الباب أمام المطور المصري لنقل تجربته والاستثمار في السوق السعودية الواعدة.
العديد من قاصري النظر رأوا بأنها مجرد كلمات للاستهلاك، وثار البعض ضدها ولم يتركوها لتتحقق على الأرض مقللين من التجربة وأهميتها.
الزائر لمصر اليوم يجد أن مشكلة السكن تراجعت كثيراً في أجندة الشارع، بالتأكيد لم تختفِ فبلد يتجاوز عدد سكانه 90 مليوناً سيبقى في حاجة دائمة لمشاريع الإسكان خاصة للطبقات الدنيا والفقيرة، في السعودية ما زلنا في البداية نحاول تلمس طريقنا وابتكار حلولنا الخاصة التي من المفيد أن نطعمها بتجارب الآخرين لإيجاد مدن جديدة وطرح منتجات سكنية قادرة على تلبية حاجة المواطن وذوقه وأسلوب حياته.
* كاتب سعودي
massaaed@
m.assaaed@gmail.com
ربما كنا نتندر منها لأننا في تلك الأيام لم نكن نعاني من استحقاق السكن كما اليوم، فتعدادنا كان قليلاً وظروف حياتنا بسيطة والحصول على السكن سهل جداً والإيجارات منخفضة والمدن صغيرة والسكن مع العائلة الكبيرة خيار أساسي في تلك الأيام وتختفي في تفاصيلها حاجتنا المستقلة لمنزل خاص.
لكن مع زيادة أعداد السعوديين وتغير أساليب حياتهم وتنقلهم في مدن ومناطق بعيدة عن جذورهم الأساسية، أصبح من الملح إيجاد سكن يلائم العائلات التي كبرت وطريقة حياتها المستقلة التي يعيشونها.
في مصر كل تلك الأزمة تراجعت منذ العام 2000 وما بعدها، فقد حصلت في مصر ثورة عمرانية هائلة وطفرة قل نظيرها في العالم العربي، كان قوامها «البيع على الخريطة - المستثمر الجاد - التسويق والإعلان - ابتكار المنتجات - القوانين الصارمة - الحافظة على حقوق الأطراف جميعا - التمويل البنكي السهل».
وللأمانة لم تتدخل أو تمول الدولة المصرية إلا القليل من تلك المشاريع، فقد كان القطاع الخاص المستثمر الأكبر وهو المبادر والمغامر، وجل ما فعلته الدولة كان التشريع والدعم والحماية وتقديم الخدمات والبنية التحتية للمشاريع الجديدة.
لقد انفتح المستثمرون بشكل غير مسبوق على تلك الفرص الإسكانية واستطاعت العبقرية المصرية أن تبتكر عشرات المنتجات العقارية منخفضة التكاليف التي ساهمت في إنشاء مدن جديدة وملايين من الوحدات لبت حاجة المواطن المصري بكافة شرائحه في الحصول على سكن.
أيضا هناك عامل مهم يجب ألا نغفله، وهو أن سقف المصريين لم يكن عالياً، كانوا واقعيين جداً مع ظروفهم، فكما يقال «لكل حجرة أجرة»، بمعنى لم يتشرطوا ولم يرفضوا السكن في المدن الجديدة ولا العيش في الضواحي البعيدة، لأنهم يعلمون أن انخفاض سعر العقار يعني القبول بأن تكون تلك المنتجات خارج المدن.
أتذكر عندما قال وزير الإسكان السعودي ماجد الحقيل، إنه ينظر بإعجاب شديد للتجربة المصرية ويتمنى نقلها للسعودية، كان الحقيل محقاً لأنه وبكل بساطة لا يستطيع أن يبني ملايين الوحدات، فلكل منّا ذوقه وحاجته المختلفة عن الآخرين، كما أن المشاريع المشتركة تستهلك الميزانيات، وهي آلية معقدة ومكلفة وبطيئة جداً، لكن الحل الأمثل هو أن تكون الوزارة وسيطة بين المطور والمشتري، كما حصل في مصر تضمن حقوق الطرفين وتساهم في تخفيف العبء عن المستهلك، مع دفع المطورين السعوديين إما للاستفادة من التجارب المتاحة، أو فتح الباب أمام المطور المصري لنقل تجربته والاستثمار في السوق السعودية الواعدة.
العديد من قاصري النظر رأوا بأنها مجرد كلمات للاستهلاك، وثار البعض ضدها ولم يتركوها لتتحقق على الأرض مقللين من التجربة وأهميتها.
الزائر لمصر اليوم يجد أن مشكلة السكن تراجعت كثيراً في أجندة الشارع، بالتأكيد لم تختفِ فبلد يتجاوز عدد سكانه 90 مليوناً سيبقى في حاجة دائمة لمشاريع الإسكان خاصة للطبقات الدنيا والفقيرة، في السعودية ما زلنا في البداية نحاول تلمس طريقنا وابتكار حلولنا الخاصة التي من المفيد أن نطعمها بتجارب الآخرين لإيجاد مدن جديدة وطرح منتجات سكنية قادرة على تلبية حاجة المواطن وذوقه وأسلوب حياته.
* كاتب سعودي
massaaed@
m.assaaed@gmail.com