قبل أيام صرحت وزارة التعليم عن توجه الوزارة لتحويل بعض الجامعات الحكومية إلى مؤسسات غير ربحية تعتمد على مصادر تمويلية مختلفة، وقد أثار هذا التصريح تساؤلات عبر بعض مواقع التواصل الاجتماعي حول المغزى منه، كون الجامعات الحكومية هي بالفعل مؤسسات تعليمية غير ربحية، وخاصة في ظل الإشارة -في التصريح السابق- إلى اعتماد هذه الجامعات على مصادر تمويلية خاصة بها، وربما يعني ذلك إعادة بعض البرامج التعليمية المدفوعة والتي تم إيقافها.
بداية يجب التنويه بأن إقرار بعض البرامج الدراسية المدفوعة في الجامعات الحكومية لا يخل بكون هذه الجامعات مؤسسات عامة غير هادفة للربح، كما أن كون تلك البرامج مدفوعة لا يعني أن الهدف من تأسيسها هو التربح كما يعتقد البعض، وذلك لتعدد الأسباب والدوافع الكامنة وراء تطبيق هذا النوع من البرامج، فالبرامج المدفوعة هي نوع من أنواع البرامج التعليمية والموجهة لبعض التخصصات التي تشهد إقبالاً متزايداً، بهدف استيعاب عدد أكبر من الطلاب وتعليمهم بنفس درجة الكفاءة المعهودة دون الإخلال بمتطلبات العملية التعليمية نفسها، وذلك مقابل رسوم منخفضة إذا ما قورنت بتكاليف الدراسة في الجامعات الأهلية.
من المؤكد أن لكل جامعة حكومية طاقة استيعابية محددة، متمثلة في البنى التحتية وكذلك العبء الدراسي لكل عضو من أعضاء هيئة التدريس (النصاب التدريسي) والمحدد طبقاً للوائح الجامعية، وبالتالي فإن التوسع في قبول أعداد متزايدة من الطلاب ضمن منظومة القبول الاعتيادي -بدون رسوم- يعني ضرورة تكليف عضو هيئة التدريس بأعباء تدريسية إضافية خارج العبء التدريسي المخصص له وهو ما لا يمكن تحقيقه عملياً، كما أن التوسع في زيادة أعداد الطلاب في الشعب الدراسية المقررة نظاماً سيؤثر سلباً على مخرجات العملية التعليمية، ولا سيما في الكليات والمعاهد التي ترتبط باتفاقيات متمثلة في اعتمادات أكاديمية دولية، والتي تفرض بدورها معايير صارمة للارتقاء بجودة المنظومة التعليمية، ومنها عدم التوسع في أعداد الطلاب في الفصول الدراسية لضمان وجود حلقة وصل بين المعلم والطالب.
ما سبق شرحه وتوضيحه سابقاً هو بعض الأسباب والدوافع التي حدت ببعض الجامعات إلى إنشاء برامج مدفوعة لبعض البرامج التعليمية، والتي روعي فيها مطابقة معاييرها مع معايير البرامج الأخرى غير المدفوعة، وتنفيذها بنفس دقة تنفيذ تلك البرامج، وذلك لتحسين المخرجات والنتائج، ولكيلا تكون هناك فروق بين الخدمات التعليمية من حيث المضمون والمكتسبات، ولتبقى البرامج المدفوعة بوابة وملجأ للكثير من الطلاب ممن لم يحالفهم الحظ للالتحاق بالبرامج التعليمية غير المدفوعة، وتحتفظ العملية التعليمية ذاتها بنفس جودتها وكفاءتها وفعاليتها.
