في يناير الماضي حين استضاف الرئيس عبدالفتاح السيسي الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، عقد الاثنان مؤتمرا صحفيا، وتحدث خلاله ماكرون للصحافة بما كان قدمه بشكل غير إعلامي للرئيس السيسي، خلال زيارة الأخير لفرنسا العام الماضي.
وهو الحديث عن حقوق الإنسان وعن قائمة موقوفين، يرى الفرنسيون أنهم مسجونون دون وجه حق، ولكن فرنسا في يناير كانت تقبع تحت مظاهرات السترات الصفراء كل سبت، وقد سئل الرئيس الفرنسي من قبل صحفي مصري عن ذلك، وقال إن لهم حق التظاهر وأنهم لا يحاسبون إلا عبر محاكمات، وهذا أمر غير دقيق لأن من احتجزوا تجاوزوا الثمانية آلاف لم يقدم للمحاكمة منهم إلا دون الربع.
وكان للرئيس السيسي تعليق على تصريحات الرئيس ماكرون عن حقوق الإنسان في مصر، بالقول إنه لا يجب أن ينظر الفرنسيون إلى مصر بعيون فرنسية، كما أن المصريين لا يجب أن ينظروا لفرنسا بعيون مصرية، وهذا نقاش طويل حول اختلاف القيم، ومحاولة الآخر فرض قيمه كما هي على مجتمع آخر.
تذكرت هذا التصريح من الرئيس السيسي، وأنا أشاهد «مؤتمر موسكو للأمن الدولي»، وهل يمثل هذا المؤتمر رؤية روسيا للأمن في الشرق الأوسط وأوروبا على سبيل المثال، من خلال التدخل في جورجيا 2008، ثم في أوكرانيا وتحديدا في شبه جزيرة القرم 2011، وصولا إلى التدخل الواسع في سورية 2015.
وإلى أي مدى مثل هذا المؤتمر، ردا على مؤتمر ميونيخ للأمن، الذي عقد في دورته الخامسة والخمسين في فبراير الماضي، وتناول مواضيع الأمن في أوروبا، والتهديدات الروسية وتدخل موسكو في أوكرانيا، يأتي هذا التساؤل خاصة مع غياب واشنطن وممثلي الناتو عن مؤتمر موسكو.
وقد كان لافتا ما ذكره نيكولاي باتروشيف، أمين مجلس الأمن الروسي، في الكلمة الافتتاحية للمؤتمر، حيث قال إن «منظومة التكتلات العسكرية التي تشكلت خلال الحرب الباردة قد تآكلت»، وهو بالتأكيد لا يعني المعسكر الشرقي الذي تداعى في 1990، بل يلمح إلى تداعي المعسكر الآخر ورمزيته المتمثلة في الناتو.
سواء على مستوى التدخلات الروسية العسكرية، التي لم يستطع الناتو ردعها، كما أن موسكو تمكنت من اجتراع مرارة العقوبات، والتي أقر بها بوتين في حوار سابق مع دورية دير شبيغل، والتدخل الأحدث والأكثر إيلاما على ما يبدو هو التدخلات السايبرانية، عبر التأثير في الرأي العام وتوجيهه لاتخاذ قرارات انتخابية يمينية، أو داعمة لأحزاب مؤيدة لموسكو، وبالتالي خلق معسكر شرقي في قلب العالم الغربي.
الناتو يعاني من الصراع الأمريكي الأوروبي حول تكاليف الدفاع، وهو ما سبب توترات بين واشنطن من جهة وكل من برلين وباريس من جهة أخرى، وقمة التوتر حصلت بين أنقرة وواشنطن، مما استدعى قرار واشنطن بإلغاء صفقة طائرات f35، بعد إصرار تركيا على إتمام صفقة منظومة الدفاع الصاروخية S400.
روسيا في مؤتمرها ضمت 100 دولة، وحوالى 1000 مشارك، من ضمنهم أكثر من 30 وزير دفاع، حضرت آراء مختلفة، ومن دول متصارعة في بعض الحالات، وهذه رسالة أخرى من موسكو لواشنطن، نحن نستطيع أن نجمع المختلفين، بعد أن وسعنا دائرة علاقاتنا خاصة في الشرق الأوسط.
لا شك أن التدخلات الروسية أعطتها نفوذا إضافيا، خاصة في الشرق الأوسط، وكلفتها من رصيدها الاقتصادي، لكنها تعرف بأن الغرب لم يعد لديه إرادة الردع، على حوادث من شاكلة اغتيال العميل المزدوج وضابط المخابرات الروسي السابق سيرغي سكربيل في بريطانيا مارس 2018، وهذا ما تراه كل الأعين.
