ثمة لزمة عند البعض تتحول إلى يقين كامل من غير التحرز في التأكيد على ذلك اليقين، ومن الأمثلة التي أود التطبيق عليها قول البعض: ومما لا شك فيه.
وهذه الجملة ينفي قائلها أي اعتراض أو استدراك أو خلل أو خطأ في ما يقوله، بمعنى أنه يقول الحقيقة المطلقة، وفي هذا الإصرار تتداعى بقية الحقائق المناقضة لقوله الذي يؤمن به إيمانا مطلقا..
- فهل القائل صادق أو مدع؟
لكي لا نعجل بالإجابة، فلنتريث قليلا.
أولا، لا يمتلك أحد حقيقة جامعة، فكل الأمور مجزأة، فمن يمتلك جزءا لا يمكنه الحكم على بقية الأجزاء التي يمكن لها أن تكون نقيضا للجزء المحمول في ذهنية المتكلم، وبهذا فكل قول يظل ناقصا (مقتربا أو مبتعدا عن الحقيقة)، فلماذا يكون الإصرار على جملة (ومما لا شك فيه)؟
فهل يكون القائل دعيا أو كاذبا؟
أيضا لنتمهل في الإجابة..
في السابق كنت أسقط حكم أي شخص يستخدم هذه الجملة أو مثيلاتها، ويكون حكمي أن صاحبها يبتعد عن الصدق بفراسخ ضوئية، ومع الأيام ومرور الزمن وجدت أنني كنت سريع الحكم (وهي صفة من صفات الحمق)، فما الذي تغير؟
الذي تغير في مكوناتي الثقافية بأن كل إنسان يمتلك حقيقة خاصة به حتى ولو كانت خطأ من وجهة نظر من يحاوره أو يستمع إليه، فالحقائق لدينا حقائق نسبية، فثمة إنسان وقفت ثقافته عند محطة معينة وما بعدها يعتبر خارج الحقيقة بالنسبة إليه، وما يقوله من حقائق خاصة به تعتبر لدى الأبعد ثقافيا مجرد ترهات..
وبين المتيقن والرافض لذلك اليقين تسكن نسبية المعرفة، فصورة الحقيقة في أذهاننا ليست على هيئة أو شكل موحد، هي ساقطة في كل حين لدى الآخر ومثبتة لدى القائل، وبهذه المراوحة تتبدل الحقائق جزما ونفيا، أي أن الحقيقة لا يمتلكها فرد أو جماعة، فالحقيقة يصوغها الفرد وفق مداركه ويتلقاها من المجاميع بما يتلاءم مع بعده المعرفي ويؤمن بها لدرجة إثباتها على الآخرين حتى لو أدى ذلك لقتل من يخالفه على التصديق بما صدق به (وهذا الأمر في المسائل العقدية).
وأذهب للقول إن نسبية الحقائق هي مشكلة الإنسان الذي يموت ويحيا بهذا اليقين أو الرفض.. أليس هذا القول (مما لا شك فيه)!
* كاتب سعودي
Abdookhal2@yahoo.com
وهذه الجملة ينفي قائلها أي اعتراض أو استدراك أو خلل أو خطأ في ما يقوله، بمعنى أنه يقول الحقيقة المطلقة، وفي هذا الإصرار تتداعى بقية الحقائق المناقضة لقوله الذي يؤمن به إيمانا مطلقا..
- فهل القائل صادق أو مدع؟
لكي لا نعجل بالإجابة، فلنتريث قليلا.
أولا، لا يمتلك أحد حقيقة جامعة، فكل الأمور مجزأة، فمن يمتلك جزءا لا يمكنه الحكم على بقية الأجزاء التي يمكن لها أن تكون نقيضا للجزء المحمول في ذهنية المتكلم، وبهذا فكل قول يظل ناقصا (مقتربا أو مبتعدا عن الحقيقة)، فلماذا يكون الإصرار على جملة (ومما لا شك فيه)؟
فهل يكون القائل دعيا أو كاذبا؟
أيضا لنتمهل في الإجابة..
في السابق كنت أسقط حكم أي شخص يستخدم هذه الجملة أو مثيلاتها، ويكون حكمي أن صاحبها يبتعد عن الصدق بفراسخ ضوئية، ومع الأيام ومرور الزمن وجدت أنني كنت سريع الحكم (وهي صفة من صفات الحمق)، فما الذي تغير؟
الذي تغير في مكوناتي الثقافية بأن كل إنسان يمتلك حقيقة خاصة به حتى ولو كانت خطأ من وجهة نظر من يحاوره أو يستمع إليه، فالحقائق لدينا حقائق نسبية، فثمة إنسان وقفت ثقافته عند محطة معينة وما بعدها يعتبر خارج الحقيقة بالنسبة إليه، وما يقوله من حقائق خاصة به تعتبر لدى الأبعد ثقافيا مجرد ترهات..
وبين المتيقن والرافض لذلك اليقين تسكن نسبية المعرفة، فصورة الحقيقة في أذهاننا ليست على هيئة أو شكل موحد، هي ساقطة في كل حين لدى الآخر ومثبتة لدى القائل، وبهذه المراوحة تتبدل الحقائق جزما ونفيا، أي أن الحقيقة لا يمتلكها فرد أو جماعة، فالحقيقة يصوغها الفرد وفق مداركه ويتلقاها من المجاميع بما يتلاءم مع بعده المعرفي ويؤمن بها لدرجة إثباتها على الآخرين حتى لو أدى ذلك لقتل من يخالفه على التصديق بما صدق به (وهذا الأمر في المسائل العقدية).
وأذهب للقول إن نسبية الحقائق هي مشكلة الإنسان الذي يموت ويحيا بهذا اليقين أو الرفض.. أليس هذا القول (مما لا شك فيه)!
* كاتب سعودي
Abdookhal2@yahoo.com