لا شك لدينا في أن تصريح وزارة التعليم سابق الذكر يعكس يقظة واهتماماً لافتاً منها بالمستجدات والمتغيرات الطارئة على البيئة التعليمية المحلية والدولية، كما ينصب بصورة أساسية في مصلحة الطلاب ويؤثر بصورة مباشرة في مستوى جودة مخرجات الخدمات التعليمية، لأنه في حال تجاهل الوزارة للظروف التي تحتم إنشاء مثل تلك البرامج المدفوعة فإن ذلك يعني أمرين، كلاهما أسوأ من الآخر، الأول أن تظل الجامعات الحكومية بنفس طاقتها الاستيعابية ولا تتمكن من قبول الزيادات الطلابية المطردة، مما يعني لجوء الطلاب للالتحاق بالجامعات الخاصة ذات الرسوم الباهظة والتي لا يستطيع تحملها الكثير من الطلاب، أو أن يتم التوسع في قبول الطلاب دون الاهتمام بمواءمة البنى التحتية للجامعات مع أعداد الطلاب الملتحقين بها، وهو ما سيعني فصولا دراسية مكدسة بالطلاب وقاعات مزدحمة تتسبب في ضعف تام في التواصل بين الطلبة وأعضاء هيئة التدريس، مما سيؤثر كثيراً بالسلب على مخرجات العملية التعليمية، ومن الواضح أن كلتا النتيجتين لا تصبان في مصلحة الطالب.
ولكن.. في المقابل وفي ما يتعلق بهذا السياق يجب أن ننوه بضرورة قيام الجامعات -في حال كونها قادرة على تأمين مواردها المالية المستقلة- باعتماد برامج منح دراسية للطلبة المميزين أو ذوي الدخل المحدود، وهو سلوك تتبعه الكثير من الجامعات الغربية حتى الحكومية منها، والتي تقدم برامج المنح هذه طبقاً لقواعد وضوابط بعينها، للإسهام في احتواء الطلبة النابغين الذين يمثلون ثروات قومية عقلية وفكرية، أو رغبة منها في القيام بمسؤوليتها الاجتماعية تجاه بعض الطلاب من ذوي الدخل المحدود، والمنح الدراسية ليست مجرد برامج تعليمية مجانية لفئات خاصة من الطلبة، بل هي استثمار إستراتيجي في المقام الأول، كونها محاولة لاحتواء كافة النابغين المجتهدين من علماء الغد ممن تُنتظر النهضة على أيديهم، والقادرين على تحويل رؤية الدولة الإستراتيجية الطموحة لواقع حي ملموس.
* كاتب سعودي
بداية يجب التنويه بأن إقرار بعض البرامج الدراسية المدفوعة في الجامعات الحكومية لا يخل بكون هذه الجامعات مؤسسات عامة غير هادفة للربح، كما أن كون تلك البرامج مدفوعة لا يعني أن الهدف من تأسيسها هو التربح كما يعتقد البعض، وذلك لتعدد الأسباب والدوافع الكامنة وراء تطبيق هذا النوع من البرامج، فالبرامج المدفوعة هي نوع من أنواع البرامج التعليمية والموجهة لبعض التخصصات التي تشهد إقبالاً متزايداً، بهدف استيعاب عدد أكبر من الطلاب وتعليمهم بنفس درجة الكفاءة المعهودة دون الإخلال بمتطلبات العملية التعليمية نفسها، وذلك مقابل رسوم منخفضة إذا ما قورنت بتكاليف الدراسة في الجامعات الأهلية.
من المؤكد أن لكل جامعة حكومية طاقة استيعابية محددة، متمثلة في البنى التحتية وكذلك العبء الدراسي لكل عضو من أعضاء هيئة التدريس (النصاب التدريسي) والمحدد طبقاً للوائح الجامعية، وبالتالي فإن التوسع في قبول أعداد متزايدة من الطلاب ضمن منظومة القبول الاعتيادي -بدون رسوم- يعني ضرورة تكليف عضو هيئة التدريس بأعباء تدريسية إضافية خارج العبء التدريسي المخصص له وهو ما لا يمكن تحقيقه عملياً، كما أن التوسع في زيادة أعداد الطلاب في الشعب الدراسية المقررة نظاماً سيؤثر سلباً على مخرجات العملية التعليمية، ولا سيما في الكليات والمعاهد التي ترتبط باتفاقيات متمثلة في اعتمادات أكاديمية دولية، والتي تفرض بدورها معايير صارمة للارتقاء بجودة المنظومة التعليمية، ومنها عدم التوسع في أعداد الطلاب في الفصول الدراسية لضمان وجود حلقة وصل بين المعلم والطالب.