* كاتب سعودي
Twitter: @aAltrairi
Email: me@aaltrairi.com
وهو الحديث عن حقوق الإنسان وعن قائمة موقوفين، يرى الفرنسيون أنهم مسجونون دون وجه حق، ولكن فرنسا في يناير كانت تقبع تحت مظاهرات السترات الصفراء كل سبت، وقد سئل الرئيس الفرنسي من قبل صحفي مصري عن ذلك، وقال إن لهم حق التظاهر وأنهم لا يحاسبون إلا عبر محاكمات، وهذا أمر غير دقيق لأن من احتجزوا تجاوزوا الثمانية آلاف لم يقدم للمحاكمة منهم إلا دون الربع.
وكان للرئيس السيسي تعليق على تصريحات الرئيس ماكرون عن حقوق الإنسان في مصر، بالقول إنه لا يجب أن ينظر الفرنسيون إلى مصر بعيون فرنسية، كما أن المصريين لا يجب أن ينظروا لفرنسا بعيون مصرية، وهذا نقاش طويل حول اختلاف القيم، ومحاولة الآخر فرض قيمه كما هي على مجتمع آخر.
تذكرت هذا التصريح من الرئيس السيسي، وأنا أشاهد «مؤتمر موسكو للأمن الدولي»، وهل يمثل هذا المؤتمر رؤية روسيا للأمن في الشرق الأوسط وأوروبا على سبيل المثال، من خلال التدخل في جورجيا 2008، ثم في أوكرانيا وتحديدا في شبه جزيرة القرم 2011، وصولا إلى التدخل الواسع في سورية 2015.
وإلى أي مدى مثل هذا المؤتمر، ردا على مؤتمر ميونيخ للأمن، الذي عقد في دورته الخامسة والخمسين في فبراير الماضي، وتناول مواضيع الأمن في أوروبا، والتهديدات الروسية وتدخل موسكو في أوكرانيا، يأتي هذا التساؤل خاصة مع غياب واشنطن وممثلي الناتو عن مؤتمر موسكو.
وقد كان لافتا ما ذكره نيكولاي باتروشيف، أمين مجلس الأمن الروسي، في الكلمة الافتتاحية للمؤتمر، حيث قال إن «منظومة التكتلات العسكرية التي تشكلت خلال الحرب الباردة قد تآكلت»، وهو بالتأكيد لا يعني المعسكر الشرقي الذي تداعى في 1990، بل يلمح إلى تداعي المعسكر الآخر ورمزيته المتمثلة في الناتو.
سواء على مستوى التدخلات الروسية العسكرية، التي لم يستطع الناتو ردعها، كما أن موسكو تمكنت من اجتراع مرارة العقوبات، والتي أقر بها بوتين في حوار سابق مع دورية دير شبيغل، والتدخل الأحدث والأكثر إيلاما على ما يبدو هو التدخلات السايبرانية، عبر التأثير في الرأي العام وتوجيهه لاتخاذ قرارات انتخابية يمينية، أو داعمة لأحزاب مؤيدة لموسكو، وبالتالي خلق معسكر شرقي في قلب العالم الغربي.
الناتو يعاني من الصراع الأمريكي الأوروبي حول تكاليف الدفاع، وهو ما سبب توترات بين واشنطن من جهة وكل من برلين وباريس من جهة أخرى، وقمة التوتر حصلت بين أنقرة وواشنطن، مما استدعى قرار واشنطن بإلغاء صفقة طائرات f35، بعد إصرار تركيا على إتمام صفقة منظومة الدفاع الصاروخية S400.
روسيا في مؤتمرها ضمت 100 دولة، وحوالى 1000 مشارك، من ضمنهم أكثر من 30 وزير دفاع، حضرت آراء مختلفة، ومن دول متصارعة في بعض الحالات، وهذه رسالة أخرى من موسكو لواشنطن، نحن نستطيع أن نجمع المختلفين، بعد أن وسعنا دائرة علاقاتنا خاصة في الشرق الأوسط.
لا شك أن التدخلات الروسية أعطتها نفوذا إضافيا، خاصة في الشرق الأوسط، وكلفتها من رصيدها الاقتصادي، لكنها تعرف بأن الغرب لم يعد لديه إرادة الردع، على حوادث من شاكلة اغتيال العميل المزدوج وضابط المخابرات الروسي السابق سيرغي سكربيل في بريطانيا مارس 2018، وهذا ما تراه كل الأعين.
* كاتب سعودي
Twitter: @aAltrairi
Email: me@aaltrairi.com