-A +A
أسعد عبدالكريم الفريح
تغنى الفنان محمد عبده برائعة الأمير خالد الفيصل، وتغنينا بها ولا زلنا، نطرب لها كل ما سمعناها وكأنها ولدت اليوم ليس منذ أكثر من جيل، سمعت أخيراً مطلع هذه الأغنية «يا ليل خبرني عن أمر المعاناة»، فأسقطته بتصرف على الحال في الحل والترحال وهذا هو الحال.

أعتقد أنه لا حاجة لأي منا أن يسأل عن أمر المعاناة أو دربها، فهي الشيء الوحيد الذي نجده دون أية معاناة، فقط ابدأ يومك لتذهب إلى عملك سواء الحكومي أو الخاص فكل الطرق تؤدي إلى روما (المعاناة)، تخرج لتقود سيارتك الجديدة، التي اشتريتها بدم قلبك، وصبر عيالك (وزنهم) وكل مين يقول ما شاء الله سيارة آخر حلاوة من كله ما عليها غبار، ومن أول نظرة تجد أن عليها كوم من التراب الممزوج بندى جدة، وهو طبعاً الرطوبة وليس الكرم، فتقول للسائق: «يا ولدي ماني قايل لك أنا ما أحب حبة غبار على سيارتي»، فيرد عليك: «سامحني يا عمي وامسحها بوجهي»، فترد عليه ممازحاً: «أنا عارف أن وجهك جلدة وما يهمك». المهم تخرج إلى الشارع وتتورط في زحمة ما يفكك منها إلا الشديد القوي، وإذا كتب الله لك الخراج من تلك الأزمة التي قد تمر عليك مرات عدة في اليوم، مع شوية مطبات حلوين يخزوا العين، توصل لقرب عملك واستناني وإذا كنت سبع البرمبة إذا حصلت موقف، فتضطر لإيقافها كيفما اتفق أو لم يتفق وتطلع جري على شغلك فتجد المدير مكشرا عن أنيابه ويبلغك أنه رصعك خصم يوم، وتتعب معه محاولات، لعل الله يحنن قلبه، ولكن كيف يحن وأنت لست من الزفيفة وجوقة المطبلين، فيرد عليك «وهم وهم كل المعاذير وهم» فترد عليه «تعب تعب ضرب المشاوير تعب». المهم تخرج من عملك تلتقي صياح وخصام عند سيارتك والسطحة حاضرة وقد حملت سيارتك وما تشوف إلا مقفاها عن بعد، وهي تتراقص على متن السطحة، ومن حجزت سيارته وعطلته مقدم الشكوى للمرور واقف وعيونه يتطاير منها الشرر، فتتذكر غصب عنك رأس الشيشة اللعين، وتقول في نفسك «والله جمرها أخف»، وتقول له مستخفاً دمك «يا أخونا تروح تشتكيني ترى الشكوى لغير الله مذلة»، فيزيدك «أشكيك لله يا بعيد ثم للمرور».


فتضطر لدفع المخالفة، وتركب أية سيارة أجرة مكسرة وحالتها حالة وروائح تزكم الأنف هنا وهناك، وتذهب للمرور وتنتظر حتى تصل السطحة، وتكع المعلوم لسائقها، وتتنهد «الحمد لله يوم عصيب بس خليني أروح للبيت آكل لقمتين وأنام»، وتركب سيارتك تلقى الشكمان يعزف شتى الألحان فنتيجة رفعها على السطحة انكسر، فلابد من أخذها لأي مورش، لأن أم العيال لو جيتها بهذا الحال ستعلن عليك الحرب وليس الحب والمورش (اختراع) من حضرتنا لصاحب الورشة الذي لاشك أنه «سعجبندي» يعني سَعوَدَة نص كم، وطبعاً يحتاج الوضع إلى مبلغ سيستحوذ على البقية الباقية من اللي «ما يتسمى» الرويتب انطلاقاً من قلته، فقد تضطر لدفع المبلغ مضاعفاً لإنجاز السيارة في نفس اليوم، ثم ترجع لأهلك وتحكي لهم الحكاية بالتفصيل الممل لأنهم قد سمعوا بعضها من الجوال، وطبعاً تأخذ نصيبك من التقريع من المدام وضحكات الأبناء التي كانوا يخفونها بصعوبة. ثم ترمي نفسك على السرير وأول ما غفت عيناك تحلم أنك خارج من البيت متجهاً للعمل إذا بشخص مكلف من الجهة المختصة يلقي القبض عليك، لأنك لم تستطع تنفيذ حكم بدفع إيجار الشقة.