رغم كونه قد أمضى 27 عاماً من عمره في الزنزانة، وتعرض لأبشع أنواع الظلم والتعذيب سواء في معتقل جزيرة «روبن» أو في سجن «بولسمور» من بعده، إلاّ أن «نيلسون مانديلا» وقف بعد خروجه من السجن وهو ينظر لزنزانته مطلقاً مقولته الشهيرة «نحن لاننسى ولكن نتسامح» والتي تحولت فيما بعد لأيقونة سياسية في التاريخ المعاصر، هذه الجملة التي طوقت ثورة المناضلين ضد سياسة الفصل العنصري لنظام بريتوريا، وضمنت سلميتها، وكبحت جماح لغة الانتقام، فبعد أن خرج الرجل منتصراً مع الأغلبية السوداء، كان بإمكانه أن ينصب المحاكم ويعلق المشانق ويطلق قطار العنف كيفما اتفق، ويعلنها حرباً شعواء ضد الأقليه البيضاء، لكنه لم يفعل، لأنه ببساطة لم يكن يفكر بعقل الباحث عن السلطة وإنما بعقل السياسي الأصيل والمناضل الكبير الذي يهمه مستقبل شعب ورخاء وطن بعد أن أدرك بحسه السياسي أن مستقبل وطنه ورخاء مكوناته العرقية يكمن في التسامح وبناء الثقة، والتأسيس على دولة المصالحة والقانون، فيما نجد أن ما يسمى بالثورات العربية، على اختلاف شعاراتها ومكوناتها وأحقابها الزمنية المتعاقبة، أن الثأر والانتقام وإزالة الآخر من الخريطة السياسية واجتثاث جذوره من التربه السياسية، هي أبرز ملامح ومكونات هذه الثورات على مدى ثلاثه أرباع قرن!! لماذا ظل الهدف الأول هو النظام السابق وإلغاء حقبته السياسية بكل مكوناتها ورموزها من دفاتر التاريخ؟ لماذا لم نجد ثورة بيضاء كثورة مانديلا ورفاقه تسامت على الانتقام وتصالحت مع الماضي وأسست لدولة المستقبل، بما يتفق مع شعاراتها الفضاضة المعلنة والتي لم تكن تخرج يوما عن الوحدة والحرية والديمقراطية!!