-A +A
أنمار مطاوع
الرغبة الجامحة في إثبات الذات قد تدفع بالعقل إلى ضفاف الانحراف عن الطريق الصحيح والخروج من مسار الواقع والحقيقة، وربما الدخول في متاهات وهمية قد يصعب الخروج منها بالطريقة المنطقية التقليدية.

بعض القطاعات الحكومية والأهلية دخلت في هذه المتاهة. فهي تضج بشهادات التفوق والجودة والأداء؛ شهادات محلية وأخرى إقليمية وبعضها عالمية.. يفترض أن تكون مؤشرا على التقدم والتطور ومواكبة العالمية.. ويفترض أيضا أن تصنع واقعا مريحا للمواطن الذي يتعامل مع هذه القطاعات الحاصلة على تلك الشهادات، لأن كل أولئك سينعكس على حياته اليومية.. هذا هو الهدف.. ولكنه ليس الواقع.


توجد جهات خدمية مثل: بلديات فرعية، ومراكز أحياء، وأقسام شرطة.. حاصلة على شهادات في الجودة. لكن من يتعامل مع (بعضها)، يكتشف أن الشهادة مجرد ورقة معلقة على جدار القطاع، أو سطر في تقرير نهاية العام، أو حتى خبر في وسائل الإعلام. ويمكن أن يمتد القياس ليشمل بعض المدارس والكليات والجامعات التي تحصل على اعتمادات عالية، ولكن في واقعها هي لا تصل لذلك المستوى البراق الذي ينعكس على منسوبيها.

من يعملون في الوزارات وقطاعاتها.. يعرفون جيدا أن بعض البيانات التي تتم تعبئتها لتلبية متطلبات تلك الشهادات والاعتمادات ليست انعكاسا حقيقيا لأرض الواقع. ومن يعملون في الشركات والمؤسسات، أيضا يعرفون أن بعض المعلومات تعبأ دون أن يكون لها أساس على الواقع. ربما الواقع ليس سيئا جدا.. ولكنه أيضا ليس انعكاسا حقيقيا لتلك المعلومات.. وتبدأ المتاهة.

نتاج ذلك الفارق بين الواقع والصورة، يظهر على روح العاملين في تلك القطاعات.. فيبدأ بالإحباط وينتهي بالتشاؤم من كل تطوير.

الكثير من المال والجهد والوقت تهدره المؤسسات والشركات والقطاعات في سبيل الحصول على تصنيفات وشهادات واعتمادات.. وفي النهاية، تحصل على (تفوق ورقي) منفصل عن واقعها.

دراسة الواقع بشكل صحيح ومحايد هو الطريق الأمثل لوضع إستراتيجيات ومبادرات تطويرية لأي قطاع. أما صرف ميزانيات للوصول إلى التفوق الورقي، فهو حجر عثرة أمام أي تطوير لاحق.. لأنه مبني على وهم.

منسوبو أي قطاع هم المحك الرئيس والأكثر معرفة بحقيقة التفوق في قطاعهم.. فهم يعيشون على أرض الواقع وليس على الصفحات الورقية.

المأمول هو أن توجه القطاعات جهودها وميزانياتها ووقتها لتطوير خدماتها عوضا عن الحصول على تقييمات وهمية.

* كاتب سعودي

anmar20@yahoo.com