ما سبق شرحه وتوضيحه سابقاً هو بعض الأسباب والدوافع التي حدت ببعض الجامعات إلى إنشاء برامج مدفوعة لبعض البرامج التعليمية، والتي روعي فيها مطابقة معاييرها مع معايير البرامج الأخرى غير المدفوعة، وتنفيذها بنفس دقة تنفيذ تلك البرامج، وذلك لتحسين المخرجات والنتائج، ولكيلا تكون هناك فروق بين الخدمات التعليمية من حيث المضمون والمكتسبات، ولتبقى البرامج المدفوعة بوابة وملجأ للكثير من الطلاب ممن لم يحالفهم الحظ للالتحاق بالبرامج التعليمية غير المدفوعة، وتحتفظ العملية التعليمية ذاتها بنفس جودتها وكفاءتها وفعاليتها.
لا شك لدينا في أن تصريح وزارة التعليم سابق الذكر يعكس يقظة واهتماماً لافتاً منها بالمستجدات والمتغيرات الطارئة على البيئة التعليمية المحلية والدولية، كما ينصب بصورة أساسية في مصلحة الطلاب ويؤثر بصورة مباشرة في مستوى جودة مخرجات الخدمات التعليمية، لأنه في حال تجاهل الوزارة للظروف التي تحتم إنشاء مثل تلك البرامج المدفوعة فإن ذلك يعني أمرين، كلاهما أسوأ من الآخر، الأول أن تظل الجامعات الحكومية بنفس طاقتها الاستيعابية ولا تتمكن من قبول الزيادات الطلابية المطردة، مما يعني لجوء الطلاب للالتحاق بالجامعات الخاصة ذات الرسوم الباهظة والتي لا يستطيع تحملها الكثير من الطلاب، أو أن يتم التوسع في قبول الطلاب دون الاهتمام بمواءمة البنى التحتية للجامعات مع أعداد الطلاب الملتحقين بها، وهو ما سيعني فصولا دراسية مكدسة بالطلاب وقاعات مزدحمة تتسبب في ضعف تام في التواصل بين الطلبة وأعضاء هيئة التدريس، مما سيؤثر كثيراً بالسلب على مخرجات العملية التعليمية، ومن الواضح أن كلتا النتيجتين لا تصبان في مصلحة الطالب.
ولكن.. في المقابل وفي ما يتعلق بهذا السياق يجب أن ننوه بضرورة قيام الجامعات -في حال كونها قادرة على تأمين مواردها المالية المستقلة- باعتماد برامج منح دراسية للطلبة المميزين أو ذوي الدخل المحدود، وهو سلوك تتبعه الكثير من الجامعات الغربية حتى الحكومية منها، والتي تقدم برامج المنح هذه طبقاً لقواعد وضوابط بعينها، للإسهام في احتواء الطلبة النابغين الذين يمثلون ثروات قومية عقلية وفكرية، أو رغبة منها في القيام بمسؤوليتها الاجتماعية تجاه بعض الطلاب من ذوي الدخل المحدود، والمنح الدراسية ليست مجرد برامج تعليمية مجانية لفئات خاصة من الطلبة، بل هي استثمار إستراتيجي في المقام الأول، كونها محاولة لاحتواء كافة النابغين المجتهدين من علماء الغد ممن تُنتظر النهضة على أيديهم، والقادرين على تحويل رؤية الدولة الإستراتيجية الطموحة لواقع حي ملموس.
* كاتب سعودي