أتابع (بنهم) معاناة محافظة العرضيات، بل وباتت تشكل لي هاجسا لدرجة أفكر أن أقدم هذا (الهم) في كتاب عنوانه (التنمية لم تمر من هنا)، على طريقة الزميل عبده خال في (الموت يمر من هنا)، لكن أبطال روايتي ستكون صورا (صماء) تحكي واقعا وتشخص حال وتأثير الصورة أكثر من الكلام، ولأن ثمة من يشاركني هذا الهم من أبناء وبنات العرضيات سأقدم لكم أنموذجا متفردا للكاتبة (فاطمة السهيمي) من خلال مقال أعيد نشره اليوم كونه يحمل رسالة واقعية عن آباء وأمهات بات التعليم الجامعي يشكل لهم (معاناة). وفي ثنايا هذا المقال ستجدون حقيقة هذه المعاناة التي أتعبت أهالي العرضيات الطيبين، فهاكم معاناتهم من خلال (فاطمة السهيمي): تزوجتْ وأنجبتْ وأصبحتْ على مشارف الثلاثين، وما زالت تؤلمها ساعات الصباح الأولى ويؤذي روحها منبه الباص عندما تسمعه في أي زمان ومكان..
إنها فتاة العرضيات، التي يجب عليها لكي تحصل على حقها الطبيعي في التعليم الجامعي أن تقدم الكثير من التضحيات وتتنازل عن كثير من الحقوق، حيث تحرم الطالبة حقها الطبيعي في النوم والراحة واللقاء بأهلها وأسرتها وممارسة هواياتها وحقها الطبيعي في الحياة.
حيث تستيقظ قبل بزوغ الفجر حتى لا يفوتها الباص، وتستعد لرحلة يومية شاقة للمخواة عبر طريق مزدوج ضيق وعر يموج بالمخاطر في باص ثقيل يئن بما يحمل من أجساد طرية مرهقة ينتظرها نهار طويل من أيام تهامة المشمسة الحارقة.
وعندما تعود لمنزلها قرب العصر تكون طاقتها النفسية والجسدية قد استهلكت تماما، بعد ما يقارب من ١٢ ساعة من الكفاح المتواصل (الساعة في تهامة معظم أيام السنة ليست مجرد ٦٠ دقيقة).
فتذهب في نوم طويل ولكنه متقطع ومتعب، تمزقه الكوابيس وذكريات الطريق العامر بالمخاطر، وصوت منبه الباص الذي يحذرك من خطورة الاستغراق في النوم، بالإضافة لمشاكل الدوام الجامعي المعتادة.
لكل هذا، فتاة العرضيات هي الوحيدة ربما التي لم تتلذذ بجمال المرحلة الجامعية بكل ما فيها من حياة وجمال وانطلاق، هي لا تتذكر منها سوى صوت الباص المزعج وأمواج الطريق وهي تتحول لسراب في قيظ تهامة. هي لا تتذكر سوى غربتها المقنّعة، فهي تعود لمنزلها لكن لا تلتقي بأهلها سوى في الإجازات، وعلى الجانب الآخر ترى أنها أفضل حالا من صديقتها المغتربة في القنفذة أو الباحة بعيدا عن حنان الوالدين ودفء الأسرة في هذا العمر الذي تتوق فيه الفتاة للحب والألفة والأمان العاطفي الأسري.
سؤالي الذي لا أعلم لمن أوجهه:
لماذا على بنات العرضية أن يعشن هذه التجربة المرة البغيضة في هذا العمر الغض؟
ولماذا تتحول المرحلة الجامعية التي هي الأجمل في حياة أي شابة إلى ذكرى مؤلمة تجرح وجدان فتاة العرضية وتحيله إلى غصة كبيرة؟
عن نفسي أفضل أن تتخلى ابنتي عن تعليمها الجامعي على أن تتعرض يوميا لهذا الشقاء الكفيل بإحالة روحها النضرة إلى خراب.
• ومضة:
تقول أحلام مستغانمي: بمنطق الصورة التي تلتقطها آلة التصوير معكوسة، ولا تعود إلى وجهها الحقيقيّ إلّا بعد تظهيرها في مختبر، الناس الذين نراهم معكوسين، هم كذلك، لأنّنا التقيناهم، قبل أن تتكفَّل الحياة بقلب حقيقتهم في مختبرها لتظهير البشر. إنّهم أفلام محروقة أتلفتها فاجعة الضوء.
Ahmed_alshmrani@
إنها فتاة العرضيات، التي يجب عليها لكي تحصل على حقها الطبيعي في التعليم الجامعي أن تقدم الكثير من التضحيات وتتنازل عن كثير من الحقوق، حيث تحرم الطالبة حقها الطبيعي في النوم والراحة واللقاء بأهلها وأسرتها وممارسة هواياتها وحقها الطبيعي في الحياة.
حيث تستيقظ قبل بزوغ الفجر حتى لا يفوتها الباص، وتستعد لرحلة يومية شاقة للمخواة عبر طريق مزدوج ضيق وعر يموج بالمخاطر في باص ثقيل يئن بما يحمل من أجساد طرية مرهقة ينتظرها نهار طويل من أيام تهامة المشمسة الحارقة.
وعندما تعود لمنزلها قرب العصر تكون طاقتها النفسية والجسدية قد استهلكت تماما، بعد ما يقارب من ١٢ ساعة من الكفاح المتواصل (الساعة في تهامة معظم أيام السنة ليست مجرد ٦٠ دقيقة).
فتذهب في نوم طويل ولكنه متقطع ومتعب، تمزقه الكوابيس وذكريات الطريق العامر بالمخاطر، وصوت منبه الباص الذي يحذرك من خطورة الاستغراق في النوم، بالإضافة لمشاكل الدوام الجامعي المعتادة.
لكل هذا، فتاة العرضيات هي الوحيدة ربما التي لم تتلذذ بجمال المرحلة الجامعية بكل ما فيها من حياة وجمال وانطلاق، هي لا تتذكر منها سوى صوت الباص المزعج وأمواج الطريق وهي تتحول لسراب في قيظ تهامة. هي لا تتذكر سوى غربتها المقنّعة، فهي تعود لمنزلها لكن لا تلتقي بأهلها سوى في الإجازات، وعلى الجانب الآخر ترى أنها أفضل حالا من صديقتها المغتربة في القنفذة أو الباحة بعيدا عن حنان الوالدين ودفء الأسرة في هذا العمر الذي تتوق فيه الفتاة للحب والألفة والأمان العاطفي الأسري.
سؤالي الذي لا أعلم لمن أوجهه:
لماذا على بنات العرضية أن يعشن هذه التجربة المرة البغيضة في هذا العمر الغض؟
ولماذا تتحول المرحلة الجامعية التي هي الأجمل في حياة أي شابة إلى ذكرى مؤلمة تجرح وجدان فتاة العرضية وتحيله إلى غصة كبيرة؟
عن نفسي أفضل أن تتخلى ابنتي عن تعليمها الجامعي على أن تتعرض يوميا لهذا الشقاء الكفيل بإحالة روحها النضرة إلى خراب.
• ومضة:
تقول أحلام مستغانمي: بمنطق الصورة التي تلتقطها آلة التصوير معكوسة، ولا تعود إلى وجهها الحقيقيّ إلّا بعد تظهيرها في مختبر، الناس الذين نراهم معكوسين، هم كذلك، لأنّنا التقيناهم، قبل أن تتكفَّل الحياة بقلب حقيقتهم في مختبرها لتظهير البشر. إنّهم أفلام محروقة أتلفتها فاجعة الضوء.
Ahmed_alshmrani@